صفحة الكاتب : الشيخ عبد الرزاق فرج الله

مسؤولية الشيعة تجاه رسالتهم
الشيخ عبد الرزاق فرج الله

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 الشيعة هم أهلُ الخلق الحسن

من المظاهر المشرقة، ومن مواد التعامل في حياة العبد المؤمن (حسن الخلق)، وهو مجموعة من السجايا والصفات الأخلاقية الحسنة المستقاة من منهج أهل البيت (ع) والتي يتعامل بها؛ ويمثل حسن الخلق خلعة فاخرة مرصعة بأجمل الصفات، يلقيها منهج العبادة على واقع السلوك وخط التعامل الاجتماعي.
وقد أوجز لنا الإمام الصادق (ع) صورة تعطي ملامح هذه الخلعة، حيث سُئل (ع) عن حدّ حسن الخلق؟ فقال: (تلين جانبك، وتطيب كلامك، وتلقى أخاك المؤمن ببشر حسن) (الوسائل – للحر العاملي: 5/ 251).
فإنه يؤكد أن وسيلة التعبير التي تظهر حسن الخلق تتمثل في هذه الأبعاد الثلاثة وهي: في الحركة والسلوك الحسن، وفي القول والكلمة الطيبة، وفي النظرة وبشر وطلاقة الوجه.
ومن خلال هذه الخلعة الجميلة، ومن خلال القيم الأخلاقية المستلهمة، يتبين أثر العبادة ونجاح هذا المنهج في تنمية وتربية القيم الأخلاقية، وببيان أوسع، فقد انتهج الإسلام لتحقيق أهدافه الأخلاقية في الحياة ثلاث طرائق:
الأول: إيجاد القدوات الصالحة، التي يقتدي بها المؤمن في حياته الإجتماعية، وفي طليعتها هم الأنبياء والرسل، وفي مقدمتهم المثل الإنساني الأعلى رسول الله محمد (ص)، فهناك إشارة عامة إلى هذه القدوات في قوله تعالى: (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ) الأنعام: 90
وهناك إشارة خاصة إلى القدوة الحسنة للبشرية عامة، وهو رسول الله (ص) في قوله: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) الأحزاب: 21، هؤلاء القادة القدوات الذين خلفوا للأمة منهجاً موضحاً من الأحكام والقرارات والالتزامات تجاه الله (عز وجل)، كما خلفوا للأمة تاريخاً ناصعاً متوجاً بالمواقف الحافلة بالقيم والمثل العليا.
الثاني: التوعية الأخلاقية، وتبليغ القيم والمبادئ الأخلاقية التي تعتبر جزءاً من الوظيفة التبليغية العامة، التي تبناها القادة القدوات، وخصوصاً رسول الله (ص) حيث قال: (إنما بُعثتُ لأتمِّمَ مكارمَ الأخلاق).
فكان اهتمام رسول الله (ص) والأئمة الأطهار (ع) إلى جانب تبليغ أحكام وواجبات التشريع الإسلامي، تكوين المعرفة بالخلق والقيم الإنسانية النبيلة، كالصدق والأمانة والوفاء والحلم والرحمة وغيرها من السجايا.
والهدف من هذه التوعية المتبناة ضمن الخط التبليغي، هو: تكوين الإحساس الباطني الذي يستطيع معه الإنسان التمييز بين الخير والشر للعمل بهذا وترك ذاك، وتربية نوازع الخير والإستقامة في النفس، ومكافحة النوازع المريضة واستئصالها من أعماق النفس، وإنقاذ الشخصية من مرض الإنقسام الذاتي بالتوحيد بين الإتجاه الباطني والسلوك الخارجي الذي يمارسه الإنسان في محيطه، وبالتالي توفير السعادة النفسية، والسلام الإجتماعي الذي يتوقف على التوازن والإستقرار النفسي الباطني للإنسان.
الثالث: الإستلهام من المنهج العبادي الذي يتكفل من خلال خطوطه العامة، ترويض النفس الإنسانية وتوطينها على العمل الخالص لوجه الله تعالى، والهادف إلى مرضاته (عز وجل)، مما ينتج تربية الملكات الأخلاقية والسجايا المتأصلة في النفس، إستلهاماً من مضامين المنهج العبادي، لتصبح هذه الصفات والسجايا صيغة عملية ثابتة، لا مجرد حالة عابرة.
ولهذا أفادت النصوص الشريفة: أن الأخلاق الحسنة هي الدين بحدّ ذاته؛ لأنها مولودة من صميم الفطرة التي فطر اللهُ الناس عليها كما الدين من صميم هذه الفطرة.
قال رسول الله (ص): (الدين المعاملة)، وجاء رجل إلى رسول الله (ص) من بين يديه، فقال: ما الدين؟ فقال: (حسن الخلق)، ثم أتاه عن يمينه فقال: ما الدين؟ فقال: (حسن الخلق)، ثم أتاه من قبل شماله فقال: ما الدين؟ فقال: (حسن الخلق)، ثم أتاه من ورائه فقال: ما الدين؟ فالتفت إليه وقال: (أما تفقه؟ الدين هو أن لا تغضب) (تنبيه الخواطر – مجموعة ورام -: 2/ 89).
إن هذا الجواب يحمل دلالته العملية، حيث ترى النبيّ (ص) يتسع صدره لهذه اللجاجة من السائل، وعدم استيعابه للسائل من خلال هذا التعامل: أن منطلق الخلق الإسلامي، أن يكون المؤمن رحب الصدر، لين الجانب، بعيداً عن الإنفعال والقسوة في التعامل مع الغير.
وقال رسول الله (ص): (جعلَ اللهُ سبحانه مكارم الأخلاق صلة بينه وبين عباده، فحسب أحدكم أن يتمسك بخلق متصل بالله) (تنبيه الخواطر – مجموعة ورام -: 2/ 122)، هذا مضافاً إلى النصوص التي بيَّنت المردود الرباني الذي يفيضه على العبد المؤمن لحسن خلقه، والمنازل الأخروية الرفيعة التي أعدّها الله (عزَّ وجل) له.
قال رسولُ الله (ص): (إن الله تعالى ليعطي العبد من الثواب على حسن الخلق كما يعطي المجاهد في سبيل الله يغدو عليه ويروح) (الكافي – للكليني -: 2/101) وقال (ص): (إن العبدَ ليبلغ بحسن خلقه عظيم درجات الآخرة وشرف المنازل، وإنه لضعيف العبادة) (الدر المنثور – للسيوطي -: 2/ 434) وقال (ص): (ما يُوضع في ميزان امرئ يوم القيامة أفضل من حسن خلقه) (الكافي – للكليني -: 2/ 99) فحسب العبد المؤمن من هذه الإشراقات والمعطيات اللامعة على حياته الخاصة والعامة، ما يكفي دليلاً صادقاً على كفاءة الرسالة التي يؤمن بها، والمنهج الذي يترسمه.
فما عليه إلا أن يزداد التحاماً بهذا المنهج، ويجتهد في الإستفادة منه لبناء حياة الدارين الدنيا والآخرة: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) (النحل: 97).


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


الشيخ عبد الرزاق فرج الله
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/06/30



كتابة تعليق لموضوع : مسؤولية الشيعة تجاه رسالتهم
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net