صفحة الكاتب : الشيخ حسين عبد الرضا الاسدي

على ضفاف الانتظار(105)
الشيخ حسين عبد الرضا الاسدي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

هل هناك سبي في دولة الإمام المهدي عليه السلام؟
بدايةً، لا بُدّ أنْ يُعلم: أنّ هذا السؤالَ لا يُثارُ فقط فيما يتعلّقُ بالإمامِ المهدي، وإنّما هو سؤالٌ أُثيرَ على أصلِ تشريعِ الاستعبادِ والاسترقاقِ عندَ الحروبِ في الدينِ الإسلامي، وقد كُتبتْ كُتُبٌ عديدةٌ في بيانِ الردِّ على هذه الشبهةِ من قبل علمائنا، وكانَ الجوابُ المشهورُ هو:
أنَّ الرقَّ كانَ حالةً سائدةً في ذلك الزمان، خصوصًا أنَّ الطرفَ الآخرَ كانَ يستعبدُ المسلمين لو ظفرَ بهم، وقد اتخذَ الإسلامُ طريقةَ التدرُّجِ لنفي الرِقِّ، لا بطريقةٍ فجائية، -إذ يصعبُ اتباعُ الناسِ لهذا النفي بصورةٍ مُفاجئة- وذلك عبرَ تشريعِ عتقِ الرقبةِ كفارةً للعديدِ من الذنوب، كالإفطارِ عمدًا، وحنثِ اليمين، وما شابه، بالإضافةِ إلى تشريعِ استحبابِه في حدِّ نفسه. هذا فضلًا عن الحقوقِ الإنسانيةِ التي شرّعها الإسلامُ للعبدِ من إسكانه وإطعامه واحترامه...
وعلى كُلِّ حال، نُلفِتُ النظرَ إلى الأمورِ الآتية:
الأمر الأول: إنَّ الإمامَ المعصومَ عمومًا لديه من العلمِ ما يكشفُ له الواقع، ممّا يعني أنَّ قولَه وفعلَه دائمًا مُصيبٌ للواقعِ وللشريعة الإلهية، ولا يُحتملُ فيه الخطأ.
وقد ثبتَ في علمِ الكلامِ أنَّ لأئمتِنا العلمَ اللدني والعصمة، وقد صرّحتِ العديدُ من النصوصِ بذلك، من قبيلِ ما رويَ عنِ الإمامِ الحسينِ قال: لمّا أنزلتْ هذه الآيةُ على رسولِ الله: ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ﴾ قامَ أبو بكر وعمر من مجلسهما فقالا: يا رسولَ الله، هو التوراة؟ قال: لا. قالا: فهو الإنجيل؟ قال: لا. قالا: فهو القرآن؟ قال: لا. قال: فأقبلَ أميرُ المؤمنين عليٌ فقال رسولُ الله: هو هذا، إنّه الإمامُ الذي أحصى اللهُ (تبارك وتعالى) فيه علمَ كُلِّ شيء.. 
فلاحظْ كيفَ أنّ النبيَّ أوضحَ أنَّ أميرَ المؤمنين هو الإمامُ الذي حوى علمَ كُلِّ شيء، وهذا لا يكونُ إلا بعلمٍ لدنيٍ خاص.
الأمر الثاني: نعتقدُ أنَّ اللهَ (تعالى) حكيم، ومن حكمته أنّه لا يأمرُ ولا ينهى إلا وفقَ مصالحَ ومفاسدَ واقعية، على أساسها يكونُ الحكمُ الشرعي على الرأي المشهور، فما فيه مصلحةٌ يأمرُ به (تعالى)، وما فيه مفسدةٌ ينهى عنه.
نعم، تلك الملاكاتُ الواقعيةُ ليست مُتاحةً دائمًا لنا، ولذا لم نُكلَّفْ بمعرفتها؛ لأنّها خارجُ قدرتنا.
وهذا يعني: أنَّ أيَّ حُكمٍ شرعيٍ يُكلِّفُ به اللهُ (تعالى) عباده، فإنّما هو لمصلحةٍ أو مفسدةٍ ترجعُ عليهم هم، لا أنّه هو (تعالى) مُحتاجٌ إلى تلك المصلحةِ والمفسدة، غاية الأمر، أنَّ الناسَ قد لا يكتشفون المصلحةَ من الأمرِ ببعضِ التكاليف، أو المفسدة من النهي عن بعضها الآخر، ولكنّ عدمَ العلمِ لا ينفي المِلاكَ الواقعي للحكم.
الأمر الثالث: في قانونِ التشريعِ الإسلامي –كما هو الحالُ في التشريعاتِ البشريةِ والعقلائية- توجدُ تشريعاتٌ ثابتةٌ لموضوعاتٍ معينةٍ بالحكمِ الأولي، ولكن لظرفٍ موضوعيٍ معينٍ يتغيّرُ حكمها إلى آخر يُسمّى بالحكمِ الثانوي، ممّا يعني أنَّ بعضَ الأحكامِ الشرعيةِ تابعةٌ للظرفِ الموضوعي.
فأكلُ الميتةِ حرامٌ بالحكمِ الأولي، ولكنّه عندَ الضرورةِ يجوزُ، وقد يجب، والغيبةُ حرام، ولكنّها تكونُ جائزةً في بعضِ الأحيان، كالسؤالِ عن عفافِ امرأةٍ يُرادُ الزواجُ بها، بل قد تكونُ لازمةً في بعضِ الأحيان.
ومعرفةُ الظرفِ الموضوعي المُناسبِ للحكم، وكونُ اللازمِ هو تطبيق الحكمِ الأولي أو الثانوي ليس في مُتناولِ يدِ الجميع، وإنّما يحتاجُ –في كثير من الأحيان- إلى تفقُّهٍ ودرايةٍ عاليةٍ في أحكامِ الدين، ولا أعلمَ ولا أدقَّ ولا أصدقَ من الإمامِ المعصومِ في تحديدِ ذلك كما هو واضح.
إذا تبيّنَ هذا نقول:
أولًا: لم نجدْ روايةً صحيحةً تدلُّ على وقوعِ السبي زمنَ الظهورِ على يدي الإمامِ المهدي، نعم، هناك روايةٌ عامية ذكرها المقدسي في عقدِ الدُرَر، حيثُ روى: «ثم إنَّ المهديَّ يبعثُ جيشًا إلى أحياءِ كلب، والخائبُ من خابَ من سبي كلب..»  وهي روايةٌ عاميةٌ –وليست شيعية- وضعيفةُ السند، ولا تصحُّ للاستدلالِ أو الجزمِ بوقوعِ مضمونها.
ثانيًا: إنَّ وقوعَ السبي عندَ الحربِ ليس أمرًا لازمًا، يعني: أنّه لا يجبُ على الحاكمِ أنْ يسبيَ الكفار، وإنّما هو أمرٌ تابعٌ لولي الأمر، قال تعالى: ﴿حَتَّىٰ إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً حَتَّىٰ تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها﴾، فلم يكنِ الرسولُ مُلزمًا بالسبي، وإنّما كانَ مُخيّرًا بينَ المنِّ عليهم وإطلاقِ سراحِهم بعدَ أسرِهم وسبيهم، وبينَ أنْ يفديَ الأسيرُ نفسَه بشيءٍ معينٍ من مالٍ أو غيره.
وفي هذا المجالِ قال الشيخُ ناصر مكارم الشيرازي: وتُبيّنُ الجملةُ التاليةُ حكمَ أسرى الحربِ الذي يجبُ أنْ يقام بحقّهم بعدَ انتهاءِ الحرب، فتقول: فإمّا منًّا بعد وإمّا فداء، وعلى هذا لا يُمكِنُ قتلُ الأسيرِ الحربي بعد انتهاءِ الحرب، بل إنَّ وليَّ أمرِ المسلمين -طبقا للمصلحةِ التي يراها– يطلقُ سراحهم مُقابلَ عوضٍ أحيانًا، وبلا عوضٍ أحيانًا أخرى، وهذا العوض –في الحقيقة- نوعٌ من الغرامةِ الحربيةِ التي يجبُ أنْ يدفعَها العدو .
طبعًا يوجدُ حُكمٌ ثالثٌ في الإسلامِ فيما يتعلّقُ بهذا الموضوع، وهو استعبادُ الأسرى، إلا أنّه ليس أمرًا واجبًا، بل هو راجعٌ إلى ولي أمرِ المسلمين يُنفذُه عندما يراهُ ضرورةً في ظروفٍ خاصة، ولعلّه لم يردْ في القرآنِ بصراحةٍ لهذا السبب، بل بيّنته الرواياتُ الإسلاميةُ فقط.
يقولُ فقيهنا المعروف (الفاضل المقداد) في كتابه (كنز العرفان): إنَّ ما رويَ عن مذهبِ أهلِ البيت أنَّ الأسيرَ لو أسرَ بعدَ انتهاءِ الحربِ فإنَّ إمامَ المسلمين مُخيّرٌ بينَ ثلاث: إمّا إطلاقه دون شرط، أو تحريره مُقابلَ أخذِ الفدية، أو جعله عبدًا، ولا يجوزُ قتلُه بأيّ وجه... 
ثالثًا: لو فرضنا وقوعَ السبي آنذاك، فلا شكَّ أنّه يكونُ وفقَ الحكمِ الشرعي الذي يعرفه الإمامُ المهدي أكيدًا؛ لأنّه معصوم، وهو يعرفُ الملاكاتِ الواقعيةَ للأحكام، فيكونُ وقوعُ السبي موافقًا لما يُريدُه اللهُ (تبارك وتعالى).
رابعًا: على أنّه يظهرُ من بعضِ الرواياتِ أنَّ الإمامَ المهدي سيعملُ على إعتاقِ كُلِّ العبيدِ في كُلِّ الأرض، فقد رويَ عن عبدِ الله بن شريك، عن أبي جعفر محمد بن علي، أنّه قال: «لا تكونُ حربٌ سالمةٌ حتى يبعثُ قائمنا ثلاثةَ أراكيب في الأرضِ، ركب يعتقون مماليك أهل الذمة، وركب يردّون المظالم...» .
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


الشيخ حسين عبد الرضا الاسدي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2024/05/28



كتابة تعليق لموضوع : على ضفاف الانتظار(105)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net