الشيعة هم أهلُ التوبة ( 1 )
الشيخ عبد الرزاق فرج الله
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الشيخ عبد الرزاق فرج الله

إن التوبة تعتبر من أساسيات المؤمن الشيعي؛ لأنها الوسيلة التي يرتبط بها المؤمن بربه الغفور ذي الرحمة، وأما روحها التي تحركها باتجاه موضع الرضا والقبول الرباني، وتعطي صاحبها موقع القوة، فهي ولاية أهل البيت(ع).
لذا جاء في تفسير الهداية في قوله تعالى: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى))1 أي: إلى ولاية ومحبة أهل البيت(ع)، حيث أخرج ابن البطريق، عن الحافظ أبي نعيم، بسنده عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه، عن علي(ع) أنه في هذه الآية قال: ثم اهتدى (إلى ولايتنا)2.
وقال أمير المؤمنين(ع) في وصف التائبين: (غرسوا أشجار ذنوبهم نصب عيونهم وقلوبهم، وسقوها بمياه الندم، فأثمرت لهم السلامة، وأعقبتهم الرضا والكرامة)3.
وعن الإمام زين العابدين(ع)- في مناجاته -: (واجعلنا من الذين غرسُوا أشجار الخطايا نصب روامق القلوب، وسقوها من ماء التوبة، حتى أثمرت لهم ثمر الندامة، فأطلعتهم على ستور خفيات العلى، وأروتهم- آمنتهم - المخاوف والأحزان... فأبصروا جسيمَ الفطنة، ولبسوا ثوب الخدمة)4. وتبقى التوبة مظهراً من المظاهر المشرقة على حياة الفرد المؤمن؛ لأنها عملية تحول وتسام من كبوات الفشل والضعف والسقوط، إلى حالة النجاح والقوة والرفعة بالحياة إلى مسارها الذي اختطته السماء للإنسانية.
قال الإمام أبو عبد الله الصادق(ع): (التوبة حبلُ الله ومدد عنايته، ولابد للعبد من مداومة التوبة على كل حال، وكل فرقة من العباد لهم توبة، فتوبة الأنبياء من اضطراب السر، وتوبة الأصفياء من التنفس، وتوبة الأولياء من تلوين الخطرات، وتوبة الخاص من الإشتغال بغير الله، وتوبة العام من الذنوب)5.
فليست التوبة كما يتصور البعض، بأنها عملية تحول تفرضها حالة الضعف والندم في نفس الإنسان على عمل المعصية، وبالتالي لم يكن الإنسان يهتم في تطوير وتعميق الصلة بالله عز وجل؛ بل إن التوبة في تفكير المؤمن، هي عملية تكامل في العقيدة والسلوك، ومسيرة تصاعدية في سلم العلاقة مع الله عز وجل، لذا فإنها تشكلُ عنصراً من عناصر القوة في حياة الإنسان المؤمن، وموضعاً من مواضع محبة الله عز وجل وعنايته بالعبد.. لذلك، فإن المخاطب بالدعوة إلى التوبة هم المؤمنون، حيث قال عز وجل: (وَتُوبُوا إلى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)6.
وقال رسولُ الله(ص): (توبوا إلى الله فإني أتوب إلى الله كل يوم مئة مرة)7. وقال (ص): (ليس شيء أحب إلى الله من مؤمن تائب أو مؤمنة تائبة) 8.
كما قال أمير المؤمنين(ع): (توبوا إلى الله عز وجل وادخلوا في محبته، فإن الله عز وجل يحب التوابين ويحب المتطهرين، والمؤمن تواب)9.
وإن كانت التوبة رجوعاً وإنابة بعد انقطاع حبل الصلة والمودة بالله عز وجل بسبب المعصية عند الكثير من الناس؛ إلا أنها بعد هذا التحول تعتبر خطوة على طريق التكامل والتسامي لدى الإنسان الواعي لقيمتها وحدودها.
الهوامش:
1- طه : 82
2- أمان الأمة من الإختلاف – لطف الله الصافي - : 31 / 137
3- ميزان الحكمة – محمد الريشهري - : 1 / 329
4- نفس المصدر.
5- بحار الأنوار – للعلامة المجلسي - : 9 / 31ح / 38
6- النور : 31
7- الخصال – للشيخ الصدوق - : 1 / 101
8- بحار الأنوار – للعلامة المجلسي – : 6 / 31
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat