صفحة الكاتب : يحيى غالي ياسين

البُعد القرآني لعطش كربلاء
يحيى غالي ياسين

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.


قال تعالى ( وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ۖ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ ) . لو تأمّلنا لوجدنا أن الآية لم تحدد سبب الحياة ، وهل هو الإرتواء من الماء أم العطش ..!! وأحسب أن الماء فيه حياة في الحالتين معاً ، بل قد تكون الحياة التي يهبها العطش أعظم وأقدس من حياة الإرتواء .

فقد يتوقف على العطش حياة أمّة وبقاء دين ، وهذا ما يحدّثنا عنه القرآن المجيد في قصّة طالوت الملك الذي قاد بني اسرائيل لمواجهة جالوت ( الملك الفلسطيني ) الذي ظلمهم وأخرجهم من ديارهم وأبعدهم عن ابناءهم . فعندما قاد العسكر نحو المعركة وفي الطريق أخبرهم بأن الله سيمتحنهم بنهر ، ليتبين المطيع من العاصي ، ( فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ ۚ ) ، وكان امتحاناً عسيراً بسبب شدة العطش مع مقدار الجهد المبذول .

ولم ينجح بهذا الامتحان الا القليل ( فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ ۚ ) ، ولهذا نتج عنه منطقان ، الأول هو منطق الفاشلين ( فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ ۚ ) ، أما المنطق الآخر هو منطق الذين نجحوا في الاختبار ( قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ) .

في الكافي عن الامام الباقر عليه السلام : فشربوا منه الا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً ، منهم من اغترف ومنهم من لم يشرب ، فلما برزوا لجالوت قال الذين اغترفوا ( لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده ) وقال الذين لم يغترفوا ( كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة .. ) .

فلاحظ كيف أحيا العطش هؤلاء الذين لم يشربوا الماء ، وبالتالي أحيا الله من خلالهم أمة وكتب لها النصر ..

ونفس هذا العطش كان سرّاً من أسرار عظمة عاشوراء وإحياءها للأمة على مدى الدهور والأزمان ، فالعباس عليه السلام وصل للنهر وكان بإمكانه أن يرتوي منه غير أنه منع نفسه من اغتراف حتى الغرفة الواحدة ، تقول الرواية :
فجاء - العباس - إلى الحسين عليه السلام واستأذنه في القتال ، فقال ؏ له : انت حامل لوائي ، فقال : لقد ضاق صدري وسئمت الحياة ، فقال له الحسين ؏ : انْ عزمت فاستسق لنا ماءا ، فاخذ قربته وحمل على القوم حتى ملأ القربة ، قالوا واغترف من الماء غرفة ثم ذكر عطش الحسين ؏ فرمى بها وقال :

يا نفس من بعد الحسين هوني. * وبعده لا كنت ان تكوني
هذا الحسين وارد المنـــــــــون * وتشربين بارد المعيـــــن
والله ما هـذا فعال دينــــــــــي * ولا فعال صــادق اليقين

فلا غرو أن نقول أن الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء كان تجليّاً من تجليّات قوله تعالى ( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۗ ) .

وعلى هذا المستوى من الوعي نفهم ايضاً ما ورد عن الإمام الباقر ؏ في تأويل الماء المعين في قوله تعالى ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ ) ، بالإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف .

فللماء فهمه الخاص ووعيه العميق قرآنيّاً وله توظيفاته الخاصة في كربلاء . آجركم الله


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


يحيى غالي ياسين
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2023/07/23



كتابة تعليق لموضوع : البُعد القرآني لعطش كربلاء
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net