مسؤولية الشيعة تجاه رسالتهم الشيعة هم أهل الحبّ لإخوانهم
الشيخ عبد الرزاق فرج الله
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الشيخ عبد الرزاق فرج الله

عن أبي جعفر الباقر(ع) قال: قال أمير المؤمنين(ع): (شعيتنا المتباذلون في ولايتنا، المتحابون في مودّتنا، المتزاورون في إحياء أمرنا، الذين إذا غضبوا لم يظلموا، واذا رضوا لم يسرفوا، بركة على من جاوزوا، وسلم لمن خالطوا)(الوسائل - للحر العاملي -: 15/89).
وعنه (ع) في وصاياه لبعض شيعته: (شيعتنا من لا يمدح لنا معيباً، ولا يواصل لنا مبغضاً، ولا يجالس لنا قالياً، إن لقي مؤمناً أكرمه، وإن لقي جاهلاً هجره...) (دعائم الإسلام - النعمان بن محمد التميمي المغربي -: 1/64).
بما أن التشيع في نظرية أهل البيت (ع)، ليس انتحالاً للمودة فقط، بل هو المودة من صميم العقيدة وعمق القلب، فالنتيجة أن تترشح من مودتهم خيوط المودة والرحمة لأولياء الله (عز وجل). فلو كان الأمر عكس هذا لاختلط الحق بالباطل، وكان الشيعي أشدّ فتنة على هذه الرسالة، كما عن الحسن بن علي الخزار، قال: سمعت الرضا (ع) يقول: (إنّ ممن ينتحل مودتنا أهل البيت من هو أشدّ فتنة على شيعتنا من الدجال). فقلت: لماذا؟
قال (ع): (بموالاة أعدائنا ومعاداة أوليائنا، إنه إذا كان كذلك، اختلط الحق بالباطل، واشتبه الأمر فلم يعرف مؤمن من منافق) (الوسائل – للحر العاملي-: 16/179).
فلا يمكن أن يجتمعَ حبّ الأولياء وحبّ الأعداء في قلب مؤمن قط، كما قرر ذلك الإمام الصادق (ع) بقوله: (من أحبّ كافراً فقد أبغض الله، ومن أبغض كافراً فقد أحبّ الله، ثم قال: صديق عدو الله عدو لله) (الوسائل - للحر العاملي-: 16/18).
وبإمكان الإنسان أن يختبر نفسه وينظر الى قلبه، ليرى درجة حبّ الأولياء وبغض الأعداء في نفسه. وكما قال الامام الصادق (ع): (إذا أردت أن تعلم أن فيك خيراً والله يحبك، فانظر إلى قلبك، فإن كان يحبّ أهل طاعة الله ويبغض اهل معصيته ففيك خير والله يحبك، وإن كان يحب أهل معصية الله ويبغض أهل طاعته، فليس فيك خير، والله يبغضك، والمرء مع من أحب) (الوسائل -للحر العاملي-: 16/183).
والأهم من ذلك، أن النصّ الشريف الذي تصدّر الحديث عن حب الاخوان، قد رتب ثمرة تتصل برسالة الولاء لأهل البيت (ع)، وهي أن يكون هذا الولاء حركة هادفة باتجاه التغيير والبناء الذي يرتكز على قاعدة التلاحم، وحبّ البعض للبعض.
وقد قرر القرآن الكريم ذلك من قبل بقوله تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) التوبة: 71.
الشيعة هم أهل التواضع
من كلمات مولانا الباقر (ع): (واللهِ ما شيعتنا إلا من اتقى اللهَ وأطاعه، وما كانوا يعرفون إلا بالتواضع والتخشع، وأداء الأمانة، وكثرة ذكر الله...) (مستدرك سفينة البحار - الشيخ علي النمازي -: 123/ح/1).
من المظاهر المشرقة في سلوك المؤمنين هو: التواضع، والتواضع رؤية موضوعية، تضع النفس منزلها في الحياة الاجتماعية، وصفة تظهر آثارها على التعامل الخارجي.
قال الله عز وجل: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ) المائدة: 54. وقال تعالى: (وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً) الفرقان: 63.
فالتواضع سمة يستلهمها العبدُ المؤمن من خلال الأداء العبادي الصادق الذي يظهر أثره على الجوارح، والتواضع حلية العبادة وبهاؤها وزينتها، كما قال رسول الله (ص): (الخشوعُ زينة الصلاة) (جامع الأخبار: 337). وهو المنطلق الذي ينطلق من خلاله العبد المؤمن إلى ميدان التعامل الاجتماعي.
وقد جاء في دعاء كميل: (اَللّهُمَّ اِنّي أَسْأَلُكَ سُؤالَ خاضِع مُتَذَلِّل خاشِع اَنْ تُسامِحَني وَتَرْحَمَني وَتَجْعَلَني بِقِسْمِكَ راضِياً قانِعاً وَفي جَميعِ الاْحْوالِ مُتَواضِعاً).
وفي هذا تأكيد على أن العبادة الحقيقية، تحرّك في الانسان المؤمن كل أحاسيسه ومشاعره باتجاه الخشوع والتذلل لله (عز وجل)، وتنمّي فيه خلق التواضع في كل حالة من حالاته، سواء في فقره، أو في غناه، أو في ضعفه، أو في قوته، ومع كافة الأجناس والطبقات البشرية، فلا يختلف لديه الغنى والفقر والجاه والضعة.
ومن ناحية أخرى، جاء في وصية الإمام موسى بن جعفر (ع) لهشام: (يا هشام، إن لكلّ شيء دليلا، ودليل العقل التفكر، ودليل التفكر الصمت، ولكل شيء مطية، ومطية العقل التواضع) (ميزان الحكمة – محمد الريشهري -: 11/240). فهنا يؤكد الإمامُ (ع): على أن من يريد أن يستدلّ على قوة عقله، فلينظر هل أنه دائم التفكر؟ وبما أن التفكر يعني حركة العقل الدائمة في طريق الابداع والانتاج والعطاء، وبما أن الحياة تحتاج الى الحركة الفكرية من اجل الانتاج، فأن حركة العقل لا تنتج ولا تبدع، وتعطي ثمرتها في خضم الصخب الضجيج، وكثرة الكلام، والثرثرة والضوضاء، بل في نطاق الصمت والهدوء والتروي، وتحري الحكمة في كل حركة ونشاط.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat