على ضفاف الانتظار (113)
الشيخ حسين عبد الرضا الاسدي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الشيخ حسين عبد الرضا الاسدي

كيفَ يعلمُ بوقتِ ظهوره؟
تؤكِّدُ الرواياتُ الشريفةُ على أنَّ يومَ الظهورِ المُقدّسِ هو كيومِ القيامةِ من حيث خفاءِ وقته المُحدّد علينا، فقد رويَ أنَّ النبيَّ قيل له: يا رسولَ الله، متىٰ يخرجُ القائمُ من ذُرّيتك؟ فقال : مَثَلُه مثل الساعة التي ﴿لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالأَرضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً﴾ ».
وعلىٰ هذا قد يسألُ بعضٌ:
إذا كانَ وقتُ الظهورِ مخفيًا عن البشر، فكيفَ سيعلمُ الإمامُ المهدي بوقت الظهور وبيومه وساعته بالضبط؟
الجواب:
في البداية، نحنُ نجزمُ بأنَّ هناك طريقةً ما سيعلمُ من خلالها الإمامُ المهدي بساعةِ الظهور بالضبط، إذ لا يُمكِنُ تصوّرُ الظهورِ وبالإذنِ الإلهي من دونِ ذلك، وهذا يعني أنّنا حتىٰ لو لم نصلْ إلىٰ دليلٍ مُقنعٍ بطريقةٍ معينة، فهذا لا ينفي أصلَ المطلوب.
والذي يُمكِنُ احتمالُه في طريقةِ علمِه تلك عدّةُ أمورٍ نذكرُ منها الآتي:
أولًا: أنْ يعلمَ بذلك بطريقةِ العلمِ اللدني، ﴿وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا﴾ ، ذلك العلم الذي تختلفُ أدواتُه عن أدواتنا العلمية، فنحنُ إنّما نعلمُ بالأشياءِ من خلالِ أدواتِنا المُتعارفةِ من (عين، أذن، عقل) وبطريقةِ (القراءة، التعلُّمِ من الأستاذ، التعلُّمِ من التجربة...)، أمّا علمُ المعصومِ فهو بطريقةٍ تختلفُ عن هذه الطريقةِ المُتعارفة، وهو المُسمّىٰ بالعلمِ اللدني.
هذا ما نعتقدُ في أئمتِنا، وهو الذي أكّدته العديدُ من الرواياتِ الشريفة.
فعن أبي جعفر قال: «قال علي: علّمَني رسولُ الله ألفَ باب، يفتحُ ألفَ باب».
وعَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ يَقُولُ فِي هَذِه الآيَةِ ﴿بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ﴾ فَأَوْمَأَ بِيَدِه إِلَىٰ صَدْرِه.
وبعبارة أخرى: وردَ في الرواياتِ الشريفةِ أنَّ المعصومَ يُمكِنُه أنْ يعلمَ أيَّ شيءٍ إذا أراد؛ وذلك لأنّ اللهَ (تعالىٰ) يُعْلِمُهُ بالشيءِ الذي يريدُه، وهذا المعنىٰ ترجمةٌ أخرىٰ للعلمِ اللدني.
فعَنْ عَمَّارٍ السَّابَاطِيِّ قَالَ: «سَالتُ أَبَا عَبْدِ الله عَنِ الإِمَامِ يَعْلَمُ الغَيْبَ؟ فَقَالَ: لَا، ولَكِنْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَعْلَمَ الشَّيْءَ أَعْلَمَه اللهُ ذَلِكَ».
وعَنْ أَبِي عَبْدِ الله قَالَ: «إِذَا أَرَادَ الإِمَامُ أَنْ يَعْلَمَ شَيْئًا أَعْلَمَه اللهُ ذَلِكَ».
ومعه يُمكِنُ القول: إنَّ الإمامَ يُمكِنُه أنْ يعلمَ تلك الساعةَ بهذا العلمِ اللدني.
ثانيًا: أن يكون ذلك بطريقة الوحي غير الرسالي، بأنْ يوحى إليه ويُخبرهُ بساعة الظهور، ببيان:
هناك مفهومٌ يُذكر في علومِ القرآنِ بعنوان (المحدَّث)، ويُقصَدُ به: الشخصُ الذي توحي إليه الملائكةُ ولكنّه ليس بنبي.
إذ الوحيُ في اللغةِ هو الخطابُ الخفي، وقد استعمله القرآنُ الكريمُ بهذا المعنىٰ، وللوحي في القرآنِ الكريمِ استعمالاتٌ عديدةٌ، فقد يُستعمَلُ في الوحي الرسالي كقوله (تعالىٰ): ﴿ إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلىٰ نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ ﴾
وقد يُستعمَلُ في الوحي غير الرسالي، كقوله (تعالىٰ): ﴿ وَأَوْحىٰ رَبُّكَ إِلَىٰ النَّحْلِ... ﴾ ، ﴿ وَأَوْحَيْنا إِلىٰ أُمِّ مُوسىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَالقِيهِ فِي اليَمِّ وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ المُرْسَلِينَ ﴾
فلا مُلازمةَ بينَ الوحي والنبوة، والوحي للإمامِ المهدي هو من نوعِ الوحي غيرِ الرسالي، ويُطلق عليه في اصطلاحِ علومِ القرآنِ الكريم (التحديث)، وقد وردَ في الرواياتِ الشريفةِ أنَّ من أسماءِ مولاتنا فاطمة الزهراء هي المُحدَّثة؛ لأنَّ الملائكةَ كانتْ تُحدِّثُها (صلوات الله عليها).
وهذا المعنىٰ لا مانعَ من حصوله للإمامِ المهدي، خصوصًا وأنّه رويَ أنّ واحداً من المصادر العلمية في حكم الإمامِ لدولةِ الحق سيكونُ الوحيَ.
فقد رويَ عنِ الإمامِ الباقر أنّه قال: «يملكُ القائمُ ثلاثَمائة سنة ويزدادُ تسعًا، كما لبثَ أهلُ الكهفِ في كهفهم، يملأُ الأرضَ عدلًا وقسطًا كما مُلئتْ ظلمًا وجورًا، فيفتحُ اللهُ له شرقَ الأرضِ وغربها،... ويدعو الشمسَ والقمرَ فيُجيبانه، وتُطوىٰ له الأرضُ، ويوحىٰ إليه فيعملُ بالوحي بأمرِ الله».
ثالثًا: جاءَ في بعضِ المروياتِ أنَّ للإمامِ علَمًا وسيفًا سينطقانِ ساعةَ الظهور ويُخبرانِ الإمامَ بذلك، فقد رويَ عن الإمامِ الصادقِ:...«القائمُ له عَلَمٌ إذا حانَ وقتُ خروجه انتشرَ ذلك العلَمُ من نفسه، وأنطقه الله فناداه: اخرجْ يا وليَّ الله، فاقتلْ أعداءَ الله، وله سيفٌ مُغمد ، إذا حانَ وقتُ خروجه اقتلعَ ذلك السيف من غمده، وأنطقه الله، فناداه السيف: اخرجْ يا وليَّ الله، فلا يحِلُّ لكَ أنْ تقعدَ عن أعداءِ الله، فيخرجُ ويقتلُ أعداءَ اللهِ حيث ثقفهم، ويُقيمُ حدودَ اللهِ ويحكمُ بحكمِ اللهِ».
ملحوظة:
قد تكونُ هذه الطُرُقُ كُلُّها راجعةً إلىٰ (العلم اللدني)، ولكنَّ الرواياتِ عبّرتْ عن ترجمةِ هذا العلم بالأمورِ المذكورة، من الوحي أو إنطاقِ العلم والسيف.
المُهمُّ أنَّ هناك طريقةً غيبيةً معينةً يتمُّ من خلِالها إعلام الإمام المهدي بساعة الظهور.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat