كنت قبل أيام ألقي محاضرة في مادة الصرف في اللغة العربية في الجامعة وسألت الطلاب أن يعطوني أمثلة عن الهمزة التي تفيد الجعل فرفع أحد الطلاب يده وبإلحاح شديد أراد ان يتكلم وأخيرا تكلم وقال-(أفسدت الشاي والسكر وحليب الأطفال) فاستغربت وأستغرب جميع الطلبة فأنفجر جميع الطلاب بالضحك الشديد حتى تحولت المحاضرة الى مجموعة من الامثلة الفكاهية حول "الافساد والمفسدين" في صفقات وزارة التجارة المشبوه من حليب وشاي وزيوت نباتية غير صالحة حتى لمكائن(الستوتات) التي تقتل يوميا أطفالنا الذاهبين الى المدارس والذين يلعبون بالقرب من مساكنهم البسيطة التي يغلفها الجوع والمرض0
صدق هذا الطالب أن كلمة "الفساد أصله تحول منفعة الشيء النافع إلى مضرة به أو بغيره، وقد يطلق على وجود الشيء مشتملاً على مضرة وإن لم يكن فيه نفع من قبل ",والإفساد" فعل ما به الفساد، والهمزة فيه للجعل، أي: جعل الأشياء فاسدة. يقال: فسد الشيء بعد أن كان صالحاً، ويقال: فاسد إذا وجد فاسداً من أول وهلة، وكذلك يقال: أفسد إذا عمد إلى شيء صالح فأزال صلاحه، ويقال: أفْسَدَ إذا أوجد فساداً من أول الأمر.
فقلت في نفسي هل تحولت هذه اللفظتين معناهما للشاي والسكر والزيت فقط 0
وأين الفساد والافساد من القتل والتشريد والتهجير والاعتقالات العشوائية وأكل أموال الشعب المسكين بالباطل عن طريق الصفقات الوهمية .
وأين الفساد والإفساد من صرف الاموال المهولة بحجة بناء وترميم المساجد والجوامع والحسينيات وفي جوارها كثير من الافواه الجائعة والايتام الذين ليس لهم مأوي ينامون فيه .
وأين الفساد والافساد من تردي المنشأت الخدمية من مستشفيات ودور أيتام ومدارس ومحطات كهربائية وشوارع طافية بالمياه الآسنة000000 وغيرها.
وأين الفساد والافساد من صرف أموال أوقاف العتبات المشرفة المقدسة على الاحتفالات وشراء الثريات الضخمة التي تقدر بالمليارات والسجاد الثمين وتذهيب الجدران وزخرفتها وترك الفقراء والمساكين يفترشون الطرقات0 قال تعالى -: ((ولا تطيعوا أمر المسرفين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون)) [الشعراء/ 152].
حتى أني ذهبت يوما زائرا (لمرقد الامام الحسين عليه السلام) فسألتني إحدى النساء عند باب المرقد وقالت أنا أرملة ولي سبعة أيتام جياع وليس لنا حتى جحر حيوان ننام فيه,وقالت لو بعث صاحب هذا المرقد من جديد هل يرضا مايفعل هؤلاء بمرقده وحوله الجياع000000 فقلت لها كلا ,هو راعي الايتام والأرامل والفقراء و و و .....
و أين الفساد ولإفساد الناشئ عن فساد الكبار الذين يشار لهم ، وهو الفساد الأكبر، لأن الكبراء إذا فسدوا فإنهم ينشرونه بقوة نفوذهم واستخدام سلطاتهم وقوتهم . وكثر فسادهم وإفسادهم حتى صار ديدنهم، وصار طبيعة فيهم حتى أنهم لا يشعرون بذلك. ولم يفلح معهم العلاج، حتى الوحي المتنزل من السماء لم يمنعهم من الإفساد، قال تعالى -: ((وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون. ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون)) [البقرة/ 11]. بل كانوا يوغلون في الفساد حتى فيما بينهم، فصاروا ميؤوساً من صلاحهم.ويقدم هؤلاء أنفسهم على أنّهم مصلحون ومحبّون للخير ! وتكون جميع قوى البلاد تابعة لإرادهتم ، وكأنّ السلطة أُلعوبة بيد حفنة من المفسدين, بعد أن وثق بهم الشعب المسكين وأنتخبهم لكنهم نقضوا هذا العهد0قال تعالى-((والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار))[الرعد-25]. إن أثر الفساد والإفساد ليس له حدود لو سارت الأمور على مقتضى أهواء المفسدين، فالكون كله يفسد0 قال تعالى -: ((ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن)) [المؤمنون/ 71]، ولو لم يقف المصلحون في وجه المفسدين لعم الفساد أرجاء الأرض ولشمل الضلال كل أطرافها، ولكن من رحمة الله أنه يدفع فساد المفسدين بجهاد المصلحين0قال تعالى- ((ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض، ولكن الله ذو فضل على العالمين)) [البقرة/ 251].إن مسؤولية المصلحين عظيمة، فواجبهم أن يعتصموا بحبل الله جميعاً ضد المفسدين، فالمفسدون مهما تباعدت ديارهم ألتى جاءوا منها واختلفت ميولهم وأتجاهاتهم الفاسدة، فإنهم جبهة واحدة وصف واحد ضد الإصلاح والمصلحين. وما لم يكن للمصلحين صف واحد ضدهم فالفساد سيظل يكبر ويكبر حتى لا يستطيع أحد أن يقف أمامه.
آن الأوان لضعفةِ الأتباع أن يتبرءوا من متبوعيهم الظالمين المفسدين فلا يكونوا أداة لهم في ظُلمٍ هذا الشعب المضطهد المسكين الذبوح..
آن الأوان للبراءةِ من المفسدين قبل أن يتبرءوا من تابعيهم بين يدي الله يومَ ينقلبون عليهم فيلعن بعضَهم بعضا حيث لا ينفع لعن ولا ندم.
قال تعالى- (وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا ) [67 –الاحزاب]
وآن الاوان لعلماء الدين أن ينظروا لهذا الشعب يباد, وأعراض تنتهك , فمتى تتكلمون إذا لم تتكلموا الآن؟! ومتى تفصحون بكلامكم عن نصرة المستضعفين إن لم تفصحوا الآن؟! فبالله بينوا ما ترون من خلل حتى يستفيد الناس منه , أفلا تجودون عليهم بالنصح والتقويم والمساندة , خاصة أن كثيراً منهم لم يتشرف بحمل العلم الذي تحملونه .فأصدقكم القول : إن العراقين باتوا يتهامسون بل بعضهم صار يصيح بأعلى صوته : أين علماء العراق ؟ ولماذا يسكتون عما يجري منذ الاحتلال إلى الآن ماهذا السكوت المريب ؟ ومن يتكلم إذا لم يتكلم العلماء الذين أخذ الله عليهم العهد بالبيان والإفصاح؟ّ! ولماذا يغيبون عن وسائل الإعلام المختلفة هذا الغياب؟!
قال تعالى -: ((ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على مافي قلبه وهو ألد الخصام، وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل، والله لايحب الفساد)) [البقرة/ 205].
فكم من يدٍ في ظلمة الليل بسطت.. تدعوا على هؤلاء المفسدين..
وكم من جبهة بين يدي الله سجدت..تستنزل العذاب على المفسدين..
وكم من عين دمعت.. ودعوة رفعت.. تستعدي رب العالمين.. عليهم..بالويل والعذاب الشديد في الدنيا والاخرة.
فكيف يتلذذ عاقل بمتعة هذه عاقبتها.. وهذه نهايتها..
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat