على ضفاف الانتظار (114)
الشيخ حسين عبد الرضا الاسدي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الشيخ حسين عبد الرضا الاسدي

في أي يومٍ يظهر بالضبط؟
من الاسئلةِ التي تتبادرُ إلى أذهانِ كثيرٍ من المنتظرين، ممّن أحرقَ الشوقُ قلوبَهم لرؤيةِ إمامهم، هو السؤالُ عن اليومِ الذي يظهرُ فيه الإمامُ المهدي.
وحتى نكون على بيّنةٍ من الجوابِ نذكرُ خطوتين:
الخطوة الأولى:
إذا كانَ المقصودُ من هذا السؤالِ هو التعيينَ الدقيقَ بالتاريخِ التفصيلي للظهور، يعني السّنة المُعيّنة، فهذا ما ذكرتِ الرواياتُ أنّه لم يؤذَنْ لأهلِ البيتِ بإظهاره، وأنّه لا يعلمُه أحدٌ الا الله (تعالى)، وأنَّ تحديدَه يُعدُّ من التوقيتِ الذي يستلزمُ التكذيب.
فقد وردَ في التوقيعِ الشريف، الذي نقله الشيخُ الصدوقُ عن محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني (رضي الله عنه) قال: سمعتُ أبا علي محمد بن همام يقول:...«وكتبتُ أسأله عن الفرج متى يكون؟ فخرج إلي: كذبَ الوقّاتون».
وعن محمد بن مسلم، قال: قال أبو عبد الله: «يا محمد، من أخبرك عنّا توقيتًا فلا تهابنّ أنْ تُكذِّبَه، فإنّا لا نوقِّتُ لأحدٍ وقتًا».
الخطوة الثانية:
أما إذا كانَ المقصودُ هو ذكرَ اليومِ أو السنة من دون تعيين تفصيلي، اعتمادًا على ما وردَ عن أهلِ البيت، فهُنا يُقالُ الآتي:
لقد وردَت في هذا الشأنِ عِدّةُ رواياتٍ، نعرضها تباعًا:
الرواية الأولى: يخرج في وتر من السنين:
عن أبي عبدِ الله أنّه قال: «لا يخرجُ القائمُ إلا في وترٍ من السنين، تسعٍ وثلاثٍ وخمسٍ وإحدى».
وهذه الروايةُ ليسَ فيها أيُّ توقيت، ولا تذكرُ أكثرَ من أنَّ الإمامَ يخرجُ في سنةٍ فرديةٍ لا زوجية...
علماً أن المتبادر من السنة هي القمرية لا الشمسية.
الرواية الثانية: يوم الجمعة:
عن أبي عبدِ الله قال: «...ويخرجُ قائمُنا أهلَ البيتِ يومَ الجمعة...».
وكذلك وردَ في زيارته يوم الجمعة: «يا مولاي يا صاحبَ الزمان، صلواتُ اللهِ عليك وعلى آلِ بيتك، هذا يومُ الجمعةِ وهو يومُك المُتوقَّعُ فيه ظهورك والفرج فيه للمؤمنين على يدك..».
وهذه الروايةُ وإنْ ذكرتْ أنَّ ظهورَه يكونُ يومَ الجمعة، ولكنّها لم تُحدِّدْ أيّ جمعةٍ من أيّ شهرٍ أو من أيّ سنة، بل فقط تذكُرُ أنَّ ظهورَه سيكونُ في هذا اليوم، وهذا ليس من التوقيتِ كما هو واضح.
الرواية الثالثة: يوم عاشوراء، يوم السبت:
عن أبي جعفر: «كأنّي بالقائمِ يومَ عاشوراء يومَ السبت قائمًا بينَ الركنِ والمقام، بينَ يديه جبرئيل يُنادي: البيعة لله، فيملؤها عدلًا كما مُلئت ظلمًا وجورًا».
وهذه الروايةُ تُحدِّدُ ظهورَه في يومِ السبت الذي يُصادِفُ يومَ عاشوراء.
ومن الواضحِ أنَّ كلمةَ (عاشوراء) وإنْ كانتْ تعني يوم العاشر من كُلِّ شهر، ولكن تعارفَ لدى الأئمةِ والشيعةِ مُنذُ القِدَمِ إطلاقُ (يوم عاشوراء) على خصوصِ العاشر من محرم الحرام، وهو اليوم الذي استشهدَ فيه الإمامُ الحُسينُ، وهذا الإطلاقُ واضحٌ في زيارةِ عاشوراء.
فضلاً عن تصريح بعض الروايات بأن المقصود هو عاشوراء الإمام الحسين، كما في ما روي عن أبي بصير، قال: قال أبو عبد الله: «يُنَادَىٰ بِاسْمِ اَلْقَائِمِ فِي لَيْلَةِ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ، وَيَقُومُ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ، وَهُوَ اَلْيَوْمُ اَلَّذِي قُتِلَ فِيهِ اَلْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ، لَكَأَنِّي بِهِ فِي يَوْمِ اَلسَّبْتِ اَلْعَاشِرِ مِنَ اَلمُحَرَّمِ قَائِماً بَيْنَ اَلرُّكْنِ وَ اَلمَقَامِ...» .
وروي عن أبي بصير، قال: قال أبو عبد الله: «إِنَّ اَلْقَائِمَ (صَلَوَاتُ اَللهِ عَلَيْهِ) يُنَادَىٰ اِسْمُهُ لَيْلَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ، وَيَقُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ يَوْمَ قُتِلَ فِيهِ اَلْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ» .
وهُنا قد يُسأل: إنَّ الروايةَ الثانيةَ حدّدتْ ظهورَه في يومِ الجمعة، والثالثة في يومِ السبت، وهذا اختلافٌ واضح؟
والجواب:
لعلَّ ذلك من بابِ أنَّ الظهورَ الأولي له سيكونُ يومَ الجمعة، وأمّا في يومِ السبت فإنّه ستتمُ البيعةُ له، خصوصًا وأنّ الروايةَ الثالثةَ ذكرتْ أنَّ جبرئيلَ سيُنادي بالبيعةِ للهِ (تعالى).
الرواية الرابعة: عيد النيروز:
رويَ عن أبي عبدِ الله قال: «يومُ النيروز هو اليومُ الذي يظهرُ فيه قائمُنا أهلَ البيت..».
وبغضِّ النظرِ عن سندِ هذه الرواية، فإنّها لا تُحدِّدُ أيَّ عيدِ نيروزٍ تحديدًا، فلا توقيت فيها.
مع ملاحظةِ أنّه قد يُقال: إنّه يُمكِنُ أنْ يُصادِفَ يومُ النيروز الذي هو على الحسابِ الشمسي (21 آذار) مُقترنًا بيومِ عاشوراء (العاشر من محرم) الذي هو على الحسابِ القمري، فلا يكونُ هناك تعارُضٌ بينَ الرواياتِ الثلاثة الأخيرةِ.
وعلى كُلِّ حال:
1) لا يُمكِنُنا الجزمُ بتاريخِ مُحدَّدٍ للظهورِ خارجَ إطارِ الاحتمالاتِ المذكورة.
2) إنَّ المُهمَّ لنا -نحنُ المُنتظرين- أنْ نعملَ على التمهيدِ لظهورِه.
3) وأنْ نكونَ على استعدادٍ دائمٍ للظهورِ في أيّ وقتٍ كان.
4) وعلينا أنْ لا ننسى أنَّ أمرَهم سيكونُ أوضحَ من الشمسِ لمن كانَت عندَه معرفةٌ مُسبقةٌ بالقضيةِ المهدويةِ وما يدورُ حولها.
5) يُمكِنُ القولُ: إنَّ التوقيتَ المنهي عنه لا يختصُّ بحالةِ تحديدِ سنةٍ معينة، وإنّما يشملُ تحديدَ فترةٍ مُعيّنة، كأنْ يُقال: سيخرجُ في هذه السنواتِ الثلاثة، أو يُقال: سيخرجُ في القرنِ أو العقدِ الفلاني. فكُلُّ ذلك هو من التوقيت.
أسأل الله تعالى أن يدركنا واياكم بعصر ظهوره المبارك على سلامة من ديننا وأن يجعلنا من الممهدين لدولته المباركة، وأن يتقبل منا هذا القليل، إنه سميع مجيب، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat