على ضفاف الانتظار (48)
الشيخ حسين عبد الرضا الاسدي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الشيخ حسين عبد الرضا الاسدي

المهدي الأول
يستعملُ الكثيرُ من المُدّعين أساليبَ مُلتوية، يستغلون فيها عفويةَ الناسِ ليخدعوهم عن دينهم، الأمر الذي يؤدّي إلى أنْ تضيعَ معها الحقائقُ وتختلطَ الأوراق، ولا مناصَ حينئذٍ من الرجوع إلى المصدرِ الأساسي لفهمِ تلك الحقائق، مُتمثِّلًا بالقرآنِ الكريم والنصوص الواردة عن أهلِ بيت العصمة (عليهم السلام)، وبالاستعانةِ بأهلِ التخصُّصِ في هذا المجال.
المهدي الأول، لقبٌ استعمله بعضُ الدجّالين –كأحمد الكاطع- ليوهِمَ الناسَ بأنّه هو، ومن ثَمّ فإنَّ عليهم أنْ يُطيعوه طاعةً عمياء، ولا يُخالفوا له قولًا.
فهلِ المهدي الأول هو غير مهدينا الموعود؟
وهل وردَ تأكيدُ حقيقتِه في نصوصٍ من المعصوم؟
لنتابعِ النصوصَ الواردةَ في هذا الصدد.
مع ملاحظةِ أنّنا نتكلّمُ عن (مهدي أول) في المُستقبل، لا عن (مهدي أول) فيما مضى من الزمان .
وما يُمكِنُ أنْ نجدَه في هذا الصدد هو التالي:
النص الأول:
وهو ما يُمكِنُ أنْ يكونَ أهمَّ ما استندَ إليه الكاطع وأتباعُه في إثباتِ دعواهم، وهو ما يُسمّونه بروايةِ الوصية، (وهي روايةٌ رواها الشيخُ الطوسي في غيبته ، وقد وردَ في ذيلها:
«... ثمّ يكونُ من بعدِه اثنا عشـر مهديًا، (فإذا حضـرته الوفاة) فليُسلِّمها إلىٰ ابنِه أوَّل المُقرَّبين، له ثلاثةُ أسامي: اسمٌ كاسمي، واسم أبي وهو عبد الله وأحمد، والاسم الثالث: المهدي، هو أوَّل المؤمنين» .
فادَّعىٰ ابنُ گاطع -وصفَّقَ له جماعته- بأنَّه هو المقصود بأوَّلِ المقرَّبين وأوَّل المؤمنين، ومن ثَمّ يجبُ علىٰ الشيعةِ أنْ يُبايعوه و...
...والردُّ علىٰ هذه الدعوىٰهو بمُنتهىٰ العلميةِ والمهنيةِ، وفي نفسِ الوقتِ هو بمُنتهىٰ السهولة، ذلك لأنَّ هذه الروايةَ ضعيفةُ السندِ جدًّا، فلا تصلحُ للاستدلالِ الفقهي فضلًا عن العقائدي.
فإنَّ الشيخَ رواها بالسندِ التالي:
(أخبرنا جماعةٌ، عن أبي عبدِ الله الحسين بن عليّ بن سفيان البزوفري، عن عليّ بن سنان الموصلي العدل، عن عليّ بن الحسين، عن أحمد بن محمّد بن الخليل، عن جعفر بن أحمد المصـري، عن عمِّه الحسن بن عليّ، عن أبيه، عن أبي عبد الله جعفر بن محمّد، عن أبيه الباقر، عن أبيه ذي الثفنات سيِّد العابدين، عن أبيه الحسين الزكي الشهيد، عن أبيه أمير المؤمنين (عليه السلام)، قال: «قالَ رسولُ اللهِ (صلّىٰ الله عليه وآله)...».
وهذا السندُ غايةٌ في الضعف؛ لاشتماله علىٰ عِدَّةِ مجاهيلَ وضعفاء، فإنَّ (عليّ بن سنان الموصلي العدل)، وكذلك (أحمد بن محمّد بن الخليل)، و(جعفر بن أحمد المصـري)، و(عمّه الحسن بن عليّ، عن أبيه) كلّهم مجاهيل، فلا تصلحُ روايةٌ وردوا في طريقِها للاستدلال .
النص الثاني:
مُحاولتُهم تطبيقُ المهدي الأول على اليماني، والذي سيكونُ مُمهِّدًا للظهورِ المبارك.
ولكنّنا لا نجدُ نصًا يصفُ اليماني بأنّه مهدي أول، بل الواردُ فيه من نصوصٍ يشيرُ كُلُّها إلى أنّه صاحبُ حركةٍ عسكريةٍ مواليةٍ للإمامِ المهدي الموعود لا غير، وأنّه سيعملُ على مُحاربةِ السفياني، ولا يوجدُ نصٌ صريحٌ يدلُّ على لزومِ طاعته، وأقصى ما هو موجودٌ هو أنّه لا تجوزُ معارضتُه؛ لأنَه يدعو إلى الإمامِ المهدي (عجل الله (تعالى) فرجه)، على أنّه يُمكِنُ القولُ بلزومِ مُناصرته على من يقعُ في طريقِ حركته.
فاليماني حتى لو سلّمنا كونه أولَ المُمهِّدين، فهو مُمهِّدٌ، وليس مهديًا أولًا.
النص الثالث:
قالَ ابنُ المنادي: وفي كتابِ دانيال :أنَّ السفيانيين ثلاثةٌ، وأنَّ المهديين ثلاثة، فيخرج السفياني الأول، فإذا خرجَ وفشا ذكرُه، خرجَ عليه المهديُّ الأولُ، ثم يخرجُ السفياني الثاني، فيخرجُ عليه المهدي الثاني، ثم يخرجُ السفياني الثالثُ، فيخرجُ عليه المهدي الثالث، فيُصلِحُ اللهُ به كُلَّ ما أفسدَ قبله، ويستنقذ اللهُ به أهلَ الإيمانِ، ويحيي به السنة، ويطفئ به نيرانَ البدعة، ويكون الناسُ في زمانِه أعزّاء ظاهرين على من خالفهم، ويعيشون أطيبَ عيش، ويُرسِلُ اللهُ السماءَ عليهم مدرارًا، وتخرجُ الأرضُ زهرتَها ونباتَها، فلا تدّخرُ من نباتها شيئًا، فيمكثُ على ذلك سبعَ سنين ثم يموت...
ويُلاحظ على هذا النص التالي:
أولًا: أنّه غيرُ مروي عن المعصوم، فلا قيمةَ له من حيث الحُجيّة وإثباتِ المطلوب.
ثانيًا: أنّه يقرِنُ المهديَّ الأولَ بالسفياني الأول، والثاني بالثاني، والثالث بالثالث، فكأنّه يُشيرُ إلى أنَّ المهديين الأولَ والثاني يأخذانِ على عاتقِهم مهمةَ مقاومةِ السفيانيين الأول والثاني، فإذا ظهرَ الثالثُ من السفيانيين ظهرَ المهديُ الثالث، والذي يظهرُ من هذا النصِّ أنّه هو المهديُ الموعودُ الذي يملأ الأرضَ قسطًا وعدلًا.
وبالمُحصِّلةِ فلا إشارةَ فيها للزومِ طاعةِ المهدي الأول والثاني سوى ما يتعلّقُ بمقاومةِ السفيانيين.
والنتيجةُ من هذا:
أنّه لا مهديَّ إلا محمدٌ بن الحسن (عليه السلام)، ومن يقومون قبله إنّما هم مُمهّدون وليسوا مهديين.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat