صفحة الكاتب : الشيخ حسين عبد الرضا الاسدي

على ضفاف الانتظار(106)
الشيخ حسين عبد الرضا الاسدي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

اصطلاحُ الحيوانات
صرّحتِ العديدُ من الرواياتِ بأنَّ دولةَ الإمامِ المهدي ستشهدُ أمانًا لا مثيلَ له، وأنَّ الأمانَ لا يكونُ خاصًّا ببني آدم، وإنّما يشملُ كُلَّ الكائناتِ في الوجود، وأعجبُ ما وردَ فيها التصريحُ بأنَّ الحيواناتِ المُفترسةَ ستعيشُ مُسالمةً مع الحيواناتِ التي كانتْ تفترسُها من قبل، وأنّه لن يحصلَ هناك افتراسٌ لحيوانٍ أو لإنسان.
والجديرُ بالذكرِ أنَّ النصوصَ الواردةَ في هذا المعنى لم تقتصرْ على النصوصِ الإسلامية، وإنّما وردَ في تراثِ غيرِ المسلمين.
ومن تلك الرواياتِ الآتي:
عن أميرِ المؤمنين أنّه قال: «...ولو قد قامَ قائمُنا لأنزلتِ السماءُ قطرها، ولأخرجتِ الأرضُ نباتها، ولذهبَ الشحناءُ من قلوبِ العباد، واصطلحتِ السباعُ والبهائمُ، حتى تمشي المرأةُ بينَ العراقِ إلى الشام لا تضعُ قدميها إلا على النبات، وعلى رأسِها زينتها (زنبيلها) لا يُهيجها سبعٌ ولا تخافه». 
وعن ابن عباس في قوله (تعالى): ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾  قال: لا يكونُ ذلك حتى لا يبقى يهوديٌ ولا نصرانيٌ ولا صاحبُ ملّةٍ إلا دخلَ في الإسلامِ، حتى أمنَ الشاةُ والذئبُ والبقرةُ والأسدُ والإنسانُ والحيةُ، وحتى لا تقرض فأرةٌ جرابًا... 
وفي سفرِ إشعيا جاء: «...إِنَّمَا يَقْضِي بِعَدْلٍ لِلْمَسَاكِينِ، وَيَحَكُمُ بِالإِنْصَافِ لِبَائِسِي الأَرْضِ، وَيُعَاقِبُ الأَرْضَ بِقَضِيبِ فَمِهِ، وَيُمِيتُ الْمُنَافِقَ بِنَفْخَةِ شَفَتَيْهِ، لأَنَّهُ سَيَرْتَدِي الْبِرَّ، وَيَتَمَنْطَقُ بِالأَمَانَةِ، فَيَسْكُنُ الذِّئْبُ مَعَ الْحَمَلِ، وَيَرْبِضُ النِّمْرُ إِلَى جِوَارِ الْجَدْيِ، وَيَتَآلَفُ الْعِجْلُ وَالأَسَدُ وَكُلُّ حَيَوَانٍ مَعْلُوفٍ مَعًا، وَيَسُوقُهَا جَمِيعًا صَبِيٌّ صَغِيرٌ، تَرْعَى الْبَقَرَةُ وَالدُّبُّ مَعًا، وَيَرْبِضُ أَوْلاَدُهُمَا مُتجَاوِرِينَ، وَيَأْكُلُ الأَسَدُ التِّبْنَ كَالثَّوْرِ، وَيَلْعَبُ الرَّضِيعُ فِي (أَمَانٍ) عِنْدَ جُحْرِ الصِّلِّ، وَيَمُدُّ الفَطِيمُ يَدَهُ إِلَى وَكْرِ الأَفْعَى (فَلاَ يُصِيبُهُ سُوءٌ)...» 
أما كيفَ نُفسِّرُ هذا المعنى؟
فيُمكِنُ طرحُ عدّةَ احتمالاتٍ في هذا المجال، هي الآتي:
الاحتمال الأول: الكناية عن الأمان.
أنْ يُقال: إنَّ الرواياتِ التي ذكرتْ اصطلاحَ البهائمِ لا تقصدُ المعنى الحقيقي، وإنّما تقصدُ الكنايةَ عن انتشارِ الأمانِ بطريقةٍ لم يسبقْ لها نظير، وجاءَ التعبيرُ عن ذلك باصطلاحِ البهائم، باعتبارِ أنَّ من طبيعةِ البهائمِ أنَّ القويَّ منها يفترسُ الضعيف، فلو أردنا وصفَ أمانٍ عامٍّ وشامل، فلا أبلغَ من التعبيرِ عن ذلك باصطلاحِ البهائم، وكأنّه يُرادُ أنْ يُقال: إنَّ الأمانَ الذي يسودُ الدولةَ آنذاك هو بحيث لو أمكنَ أنْ تتخلّى الحيواناتُ المُفترسةُ عن طبائعِها لحصلَ ذلك.
وهذا الاحتمالُ خلافُ ظاهرِ بل صريحِ الرواياتِ الشريفة، ولكنّه على كُلِّ حالٍ احتمالٌ في المقام.
الاحتمال الثاني: اصطلاحها حقيقة، بأنْ ترجعَ إلى حالها الأول.
وبيانُ هذا الاحتمال يتمُّ من خلالِ خطوتين:
الخطوة الأولى: أشارتْ بعضُ الرواياتِ إلى أنَّ من بركاتِ ظهورِ الإمامِ المهدي أنّ الأمورَ ترجعُ إلى أمرِها الأول، فقد رويَ عن أبي سعيدٍ الخدري عن النبي قال: «تأوي إليه أُمّته كما تأوي النحلةُ إلى يعسوبها، يملأ الأرضَ عدلًا كما مُلئت جورًا، حتى يكون الناسُ على مثلِ أمرهم الأولِ، لا يوقظ نائمًا، ولا يهريق دمًا». 
الخطوة الثانية: تذكرُ بعضُ الرواياتِ أنَّ ممّا كانتْ عليه الحيواناتُ في الأمرِ الأولِ أنّها لم تكُنْ مُفترسة، فيكونُ الافتراسُ أمرًا عارضًا على تلك الحيوانات، فقد رويَ عن أبي عبدِ الله قال: «كانتْ والوحوش والطير والسباع وكُلُّ شيءٍ خَلقَ اللهُمُختلطًا بعضه ببعض، فلمّا قتلَ ابنُ آدم أخاه نفرتْ وفزعت، فذهبَ كُلُّ شيءٍ إلى شكله». 
فإذا ظهرَ المولى وارتفعَ الظلمُ وأُرجعتِ الحقوقُ إلى أهلها، أمكنَ أنْ ترجعَ الحيواناتُ إلى تلك الطبيعةِ المُسالمة، فينعدمُ الافتراس.
الاحتمال الثالث: الاصطلاح الحقيقي، لحكمة إلهية.
إنَّ الافتراسَ إنّما هي غريزةٌ خلقها اللهُ (تعالى) في الحيوانات، فما المانعُ أنْ يرفعَ اللهُ (تعالى) عنها تلك الغريزةَ زمن الظهور، تمامًا كما حصلَ في سفينةِ نوحٍ، إذ رويَ عن وهب بن منبه قال: لمّا أمرَ نوحٌ أنْ يحملَ من كُلِّ زوجين اثنين، قال: كيفَ أصنعُ بالأسدِ والبقرة؟ وكيفَ أصنعُ بالعناقِ والذئب؟ وكيفَ أصنعُ بالحمامِ والهر؟ قال [تعالى]: من ألقى بينهما العدواة؟ قال: أنتَ يا رب. قال [تعالى]: فإنّي أؤلِّفُ بينهم حتى لا يتضارّون. 
هذه بعض الاحتمالات، وتبقى حقيقة الحال تنتظر الظهور المقدس.
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


الشيخ حسين عبد الرضا الاسدي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2024/06/04



كتابة تعليق لموضوع : على ضفاف الانتظار(106)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net