على ضفاف الانتظار(110)
الشيخ حسين عبد الرضا الاسدي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الشيخ حسين عبد الرضا الاسدي

التواصُلُ مع الملائكة
هل يُمكِنُ للإنسانِ المؤمنِ أنْ يُباشرَ الحديثَ مع الملائكة؟
حتى تتضحَ الصورةُ نذكرُ الأمورَ الآتية:
الأمر الأول: إنَّ في شخصيةِ الإنسانِ جزأين أساسيين: جزءًا ماديًا هو البدن، وجزءًا معنويًا مجردًا هي الروح، والبدنُ في الحقيقةِ عبارةٌ عن سجنٍ للروح، وهذا أحدُ معاني ما رويَ عن رسولِ اللهمن أنَّ الدُنيا سجنُ المؤمن ولذلك فإنَّ الروحَ تحتاجُ في عالمِ الدنيا إلى البدنِ وآلاته من أجلِ التكامل. فالروحُ لا تستطيعُ أنْ تفعلَ أفعالَها إلا من خِلالِ البدن، فأنتَ تفعلُ بيدك وتتكلّمُ بلسانك وتمشي برجلك وهكذا.
الأمر الثاني: إنَّ للإنسانِ مشروعًا في هذه الحياة، هو التكامُلُ الوجودي، والتكاملُ الوجودي يعني فيما يعنيه أنْ تسموَ الروحُ في مدارجِ الكمالِ والقُربِ الإلهي حتى تصلَ إلى مرحلةٍ تتجاوزُ الحدودَ المادية، كما رويَ عَنْ رَسُول اللهِ: «قَالَ اللهُ: مَنْ أَهَانَ لِي وَلِيًّا فَقَدْ أَرْصَدَ لِمُحَارَبَتِي، ومَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدٌ بِشـَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْه، وإِنَّه لَيَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّافِلَةِ حَتَّى أُحِبَّه، فَإِذَا أَحْبَبْتُه كُنْتُ سَمْعَه الَّذِي يَسْمَعُ بِه، وبَصَرَه الَّذِي يُبْصـِرُ بِه، ولِسَانَه الَّذِي يَنْطِقُ بِه ويَدَه الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، إِنْ دَعَانِي أَجَبْتُه، وإِنْ سَأَلَنِي أَعْطَيْتُه...».
وهذا يعني: أنَّ الإنسانَ عندما يتكاملُ فإنّه يبدأُ بالتحرُّرِ عن قيودِ البدنِ شيئًا فشيئًا، حتى تتمكّنَ الروحُ من التعامُلِ مع المُجرّداتِ واللا مرئيات، حيث تنفتحُ عينُ الروحِ أوسع ممّا تنفتحُ به عينُ البدن، ولذلك كانَ الأولياءُ يرونَ الملائكةَ ويسمعونَ حديثهم، وليس هناك أوضحُ من الإيحاءِ إلى أمِّ موسى والسيدةِ مريم وتحديثِ الملائكةِ للسيدةِ الزهراءِ وغيرهن من الرجالِ كثير.
ومن الشواهد على ذلك أيضًا: أنَّ القرآنَ الكريمَ يحكي بكُلِّ صراحةٍ أنَّ الملائكةَ والجِنَّ والشياطين كانتْ تحتَ إمرةِ النبي سليمان، وأنّ هناك عفريتًا من الجِنِّ تحدّثَ مع النبي سليمان في أنْ يأتيَه بعرشِ بلقيس قبلَ أنْ يقومَ من مقامه، ولا شكّ أنَّ من الموجودين ضمنَ هذه الجلسة كانوا من البشـر، بل إنَّ الذي عندَه علمٌ من الكتابِ امتثلَ لأمرِ سليمان في أنْ يأتيَه بعرشِ بلقيس قبلَ أنْ يرتدّ َإليه طرفه. وهو من البشرِ أيضًا.
الأمر الثالث: إنَّ الإمامَ المهدي سيعملُ على فتحِ منافذِ التكامُلِ الوجودي للمؤمنين على أوسعِ مدياتها، وكما تشير الرواياتُ الشريفةُ إلى أنَّ المؤمنَ سينفتحُ قلبُه على الحقائقِ الملكوتيةِ نتيجةَ التكامُلِ الذي يحصلُ عليه من رعايةِ الإمامِ المهدي المباشرة، تلك الرعايةُ التي عبّرتْ عنها الرواياتُ الشريفةُ بتعبيراتٍ مُختلفة، مثل ما رويَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ أنه قَالَ:«إِذَا قَامَ قَائِمُنَا وَضَعَ اللهُ يَدَه عَلَى رُؤُوسِ الْعِبَادِ فَجَمَعَ بِهَا عُقُولَهُمْ وكَمَلَتْ بِه أَحْلَامُهُمْ».
«أي زادَ اللهُ في دماغِهم فأكملَ شعورَهم وفكرَهم بقُدرتِه الكاملة»
من هذا ينتج: أنَّ التواصُلَ مع الملائكةِ -بالحديث معهم مثلًا- هو أمرٌ مُمكنٌ في حدِّ نفسه، ولا يلزمُ منه تناقُضٌ عقلي حتى يُقال بامتناعه، ولا يوجدُ مانعٌ شرعي يمنعُ منه، إنّما المانعُ هو عدمُ تطوّرِ مداركِ الإنسانِ في طريقِ التكامُل، وتعلُّقه بالبدن، والبدنُ لا إمكانيةَ عنده للتواصُلِ المُباشرِ مع المُجرّدات، فإذا تكاملتِ الروحُ، أمكنها أنْ تتحرّرَ قليلًا أو كثيرًا من قيودِ البدن، حينَها يُمكِنُ أنْ تطالعَ عالمَ المُجرّداتِ وتتواصلَ مع موجوداتِه المجردة.
وهذا ما أشارتْ له بعضُ الرواياتِ الشريفة، فقد رويَ عن أبي الحسن الرضا قال: إذا قامَ القائم، يأمرُ اللهُ الملائكةَ بالسلامِ على المؤمنين، والجلوسِ معهم في مجالسهم، فإذا أرادَ واحدٌ حاجةً أرسلَ القائمَ من بعضِ الملائكةِ أنْ يحمله، فيحمله الملكُ حتى يأتيَ القائم، فيقضي حاجته، ثم يرده.
ومن المؤمنين من يسيرُ في السحاب، ومنهم من يطيرُ مع الملائكة، ومنهم من يمشي مع الملائكة مشيًا، ومنهم من يسبقُ الملائكة، ومنهم من تتحاكمُ الملائكةُ إليه، والمؤمنون أكرمُ على اللهِ من الملائكة، ومنهم من يُصيّرُه القائمُ قاضيًا بين مائةِ ألفٍ من الملائكة.
وفي روايةِ المفضل بن عمر الطويلة مع الإمامِ الصادق أنّه قال له: يا سيّدي وتظهرُ الملائكةُ والجِنُّ للناس؟ قال: إي واللهِ يا مفضل، ويُخالطونهم كما يكونُ الرجلُ مع جماعتِه وأهله.
فتبيّنَ ممّا تقدّم:
أنَّ التواصُلَ المُباشرَ مع الملائكةِ –فضلًا عن الجن- أمرٌ مُمكنٌ في حدِّ نفسه، وأنَّ المانعَ منه عندنا هو أحكامُ المادة، فإذا استطاعَ أحدٌ أنْ يتكاملَ حتى تتجاوزَ روحُه المادة -أو بعض أحكامها-، أمكنه التواصُلُ مع الملائكة بلا إشكال، إنّما الكلامُ في كيفيةِ التكامُلِ الذي يوصِلُ إلى تلك الحال، ونحنُ نجزمُ أنّ المؤمنين يُمكِنُهم أنْ يصلوا إلى تلك المرتبةِ التكامُليةِ زمنَ ظهورِ الإمامِ المهدي حيث سيكونون تحتَ رعايته المُباشرة.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat