صفحة الكاتب : د . فاضل حسن شريف

مفهوم الأرض المقدسة في القرآن الكريم (ح 14)
د . فاضل حسن شريف

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

جاء في التبيان للشيخ الطوسي: قوله تعالى "إِذ ناداه‌ُ رَبُّه‌ُ بِالوادِ المُقَدَّس‌ِ طُوي‌ً" (النازعات 16) قرأ ‌إبن‌ كثير و ابو عمرو و نافع‌ (طوي‌ اذهب‌) ‌غير‌ منونة. الباقون‌ (طوي‌ اذهب‌) منونة. و قرأ نافع‌ "تزكي‌" مشددة الزاي‌ بمعني‌ تتزكي‌، فأدغم‌ التاء ‌في‌ الزاي‌. الباقون‌ خفيفة الزاي‌، فحذفت‌ احدي‌ التاءين‌. ‌قال‌ ابو عمرو: يقال‌: تزكي‌ مشدداً ‌إذا‌ أردت‌ تتصدق‌، و ‌لم‌ يدع‌ موسي‌ فرعون‌ ‌إلي‌ ‌ان‌ يتصدق‌، و ‌هو‌ كافر. و إنما ‌قال‌ ‌له‌ هل‌ لك‌ ‌ان‌ تصير زاكياً، ‌قال‌: فالتخفيف‌ ‌هو‌ الاختيار. و ‌من‌ نون‌ (طوي‌) جعله‌ اسم‌ واد، و ‌من‌ ‌لم‌ ينون‌ جعله‌ اسم‌ ‌الإرض‌، لأنه‌ معدول‌ ‌من‌ (طاو). و ‌من‌ كسر الطاء ‌قال‌: قدس‌ مرتين‌، و تبين‌ ‌فيه‌ البركة مرتين‌، مثل‌ ثني‌ و عدي‌. ‌هذا‌ خطاب‌ ‌من‌ اللّه‌ ‌تعالي‌ لنبيه‌ ‌محمّد‌ ‌صلي‌ اللّه‌ ‌عليه‌ و آله‌ يقول‌ ‌له‌ "هَل‌ أَتاك‌َ" ‌ يا ‌ ‌محمّد‌ "حَدِيث‌ُ مُوسي‌" فلفظه‌ لفظ الاستفهام‌ و المراد ‌به‌ التقرير "إِذ ناداه‌ُ رَبُّه‌ُ" ‌ أي ‌ حين‌ ناداه‌ اللّه‌ "بِالوادِ المُقَدَّس‌ِ طُوي‌ً" (النازعات 16) فالنداء الدعاء ‌علي‌ طريقة ‌ يا ‌ فلان‌، و الندا مدّ الصوت‌ بندائه‌، فمعني‌ «ناداه‌ُ» ‌قال‌ ‌له‌ ‌ يا ‌ موسي‌. ‌ثم‌ أمره‌ بالذهاب‌ ‌إلي‌ فرعون‌ الطاغي‌ و (الوادي‌ المقدس‌) يعني‌ المطهر و (طوي‌) ‌قال‌ مجاهد و قتادة: واد، و ‌قيل‌ طوي‌ التقديس‌. و قرأ الحسن‌ (طوي) بكسر الطاء. و ‌قيل‌ طوي‌ بالبركة و التقديس‌ بندائه‌ مرتين‌. و (طوي‌) ‌غير‌ مصروف‌، لأنه‌ اسم‌ البقعة ‌من‌ الوادي‌و ‌هو‌ معرفة، و يجوز ‌أن‌ ‌يکون‌ معدولا ‌من‌ (طاوي‌) ‌في‌ قول‌ الزجاج‌.

جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: و كانت نتيجة صلف و عناد بني إسرائيل أنّهم لاقوا عقابهم، إذ استجاب اللّه دعاء نبيه موسى عليه السّلام، فحرم عليهم دخول الأرض المقدسة، المليئة بالخيرات مدّة أربعين عاما، و في هذا المجال تقول الآية القرآنية الكريمة: قالَ "فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً" (المائدة 26) و زادهم عذابا إذ كتب عليهم التيه و الضياع في البراري و القفار طيلة تلك الفترة، حيث تقول الآية في ذلك: "يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ" (المائدة 26) و قد سميت الصحراء التي تاه فيها بنو إسرائيل باسم (التيه) أيضا، و كانت جزءا من صحراء سيناء، كما ذكرنا في الجزء الأوّل من تفسيرنا هذا. بعد ذلك تذكر الآية أنّ ما نال بني إسرائيل من عذاب في تلك المدة، كان مناسبا لما فعلوه، و تطلب من موسى عليه السّلام أن لا يحزن على المصير الذي لا قوه حيث تقول الآية الكريمة: فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ‌. و ربما كان سبب ورود الجملة الأخيرة، هو أنّ موسى عليه السّلام قد ثارت عاطفته بعد أن علم بالعذاب الذي كتبه اللّه على بني إسرائيل، فطلب من اللّه العفو لقومه- كما ورد في التوراة المتداولة- فأجابه برد سريع أوضح له أن بني إسرائيل يستحقون ذلك العذاب، و هم لا يستحقون العفو الإلهي لأنّهم أناس فاسقون و عصاة، متكبرون، و من كان هذا شأنه سيلاقي حتما مثل هذا المصير. و يجب الانتباه إلى أنّ حرمان بني إسرائيل من الدخول إلى الأرض المقدسة، لم يكن له طابع للانتقام كما أن جميع العقوبات الإلهية ليس فيها طابع انتقامي، بل هي إما أن تكون لأجل تقويم شخصية الفرد، أو تكون نتيجة لأخطائه و معاصيه. و قد اشتمل هذا الحرمان على فلسفة خاصّة، حيث تحرر بنو إسرائيل بعد معاناة طويلة قاسوها في ظل الكبت و القمع الفرعوني اللذين خلفا فيهم عقد الإحساس باحتقار النفس و الذل و الضعة و النقص، لذلك فهم لم يبدوا استعدادا لتطهير أنفسهم و أرواحهم في تلك الفترة بعد التحرر و في ظل قيادة و زعامة نبيّهم موسى عليه السّلام كما لم يكونوا مستعدين لتلك القفزة المعنوية التي كان من شأنها أن تهي‌ء لهم حياة جديدة مقرونة بالفخر و العز و السؤدد، و جوابهم لموسى عليه السّلام- الذي اشتمل على رفضهم الدخول إلى ميدان الجهاد التحرري في الأرض المقدسة- خير دليل على هذه الحقيقة. لذلك كان من الضروري أن يعاني بنو إسرائيل من التيه و الضياع في الصحراء، ليزول الجيل الضعيف العاجز منهم بشكل تدريجي و ليحل محله جيل جديد في محيط الصحراء، محيط الحرية و في أحضان التعاليم الإلهية، و قد صقلت نفوسهم حياة الصحراء القاسية الضارية، و وهبت لأرواحهم و أنفسهم القوة و القدرة، و أعدتهم لخوض غمار ذلك الجهاد ليقيموا حكومة الحق في تلك الأرض المقدسة.

تكملة للحلقة السابقة جاء في موقع براثا عن مجلس حسيني انحراف المجتمع وعقوبة السماء للشيخ عبد الحافظ البغدادي: النقطة التي يجب الإِنتباه إليها، هي أنّ السامري كان يعرف أن قوم موسى عليه السلام قد عانوا سنين عديدة من الحرمان والخوف، وباع اغلبهم عقيدتهم من اجل المادة والطمع يعني اليهود تغلب عليهم روح المادية ـويعطون المال اهمية اكثر من الدينيولون للحليّ والذهب والدولار احتراماً خاصّاً، لهذا صنع لهم عجلا من ذهب حتى يستقطب إهتمام بني إسرائيل من عبيد الثروة.وفعلا مجرد ان غاب عنهم نبيهم ليناجي ربه تركوا عقيدتهم وتبعوا شخصا يسمى السامري فمن هو السامري؟ عن عمرو بن غزوان، عن أبي مسلم قال: خرجت مع الحسن البصري وأنس بن مالك حتى أتينا باب أم سلمة، فقعد أنس على الباب ودخلت مع الحسن البصري، فسمعته يقول: السلام عليك يا أماه ورحمة الله و بركاته، فقالت له: وعليك السلام من أنت ؟ فقال: أنا الحسن البصري، فقالت: فيما جئت يا حسن؟ فقال لها: جئت لتحدثيني بحديث سمعتيه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في علي بن أبي طالب عليه السلام فقالت أم سلمة: والله لأحدثنك بحديث سمعته أذناي من رسول الله ورأته عيناي ووعاه قلبي سمعته يقول لعلي: (يا علي ما من عبد لقي الله يوم يلقاه جاحدا لولايتك إلا لقي الله بعبادة صنم أو وثن)، قال: فسمعت الحسن البصري وهو يقول: الله أكبر أشهد أن عليا مولاي ومولى المؤمنين، فلما خرج قال له أنس بن مالك: مالي أراك تكبر؟ قال: سألت امنا أم سلمة أن تحدثيني بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في علي، فقالت لي كذا وكذا، فقلت: الله أكبر أشهد أن عليا مولاي ومولى كل مؤمن، قال: فسمعت أنس بن مالك يقول: أشهد على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم انه قال هذه المقالة ثلاث مرات أو أربع مرات. لما فتح امير المؤمنين عليه السلام البصرة اجتمع الناس عليه فيهم الحسن البصري ومعه ألواح كلما لفظ أمير المؤمنين كلمة كتبها، فقال له الامام بأعلى صوته: ما تصنع؟ قال: اكتب آثاركم لنحدث بها بعدكم. فقال له امير الامام:اما وان لكل قوم سامريـاً وهذا سامري هذه الامة، أما إنه لا يقول (لا مساس) لكنه يقول لا قتال".وهذا كلام موسى للسامري. (معنى لا مساس أي تعيش بعيدا عن الناس تعيش معزولا عن المجتمع لان كلامك تمسِ حُقُوقِ الناس). اذن يمكن ان يكون في كل زمان سامري يضل الامة. ليس شرطا ان تتبع كل الامة ذلك السامري بل جاهلهم خاصة من ليس له ايمان راسخ بالله ورسوله يلج الى السامري وهذا الى الساحر وتلك الى العرافة وهم سامري الامة في زماننا الحالي. عندما عاد موسى ورأى المشهد اشتد غضبه وألقى الالواح ثم عنف أخيه وبدأ يوبخ بني إسرائيل ثم توعد السامري ''إن لك فيها أن تقول لا مساس'' (طه 97) ودعا عليه فأصابه مرض خطير جعل الجميع ينفر منه ولا يلمسونه فعاش معزولا وحيداً حتى مات ثم انطلق موسى نحو العجل والغضب يملأه فألقاه في النار ثم نسفه في البحر وبعد نسفه للعجل بدأ العقاب فأصدر موسى القرار على بني إسرائيل بأن يقتلوا أنفسهم أي أن من لم يعبدوا العجل يقتلوا من عبدوه ثم نزلت توبة الله عليهم فعفى عنهم. هدأ موسى عليه السلام وأخذ الألواح ووقف يخطب في بني إسرائيل وابلغهم تعاليم الله لكم فآمنوا ثم جاء الرد منهم قالوا يا موسى لن نؤمن حتى نطلع على اوامر الله إذا كانت سهلة نفذناها وإذا صعبة تركناها وهنا يأمر الله الملائكة أن ترفع الجبل فيرتفع يظلهم ثم يهددهم موسى إن لم تؤمنوا سينزل هذا الجبل فوق رؤوسكم فيسحقكم هنا امنوا بعد جدال كبير تقول الروايات أنهم سجدوا وأثناء سجودهم كانوا ينظرون للجبل منتظرين أن ينزاح ليرتدوا من جديد.ثم يبدأ موسى عليه السلام رحلة جديدة.

جاء في کتاب من هدى القرآن للسيد محمد تقي المدرسي: بعد أن بين موسى عليه السلام لقومه دور الأنبياء عليهم السلام ومسؤولية الأمة تلقاء الأنبياء، وبعد أن ذكرهم بأن في اتباع الأنبياء يصبح بنو إسرائيل ملوكاً في الأرض، أمرهم بدخول الأرض المقدسة (فلسطين) بعد أن قادهم من مصر عبر البحر إلى تلك الأرض، وكان أمر موسى عليه السلام حازماً يشبه الأوامر العسكرية إذ قال "يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ"‌ (المائدة 21) إن الله كتب لبني إسرائيل آنئذ بدخول فلسطين، لأنهم كانوا يمثلون الأمة المؤمنة الوحيدة ولأن حكام فلسطين كانوا قوماً جبارين يفسدون في الأرض. ثم حذرهم موسى من أن رجوعهم يسبب لهم الخسارة. المقدسة: أصل التقديس التطهير. لقد أمرهم الله على لسان موسى بن عمران بأن يتذكروا نعم الله عليهم، ويلتزموا بتعهداتهم تجاه هذه النعم، ويدخلوا الأرض المقدسة سلماً أو حرباً، ولكنهم أبوا القتال، وخافوا من بطش الذين كانوا يسكنون فيها، وطالبوا نبيهم بأن يقوم هو وربه بالقتال نيابة عنهم، بيد أن الله حرم المدينة عليهم، وجعلهم يتيهون في الصحراء، أربعين سنة. وهكذا تكون عاقبة الذين يخالفون أوامر الله، وهكذا تكون عاقبة من لا يؤمن برسالاته. السؤال: كيف ينصر الله عباده المؤمنين؟ الجواب: إن الله ينصر عباده بإلقاء الرعب في قلوب المشركين، ولسبب بسيط هو شركهم بالله، ذلك أن الشرك يعني تقديس قيمة مادية من دون الله، كقيمة المال أو الجاه أو الأرض، وفي الواقع هذه القيم لا تقدس لذاتها، بل لأنها متصلة بالذات البشرية. فالرجل الذي يقدس أرضه، إنما يقدس ذاته أولا، ثم يقدس أقرب مكان لذاته، وهو أرضه، كذلك الذي يقدس المال، فإنما يقدس ذاته، ولأن المال يخدم ذاته فهو يقدسه وهكذا.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . فاضل حسن شريف
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2024/05/28



كتابة تعليق لموضوع : مفهوم الأرض المقدسة في القرآن الكريم (ح 14)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net