كربلاء ومسحة الجمال الالهي
محمد قاسم الطائي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
محمد قاسم الطائي

تتضمن فاجعةُ كربلاء من حيث المعرفة التوحيدية تجلياتٍ جمالية إلهية تتسم بغاية الروعة والسمو،ِ تفرز آثارها بقوة على مستويات عديدة وعلى ابعاد حيوية مختلفة، ومن هذه التجليات الجمالية الرائعة هي ايقاظ الشعور الديني والأخلاقي في النفس الانسانية؛ والذي يدفع بلا ريب بإزاء الوحدة والتماسك الروحي والأخلاقي الرصين، كما يفتح باصرة الجمال العقائدي نحو الأخذ والاتزام بحس المسؤولية الشرعية على الصعيد الانساني والمجتمعي المعاش .
لا يمكن البتّة فصل واقعة كربلاء عن خارطة التوحيد الالهي والامتدادات الرسالية السالفة. إنما واقعة كربلاء من حيث منطلقاتها وجذورها وأهدافها والنتائج التي ترتبت عليها فيما بعد، تشكل مَعلماً ومرآة بارزة لمسحة الجمال الغيبي، ومن خلال مراجعة يسيرة لخطوات الامام الحسين (عليه السلام) التي امتدت عبر المدينة المنورة ومكرمة المكرمة ثم ختاماً بأرض كربلاء المقدسة، يجد المتتبع اللبيب أنها مشحونة بهالة جمالية فائقة تحيط بكل المواقف والحوارات والكلمات التي فاض بها الامام في طريقه .
إذ ثمّة ما يقارب أكثر من ثلاثين منزلاً أو محطة مكانية وقف عندها الامام الحسين (عليه السلام) في طريقه لكربلاء، والملفت أن الطبري المؤرخ الشهير في رواياته التاريخية انتقى عن مقتل أبي مخنف- الذي لم تصل نسخته الأصلية إلينا - معظم هذه المحطات المكانية، التي لا شك أنها مسعفة وكاشفة في ايضاح بعض الغوامض والملابسات التي تحف واقعة كربلاء ، والمحطات التي توقف فيها الامام بمعية أهل بيته وأصحابه الكرام .
لما سار الامام الحسين من منطقة (التنعيم) [التي تبعد بحدود اكثر من سبع كيلو مترات عن مكة تقريباً] حتى انتهى الامام إلى منطقة (الصفاح) في هذه المنطقة تحديداً التقى الإمام بالفرزدق الشاعر المعروف فسأله عن خبر الناس- فقال الفرزدق: قلوبهم معك والسيوف مع بني أمية! والقضاء ينزل من السماء، فقال الإمام (عليه السلام): صدقت، لله الأمر، والله يفعل ما يشاء وكل يوم ربنا في شأن، إن نزل القضاء بما نحب فنحمد الله على نعمائه، وهو المستعان على أداء الشكر، وإن حال القضاء دون الرجال، فلم يعتد من كان الحق نيته، والتقوى سريرته، وسأله الفرزدق عن نذور ومناسك، وافترقا »[ الطبري ج٦- ص ٢١٨]
خلاصة الكلام أن صبغة التوحيد الممزوجة بالجمال الالهي هي روعة البدء والمنتهى لواقعة كربلاء بكل احداثها المفجعة التي عكست مشهد الحق ومأساة المظلومية. الذي لا يخفى أن جلالة التوحيد وجماليته يعد أهم الأركان والأصول الدينية إطلاقاً، كما يشكل التوحيد العمود الفقري لجميع رسالات السماء .فالمشهد الجمالي التوحيدي لم يفارق كربلاء لا قبل الشهادة ولا بعد .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat