الشّام ومؤشرات ظهور السّفياني
محمد الرصافي المقداد
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
محمد الرصافي المقداد

فيما كانت عصابات الجولاني تعيث في الأرض فسادا وتقتيلا للأقليات السورية، في الساحل وفي حمص وقراها، وأينما وُجد هؤلاء المدنيين العزّل الأبرياء، من طرف فصائل الإرهاب التكفيري، بهدف استئصالهم وإبادتهم - وهذا منتهى جهل هؤلاء المجرمين الحمقى- قامت القوات الجويّة الإسرائيلية بشن غارات جويّة عنيفة، على ما تبقى من قواعد عسكرية في محيط درعا ودمشق، بعد أن كان مراقبون يعتقدون أن غاراتها السابقة، قد أجهزت على ما تبقى من قواعد وأعتدة حربيّة، منتشرة على مناطق عسكرية من الأراضي السورية، شمالا ووسطا وجنوبا، تزامنُ هذا العدوان الجديد أيضا، مع إبرام اتفاق بين حكومة الجولاني وأكراد سوريا ممثلين بحركة (قسد)، لا شكّ أنه تمّ برعاية امريكية، يبدو أن تركيا مستبعدة منه على الأرجح، وموقفها من الأكراد واضح، لا يحتاج إلى دليل، يؤكّد رفضها لأيّ اتفاق مع أكراد سوريا، يفسح المجال لقادتهم للمطالبة بحكم ذاتي، وهذا من بين أسباب تدخل تركيا الخبيث في الشأن الداخلي لسوريا، فضلا على أطماعها بالشمال السوري، وما بذلته تركيا من جهود عسكرية واستخباراتية من أجل إسقاط نظام بشّار، واحلال سلطة جديدة محلّه، تكون فيها الحظوة والمكانة والإمتياز الإقتصادي لتركيا أوّلا، بما يسمح لها السيطرة على القرار السياسي السوري، ومن شأن ذلك أن يعرقل مساعي كردية، طالبت بعد سقوط بشار بحكم ذاتي وعدهم به الأمريكيون، وورقة الإنفصال عن سوريا، وتحريك مجالاتها لا تزال بيد الأمريكيين، فهذا أخشى ما تخشاه تركيا، ويسبب لها متاعب هي في غنى عنها، لنتأكّد من جهة أخرى أن الأمريكيين لا يقيمون وزنا لعملائهم، أمام مصالحهم الخاصة في تحقيق مآربهم الشخصية، بتفتيت المُفتّت من العرب والمسلمين.
وهنا نقف لنتساءل ماذا تريد أمريكا من هذه الصفقة؟
غريب الصفقة أنها تمّت والإنفلات الأمني على أشدّه في الساحل ومناطق أخرى معروفة بأنّها ذات أغلبية علوية وشيعية ومسيحية، استهدفت من طرف فصائل منضوية تحت سلطة الحكم الجديدة، وصفتها الحكومة أنّها غير منضبطة، وهي بلا شك فصائل منتسبة إلى جبهة النصرة الإرهابية، وفلول داعش المنضوية تحت لوائها، ولقائل أن يقول: لماذا لم يقع الإعتداء على هذه الأقليات منذ سقوط النظام السابق؟ وجوابه أنّ ذلك سيكلف تلك الجماعات خسائر كبيرة في أرواح أفرادها، بسبب انتشار السلاح بين كافة أفراد الشعب السوري، مع أنه كانت هناك بداية عمليات خطف محدودة في تلك الفترة، لكنها لم تتعاظم إلا خلال الأسبوع الماضي، وبخبث ومكر كبيرين طُلِب من كل مواطن حاز قطع سلاح، أن يبادر بتسليمها إلى الحكومة الجديدة، بتعلة أن الدولة هي التي لها وحدها الحق في حيازتها، مطمْئِنة جميع أفراد الشعب السوري، أنه سيكون تحت حماية قواتها الأمنية والعسكرية، لكنّ شيئا من تلك التطمينات لم يقع تجسيمه على أرض الواقع، بينما وقعت الأقليات في فخّ خلوّ أيديها من تلك الأسلحة للدفاع عن أنفس أهلها.
وعلى ضوء ما حصل من أعمال تصفية طائفية، يمكن القول بأنّ الوضع في سوريا ذاهب إلى تفاقم الأعمال الإرهابية المستهدف فيها العلويون والشيعة، وما شاهدناه من مقاطع فيديو، تؤكّد دخول عناصر إرهابية جديدة بهدف قتال النصيرية والشيعة، خصوصا منها عناصر من تونس والجزائر والمغرب، وغيرهم من آسيا الوسطى، بما يجعل من سوريا بؤرة إرهاب تكفيري تهدد الأمن والاستقرار، ليس فقط في سوريا، بل ولبنان والعراق، وربما قد يمثل تهديدا لإيران على المدى البعيد، وحقدهم على إيران أظهر من أن يستره الجولاني وأتباعه.
عنونة الدولة السورية الجديدة باسم بني أميّة، يجعلنا نرجح المنحى الدّموي، الذي رمزوا به إلى سياساتهم الأمنية الداخلية، وحتى الخارجية من خلال تصريحات قادتهم، والقائمة على أساس طائفي تصفويّ للأقليات، وفي مقدّمتهم العلويين والشيعة، وهو ما من شأنه أن يهدد التماسك الظاهري لنسيج المجتمع السوري، وهو نسيج كان قائما على ذلك التعدد منذ زمن طويل، ولم يعكّر صفوه شيء من تصفيات طائفية، هذا العنوان الخطير، يتضمّن إيحاء بتبنيّ نهج دّموي، كان يمارسه بكلّ وحشيّة، معاوية بن أبي سفيان وبنو أميّة من ورائه على الأمّة الإسلامية، فهل بعد هذا التلميح بعده بيان وتوضيح؟
ومن عبّروا بمنطق الكراهية والحقد عن سلوكهم العدواني الأرعن، فلم يسلم منهم خِيَرةُ أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم، وفي مقدمتهم سيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين بن علي، فقتلوه عطشانا وقتلوا معه رجال أهل بيته ومن صحبهم بالحسنى، وما شأنهم بكربلاء؟ وهم يعلمون أنّ فيها مثوى الحسين، وماذا يريدون من كربلاء حتى يتغنّى بها جهلوت سوريا أنّهم قادمون إليها؟ سوى تأكيدهم على عقيدة عدوانية حاقدة، عبّرت عن انتماء فاسد أوّلا وأخيرا، شعارات مقيتة ذكّرتني بالسفياني متزامنة بوقت ظهوره، ليقوم بتنفيذ وعيد أتباعه، ولا أشك أن الزمن زمانه.
المنطقة بأسرها مقبلة على أحداث كبرى، وقد ظهرت مؤشراتها على الساحة السورية، لتزيدنا تأكيدا بأنّ المؤامرة تُديرها أجهزة أمريكية غربية، لفائدة تمكين إسرائيل من الإمساك زمام المنطقة، بتغلغلها المتزايد في جنوب سوريا، باتجاه نهر الفرات للسيطرة عليه، بعدما سيطرت من قبل على منابع مياه جبل الشيخ، سقوط الدولة السورية بأيدي جهلوت العصر، يحوّلها من دولة منضوية تحت محور المقاومة، مشتركة مع عناصره في مشروع تحرير فلسطين، إلى مجرّد شبح دولة، لم يعد لها قوة عسكرية، بإمكانها الدفاع عن البلاد، مهدّدة بالتفكك والتقسيم، في ظلّ وجود فصائل عسكرية إرهابية، وضعت في حسابها أولويّة التطهير الطائفي، فسوريا اليوم بعد كل الإعتداءات الإسرائيلية، هي عبارة عن فزّاعة حقل زراعي تخيف الطيور لكنها لا تخيف الصقور، ذاهبة إلى مصير مجهول العواقب.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat