على ضفاف الانتظار(84)
الشيخ حسين عبد الرضا الاسدي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الشيخ حسين عبد الرضا الاسدي

الواقفية.
حركةٌ مُنحرفةٌ، كانَ لها دعاوى ضالة، من أبرزها مهدويةُ الإمامِ الكاظم.
ادّعاها مجموعةٌ من الرجال، ممّن كانَ لهم شأنٌ عند الشيعة، بحيث كانوا من المؤتمنين على الحقوقِ الشرعية إبان سجنِ الإمامِ الكاظم، حتى تجمّعتْ عندهم الكثيرُ من الأموال، وما إنْ ظهرَ خبرُ استشهادِ الإمامِ الكاظم، حتى أعلنوا أنّه لم يمُتْ، وأنّه هو المهدي، وأنّه غابَ عنهم. ومن ثَمّ فقد أنكروا إمامةَ الإمامِ الرضا.
وحتى يُبرِّروا موقفهم، فقد رووا كذبًا عن الإمامِ الصادق بعضَ الروايات، ومنها: أنّهم حكوا عنه أنّه لمّا ولدَ موسى بن جعفر دخلَ أبو عبد الله على حميدة البربرية أم موسى فقالَ لها: يا حميدة، بخٍ بخٍ، حلَّ الملكُ في بيتك. وقالوا: وسُئلَ [أي الإمام الصادق] عن اسمِ القائمِ فقال: اسمه اسم حديدة الحلاق.
ومن أبرزهم: علي بن أبي حمزة البطائني، وزياد بن مروان القندي، وغيرهما.
وقد يظهرُ من بعضِ الرواياتِ أنَّ بعضاً كانَ يتوهَّمُ أنَّ الإمامَ الكاظمَ هو المهدي المُنتظر قبل موته، وأنّه قد غابَ في السجن، الأمر الذي كشفتْ زيفَه السُلُطاتُ العبّاسيةُ عندما نادتْ على جنازةِ الإمامِ الكاظم: هذا إمامُ الرافضة، يزعمون أنَّه لا يموت، فانظروا إليه ميِّتًا.
وعلى كُلِّ حال، فهذه الفرقةُ ليست بذاتِ أهميةٍ اليومَ وأمس.
ولكن علينا أنْ نأخذَ العبرةَ من انحرافِ رؤوسها رغمَ أنّهم كانوا من وجوه الشيعة.
والذي ينبغي أنْ نلتفتَ إليه هو الآتي:
أولًا: إنَّ حُبَّ الدنيا من أخطرِ المزالقِ التي تودي بالإنسانِ في وادٍ سحيق، الأمر الذي يعني أنّ علينا أنْ نتعاملَ مع الدُنيا بحجمها لا أكثر، فإنّها ليستْ أكثرَ من ممر، ومهما طالتْ، فإنَّ الموتَ آتٍ لا محالة.
ولنتذكّرْ ما رويَ عن أبي عبد الله قال: عَاشَ نُوحٌ أَلْفَيْ سَنَةٍ وثَلَاثَمِائَةِ سَنَةٍ، مِنْهَا ثَمَانُمِائَةٍ وخَمْسِينَ سَنَةً قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ، وأَلْفُ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَاماً وهُوَ فِي قَوْمِه يَدْعُوهُمْ، وخَمْسُمِائَةِ عَامٍ بَعْدَ مَا نَزَلَ مِنَ السَّفِينَةِ ونَضَبَ الْمَاءُ، فَمَصَّرَ الأَمْصَارَ، وأَسْكَنَ وُلْدَه الْبُلْدَانَ، ثُمَّ إِنَّ مَلَكَ الْمَوْتِ جَاءَه وهُوَ فِي الشَّمْسِ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ، فَرَدَّ عَلَيْه نُوحٌ، قَالَ: مَا جَاءَ بِكَ يَا مَلَكَ الْمَوْتِ؟ قَالَ: جِئْتُكَ لأَقْبِضَ رُوحَكَ. قَالَ: دَعْنِي أَدْخُلْ مِنَ الشَّمْسِ إِلَى الظِّلِّ. فَقَالَ لَه: نَعَمْ. فَتَحَوَّلَ ثُمَّ قَالَ: يَا مَلَكَ الْمَوْتِ، كُلُّ مَا مَرَّ بِي مِنَ الدُّنْيَا مِثْلُ تَحْوِيلِي مِنَ الشَّمْسِ إِلَى الظِّلِّ، فَامْضِ لِمَا أُمِرْتَ بِه. فَقَبَضَ رُوحَه.
ثانيًا: إنَّ الثباتَ على العقيدةِ يحتاجُ إلى كثيرٍ من الإخلاص، ولا يكفي فيه مُجرّدُ العمل، أو الوجاهة، فإنَّ الأعمالَ لا تُحتسَبُ في النظامِ الإلهي بأوائلها، وإنّما بخواتيمها وما تؤولُ إليه.
وهذا يعني: أنّ على المؤمن أنْ يعيشَ الحذرَ والخوفَ من المنزلق ما دامَ على قيد الحياة، وما دامَ الشيطانُ مُنشغلًا بنصْبِ شباكه ومصائده ليوقعه فيها.
ولذلك ورد عن رسول الله أنَّه قال: «لا يزال المؤمن خائفاً من سوء العاقبة، لا يتيقَّن الوصول إلىٰ رضوان الله، حتَّىٰ يكون وقت نزع روحه وظهور ملك الموت له» .
ثالثًا: إنَّ المنحرفين لن يقولوا: إنّنا منحرفون، ولن يدّعوا دعوى إلا ويحاولون أنْ يُلبِسوها ثوبَ الحقّ، ولو استلزمَ الأمرُ فمن المُمكِنِ أنْ يكذبوا على المعصوم بإسنادِ كلامٍ له لم يقُلْه أصلًا، بل قد يكذبون حتى على اللهِ (تعالى)، ومن ثَمّ يقعُ البعضُ في حيص بيص، ومن هُنا تبدأ الفتن.
روي عن أمير المؤمنين أنّه قال: إِنَّمَا بَدْءُ وُقُوعِ الْفِتَنِ: أَهْوَاءٌ تُتَّبَعُ، وأَحْكَامٌ تُبْتَدَعُ، يُخَالَفُ فِيهَا كِتَابُ اللهِ، ويَتَوَلَّى عَلَيْهَا رِجَالٌ رِجَالًا عَلَى غَيْرِ دِينِ اللهِ، فَلَوْ أَنَّ الْبَاطِلَ خَلَصَ مِنْ مِزَاجِ الْحَقِّ، لَمْ يَخْفَ عَلَى الْمُرْتَادِينَ، ولَوْ أَنَّ الْحَقَّ خَلَصَ مِنْ لَبْسِ الْبَاطِلِ، انْقَطَعَتْ عَنْه أَلْسُنُ الْمُعَانِدِينَ، ولَكِنْ يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا ضِغْثٌ، ومِنْ هَذَا ضِغْثٌ، فَيُمْزَجَانِ، فَهُنَالِكَ يَسْتَوْلِي الشَّيْطَانُ عَلَى أَوْلِيَائِه، ويَنْجُو الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَ اللهِ الْحُسْنى.
وهذا يعني: أنَّ على المؤمنِ أنْ يكونَ مُتثبّتًا جدًا من أيّ دعوى غريبةٍ أو لا أصلَ واضحًا لها، خصوصًا فيما يتعلّقُ بدعاوى الاتصال بالغيب أو القرب من المعصوم.
تنبيه:
يُطلق (الواقفية) على كل من لم يؤمن بالأئمة إلى الثاني عشر منهم، فكل من وقف على أحد الأئمة ولم يؤمن بمن بعده، فهو من الواقفية، من قبيل ادِّعاء مهدويَّة أمير المؤمنين وعدم موته، حيث ادَّعوا: «... إنَّ عليًّا لم يُقتَل ولم يمت ولا يُقتَل ولا يموت حتَّىٰ يسوق العرب بعصاه ويملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما مُلِئَت ظلماً وجوراً، وهي أوَّل فرقة قالت في الإسلام بالوقف» .
وهناك من وقف على الإمام العسكري، كما ذكر ذلك الشيخ الصدوق.
وغيرهم من فرق الوقف.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat