التفاهة تجارة هذا العصر
حنان محمد البدري
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
حنان محمد البدري

بعد التقدم العلمي، والتطور التكنلوجي الكبير الذي حصل، اقتحمت عالمنا شبكات التواصل الإجتماعي، التي وفرت للناس فرصة للظهور، والإنتشار، وأصبحت في متناول الجميع، وإستطاع الإنسان من خلالها التواصل مع كل مكان في العالم، وتمكن من التعرف على عادات، وثقافات جديدة، كما استطاع أن يقلص المسافة بينه وبين الآخرين سواء كان اصدقاءه، او احباءه، او عائلته، كما اصبح بمقدورة خلق جسر من التواصل معهم، فيشعر بوجودهم ويشعرون بوجوده،
إلا انه في السنوات الأخيرة كما تعلمون، شهدت هذه البرامج انحرافاً كبيراً عن الغاية التي وجدت من إجلها؛ فقد دفعت بنكرات ومجاهيل لم يكونوا شيئاً إلى الشهرة،وهذا يمكن أن نسميه نظام صناعة التفاهة، والذي نتكلم عنه اليوم بكل حرقة وإلم؛ لأن ثمنه كان باهضاً وخساراته فادحة جداً، فبسببه اصبح الناس يميلون إلى البرامج الترفيهية التافهة، ويهملون الجانب التثقيفي والتعليمي؛ فكل يوم يطل علينا العديد من صناع المحتوى، الذين اصبحوا بوقت وجيز مشاهير ينشرون العديد من الفيديوهات اليومية، ذات المحتوى التافه، فلم يتورع هؤلاء عن الانحدار والابتذال، وأصبحوا يستغلون كل شيء من اجل تسويق تفاهتهم، حتى لم تعد هناك خصوصية للأسر، احياناً نرى الزوج يقوم بتصوير زوجته وعرضها، أو تقوم الزوجة بتصوير يومياتها، وعرض مفاتن جسمها، أو يقوم شاب بإستغلال والدته، او جدته التي تتصرف بعفوية دون علمها بالذي يحصل، فقط من اجل إضحاك المتابعين، وجني اللايكات، والتعليقات، والمشاهدات؛ فاضحين بيوتهم بعد ان كان الله ساترها، فعل بهم المال فعلته، فلا الأب صان اسرته ولا الأم سترت نفسها.
أو يظهر مجموعة من حثالات المجتمع وسقطاتها يتكلمون بكلام يخدش الحياء، ويشجعون الفساد بحجة الحرية والانسانية.
لكن كيف يشتهر هؤلاء التافهين؟
لو دققنا في هذا الموضوع؛ لرأينا أن السبب الرئيسي بسرعة انتشار هذه المحتويات هو الأقبال الكبير من الجمهور، الذي يبحث عن التفاهة بحجة التسلية والترفية والهروب من ضغوطات الحياة، فلا تفاهة بدون جمهور، بالإضافة الى ان هذا المحتوى مربح جداً؛ لأن الشركات المالكة لهذه المواقع تدفع اموال كبيرة لصناع المحتويات، حسب نسبة المشاهدات وعدد اللايكات فقد تحول البعض خلال وقت قصير إلى اثرياء، ولديهم ملايين المتابعين على الانستكرام والفيسبوك وغيرها من البرامج، مما شجع ذلك على صنع المزيد من التفاهة.
لو تساءلنا لماذا تشجع الحكومات نظام التفاهة، وتسمح لأنسان تافه وجاهل بأن يصبح مشهوراً، في نفس الوقت تهمل المثقفين، والمبدعين؟ ولماذا لم يحارب الإعلام هذه الظاهرة؛ بل على العكس اصبح بوقاً لها، وساهم في انتشارها؛ لتتحول من وسائل لنصرة الثقافة لوسائل لنصرة التفاهة.
لماذا تدفع هذه الشركات كل هذه الأموال؟ وماهي الغاية من ذلك؟ هل نخضع لمؤامرة كبيرة هدفها هدم القيم والمباديء وتشوية الدين وابعاد الناس عنه؟
على الرغم من إن البعض يستبعد نظرية المؤامرة، ويعزي السبب للتطور والتكنلوجيا والانفتاح الكبير, إلا ان الحقيقة غير ذلك، فعلاً هناك مؤامرة كبيرة تستهدف كل العالم، وخصوصاً عالمنا العربي والأسلامي، ويقف خلفها الدولة العميقة التي تمتلك المال، والسلاح، وتسيطر على الاقتصاد؛ فقد تمكنت من ترميز التافهين وجعلهم قدوات في مجتمعاتهم؛ لكي تسيطر من خلالهم على القرارات السياسية، والدينية ولاحظنا ذلك في كل الحملات الانتخابية على مستوى العالم، فقد ساهموا بتغيير نتائج الانتخابات في اكثر من دولة، بالاضافة إلى وظيفتهم الأساسية، وهي هدم الثقافات وتدمير الشعوب، وتجهيل المجتمعات، وشاهدنا ذلك عبر العديد من الأشخاص على المستوى العربي، مثل برنامج جعفر توك الذي يروج لكثير من المفاهيم الخاطئة، والتي لاتناسب مجتمعاتنا الدينية المحافظة، مثل الترويج للمثلية، أو على مستوى مجتمعنا العراقي، مثل برامج البشير شو، او ولاية بطيخ، والكثير من البرامج الاخرى التي تطلقها بعض الفضائيات، فكثيراً مانراهم يهاجمون جهات سياسية بحجة الوطنية؛ لكن هدفهم هو خلق الفوضى، وعدم استقرار البلد، او يهاجمون شخصيات دينية بشكل مباشر، او غير مباشر، والهدف من ذلك هو ابعاد الناس عن الدين، وخلق فجوة بين الناس، ورجال الدين؛ لكي يسهل عليهم افساد الشعوب، والقضاء على هويتهم الدينية والثقافية, فهم في تخطيط دائم من اجل هدم القيم والقضاء على الدين الاسلامي ومذهب شيعة ال البيت، تدفعهم في ذلك جهات خارجية تضمر العداء للبلد، وتحيك المؤامرات ضده، وقد عبرت عن ذلك المرجعية الدينية، بخطبة الجمعة بتاريخ (2ربيع الثاني 1441هـ) الموافق لـ(29 تشرين الثاني 2019م)، التي أُقيمت في الصحن الحسينيّ الشريف وكانت بإمامة سماحة السيد (أحمد الصافي)، والذي حذر فيها من اعداء العراق، وادواتهم الذين يخططون؛ لتحقيق اهداف خبيثة لتدمير البلد، ولم تكن هذه المرة الأولى التي تحذر فيها المرجعية من ذلك؛ بل سبقتها بوقت طويل، بحوالي عقدين من الزمن، وكان ذلك عبر اجابة مكتب سماحة المرجع الديني الاعلى السيد السيستاني( دام ظله) عن سؤال لصحيفة الواشنطن بوست، عن اكبر خطر يهدد العراق كان الجواب هو طمس هويته الثقافية، والتي من اهم ركائزها هو الدين الاسلامي الحنيف.
لذلك من واجب الجميع اليوم، الحفاظ علي الهوية الثقافية، وأن يقفوا ضد هذه المحتويات التافهة والهادمة، ومحاربتها بشتى الوسائل، وأولهما الأبتعاد عن متابعتها وعدم التفاعل معها، حتى ولو كان الغرض انتقادها، فهناك الكثير من الناس ساهموا دون وعي في انتشار هذه المحتويات بقصد محاربتها، لكنهم في واقع الحال كان لهم دور في صعودها، ومنحها فرصة اكبر للمشاهدة.
الطريقة الصحيحة للتخلص من التفاهة، هي عدم ترك الساحة الأفتراضية لهؤلاء الحمقى والتافهين، والتصدي لهم بالشكل والأسلوب الذي يتلائم مع تلك المنصات، وخصوصاً الطبقة المثقفة، والتي يقع عليها عاتق المسؤولية؛ لمحاربة التفاهة بالعلم والثقافة، فما فائدة الثقافة اذا لم نكن قادرين على تقديمها بالشكل الذي يفهمه أغلبية الناس والأجيال الصاعدة،
فلا بد ان يخلع المثقف رداء المثالية ويعيد صياغة أفكارة، بإسلوب سهل وسلس يتيح للجميع على أختلاف مستوياتهم الثقافية فهمها دون مجهود.
بالأضافة إلى كل ذلك سلك الطرق القانونية، فقد قامت وزارة الداخلية بنشر رابط للأبلاغ عن المحتويات التافهة, والهابطة وهذه فرصة كبيرة; لحصر هذه المحتويات,وعزلها وتسليم صانعوها للعدالة, وابعاد شبح خطرهم عن عقول الناس، لكي يتم تصفيتهم شيئاً فشيئاً؛ لذا صار لزاماً على المواطن السعي في هذا المجال؛ للحفاظ على هويتة الثقافية، وابعاد سيطرة التافهين على المجتمع، وابراز اصحاب المحتوى القيم، والهادف ونتمنى ان يأخذ الجميع هذا الموضوع على محمل الجد، كما نتمنى ان يكون قرار وزارة الداخلية قرار حقيقي، يتم تطبيقه فعلياً وليس قراراً اعلامياً.
الأعداء وادواتهم يخططون (الحلقة 6)
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat