على ضفاف الانتظار(109)
الشيخ حسين عبد الرضا الاسدي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الشيخ حسين عبد الرضا الاسدي

التواصلُ زمنَ الظهور
كيفَ يتمُّ التواصُلُ بينَ الناسِ زمن الظهور؟
هل بالطُرُقِ الطبيعيةِ أو الإعجازية؟
في الجوابِ لا بُدَّ أنْ نضعَ في الحُسبانِ الأمورَ الآتية:
الأمر الأول: إنَّ الظاهرَ من الرواياتِ الشريفةِ أنَّ حركةَ الإمامِ المهدي ستكونُ وفقَ القانونِ الطبيعي لا الإعجاز، وإنّما الإعجازُ فيها استثناء، له مُبرِّراته العقلائية، كما هو الحالُ في حركاتِ الأنبياء عمومًا.
الأمر الثاني: إنَّ الرواياتِ تُصرِّحُ بأنَّ الدولةَ المهدويةَ ستشهدُ قفزاتٍ علميةً غيرَ مسبوقةِ النظير، الأمرُ الذي اختصرته الروايةُ الواردةُ عن أبي عبدِ الله أنّه قال: العلمُ سبعةٌ وعشرون حرفًا، فجميعُ ما جاءتْ به الرُسلُ حرفان، فلم يعرفِ الناسُ حتى اليوم غيرَ الحرفين، فإذا قامَ القائمُأخرجَ الخمسةَ والعشرين حرفًا فبثّها في الناس، وضمَّ إليها الحرفين، حتى يبثّها سبعةً وعشرين حرفًا.
الأمر الثالث: إنَّ أهلَ البيتِ رغمَ علمِهم بما سيحصلُ في المُستقبلِ من قفزاتٍ علميةٍ هائلة، إلا أنّهم كانوا يتكلّمون وفقَ المفهومِ للناسِ في زمنِهم، وهذا يستلزمُ التعبيرَ بالكناياتِ في بعضِ الأحيان، وبما يشبهُ الإعجاز –في زمنهم- في أحيانٍ أخرى، تمامًا كما هو القرآنُ الكريمُ، ومن ذلك: أنَّ القرآنَ –وكذا السنة- لم تذكرْ وسائطَ النقلِ الحديثة، ولكن في إشارةٍ خاطفةٍ قد يُستفادُ ذلك منها، كما في قوله (تعالى): ﴿ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ ، فإن الآية وفي مقام عرض ما يُستفاد من الحيوانات، أشارت إلى أنها من وسائل النقل التي يستعملها الإنسان، ويُستفاد من ذيل هذه الآية –كما يقول بعض المفسرين- الإشارة «إلى ما سيصل إليه مآل الإنسان في الحصول على الوسائط النقلية المدنية من غير الحيوانات، فيقول: ﴿ وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ من المراكب ووسائل النقل» .
وهذه الوسائل الحديثة للنقل، وإن كانت من صنع الإنسان مباشرة، ولكنها -من ثَمّ- تنتسب إلى الله (تعالى) باعتبار أنه هو الخالق لجميع عالم الإمكان بالمباشرة أو بالتسبيب، ولو بمعنى إعطاء القوة والعقل الذين يتسببّان في أن يصنع الإنسان ما نراه اليوم من وسائل حديثة للنقل، وربما يأتينا المستقبل بما لم نحلم به اليوم منها.
الأمر الرابع: لقد وردت بعض الروايات التي بيّنت طرق التواصل بين الناس زمن الظهور، ونذكر في هذا المجال الروايات الآتية:
الرواية الأولى: عن أبي عبدِ الله أنّه قال: إنَّ قائمَنا إذا قامَ مدَّ اللهُ لشيعتِنا في أسماعِهم وأبصارِهم، حتى يكونَ بينهم وبينَ القائمِ بريد، يُكلِّمُهم ويسمعون وينظرون إليه وهو في مكانه.
فهذه الروايةُ تقول: بأنّ المسافة بينَ المؤمنِ وبينَ الإمامِ ستكونُ في زمنِ الظهور بمقدار (بريد) أي أربعة فراسخ، أي ما يقربُ من (20 كم)، ومع ذلك يسمعونَ الإمامَ وينظرونَ إليه.
وفي روايةٍ أخرى إضافة (لا) قبل (يكون) أي هكذا: ﴿حَتَّى لَا يَكُونَ بَيْنَهُمْ وبَيْنَ الْقَائِمِ بَرِيدٌ، يُكَلِّمُهُمُ فَيَسْمَعُونَ ويَنْظُرُونَ إِلَيْه وهُوَ فِي مَكَانِه﴾ .
والمقصودُ حينئذٍ هو أنَّ التواصُلَ بينهم يكونُ من دونِ حاجةٍ إلى (بريد) أي رسول يتوسّطُ في نقلِ كلامِ بعضهم إلى بعضهم الآخر.
الرواية الثانية: عن أبي عبدِ الله أنّه قال: إنَّ المؤمنَ في زمانِ القائمِ وهو بالمشرقِ ليرى أخاه الذي في المغرب، وكذا الذي في المغربِ يرى أخاه الذي في المشرق.
والروايةُ واضحةٌ في أنَّ بُعدَ المسافات لن يُشكِّلَ مانعًا من التواصُلِ المُباشرِ بينَ المؤمنين زمن الظهور المبارك.
الرواية الثالثة: عن أبي عبدِ الله: إنّه إذا تناهتِ الأمورُ إلى صاحبِ هذا الأمر، رفعَ اللهُ (تبارك وتعالى) كُلَّ منخفضٍ من الأرض، وخفضَ له كُلَّ مُرتفعٍ منها، حتى تكون الدُنيا عنده بمنزلةِ راحته، فأيّكم لو كانتْ في راحتِه شعرة لم يبصرها؟!
الروايةُ تُبيّنُ رفعَ الموانعِ من الاطلاعِ على أقاصي الأرضِ المُتباعدة، وأنَّ الأرضَ على سعتِها ستكونُ له بمنزلةِ النظرِ إلى راحةِ اليد.
الرواية الرابعة: عن أبي جعفر أنّه قال: إذا قامَ القائمُ بعثَ في أقاليمِ الأرضِ في كُلِّ إقليمٍ رجلًا يقول: عهدُك في كفّك، فإذا وردَ عليك أمرٌ لا تفهمه ولا تعرفُ القضاءَ فيه، فانظرْ إلى كفّك واعملْ بما فيها...
ومن خِلالِ هذه المُعطياتِ يُمكِنُ قولُ الآتي:
إنَّ التواصُلَ بينَ المؤمنين زمنَ الظهور، الذي سيشهدُ تطوّرًا هائلًا في جوانبِ العلومِ المختلفة، سيكونُ من خلالِ وسائلَ راقيةٍ جدًا، تختصرُ المسافاتِ بصورةٍ كبيرة، عبّرتْ عنها بعضُ الرواياتِ بتعبير (عهدك في كفّك) الذي قد يكونُ إشارةً إلى وسيلةٍ أشبه بالهاتفِ الذكي اليوم، لكنّه من نوعٍ أرقى بكثير.
وهذا الأمرُ وإنْ حصلَ في زمنِنا كما هو واضح، إلا أنّه سيكونُ في زمنِ الظهورِ أرقى بكثير.
وبذلك نُفسِّرُ التواصُلَ بطُرُقٍ طبيعيةٍ مُتطوّرة.
ومع ذلك فقد يُقالُ بإمكانِ أنْ يكونَ التواصُلُ بطرقٍ غيرِ طبيعيةٍ آنذاك، خصوصًا مع ما وردَ من عدمِ الحاجةِ إلى (بريد) أي عدم الحاجة إلى رسول، أو قُل: واسطة، في التواصُلِ، وهذا لا مانعَ منه في حدِّ ذاته.
والخلاصة:
أنَّ التواصُلَ سيكونُ بطُرُقٍ راقيةٍ جدًا، بحيث يُمكِنُ الاطّلاعُ على شرقِ الأرضِ وغربها بكُلِّ يُسر، الأمرُ الذي يُمكِنُ تفسيرُه بما يتلاءمُ مع الطُرُقِ الطبيعيةِ آنذاك أو بالطُرُقِ الإعجازية، فكُلٌّ منهما مُحتمل، ولا مانعَ من أيٍّ منهما، وإنْ كانَ يُمكِنُ ترجيحُ اختيارِ الطرقِ الطبيعية؛ لأنّها هي الحالةُ العامةُ لحركةِ الظهور، بالإضافةِ إلى عدمِ وجودِ المُبرِّرِ لإجراءِ المعجزةِ مع ضخامةِ التطوّرِ العلمي آنذاك، خصوصًا مع ما نراهُ اليوم من وسائلِ الاتصالِ الراقية.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat