صفحة الكاتب : علاء البغدادي

وهم (الحكومة الشِّيعيَّة) تسطيح الوعي وإجهاض المستقبل
علاء البغدادي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
من يُقلِّب أوراق التاريخ العراقيّ الحديث، لاسيَّما السّياسيّ منه، وتحديداً من نهاية سقوط الملكيَّة أواخر الخمسينيّات وحتَّى سقوط النَّظام البعثيّ الّلعين، يرى مفارقة غريبة جدّاً، وهي أنَّ العراق لم يشهد مرحلة تشييد دولة حقيقيَّة، ترتكز على نظام مؤسَّساتيّ فاعل، يشتغل على مدارة هموم النَّاس وتلبية احتياجاتهم.. وهذا ما جعل الأمر يزداد خراباً بعد الإحتلال الأمريكيّ، الذي أصرَّ على ترسيخ هذا المفهوم بالبنية السّياسيَّة العراقيَّة، التي أصبحت – ومازالت – بنية متحزِّبة في إطارها العام، ومنفعلة مذهبياً أو قوميّاً، وهي تبحث عن مكتسباتها الضَّيِّقة، مما شجَّع على ديمومة الإرباك في المشهد السّياسيّ العراقيّ، وتغيّر المواقف وانقلاباتها، وتلاشي العناوين الكُبرى والرئيسيَّة، كالوطن والنَّاس، في الأداء السّياسيّ.  
منذ عشرة سنوات، لم نشهد أيَّة ملامح واضحة لهويَّة الدَّولة العراقيَّة، بل لم نتعرَّف حتَّى على خطوطها العامَّة، والتي يُمكن أن نتلمَّس من خلالها المنجزات التي تُحقِّق ولو المقدار الكافي، العبور إلى ضفَّة المستقبل، عن طريق مؤسَّساتها الرئيسة (التَّشريعيَّة، القضائيَّة، التَّنفيذيَّة)، حيث كانت – ومازالت – السُّلطة التَّنفيذيَّة هي اللاعب الرَّئيس في المشهد العراقيّ والتي استطاعت أن تضمُّ تحت عباءتها السُّلطة الأكثر أهميَّة، وهي السُّلطة القضائيَّة، وهذا ما ساعد على نزوع الحكومة صوب الإستبداد، فيما بقيت السُّلطة التَّشريعيَّة (البرّلمان)، هي الأكثر بؤساً وهشاشةً، بعد أن حوَّلت قبَّة مجلس النوِّاب إلى مقهىٍ ترفيهيٍّ لإجتماع الأحزاب والكتل السّياسيَّة، وأحياناً يكون حلبةً للصِّراعات والمناكفات (حدَّ الأحذية)!، بعيداً عن الدِّور الرِّقابيّ الذي لابدَّ أن يضطلع به، فضلاً عن تناسيه الفاضح، أنَّه المُمثِّل الشَّرعيّ للنَّاس، بعد أن أصبح مكاناً لتمثيل هذا الحزب أو ذاك، وكلّ من في البرِّلمان، يتحدَّث بلسان حزبه فقط، إلاّ ما رَحِمَ ربي.
أسوق هذه المقدِّمة بعد عودة الأصوات التي تبرِّر الخراب الذي يعصف بالعراق، بحجَّة أنَّ الحكومة شيعيَّة، وهو المكسب الذي ينبغي أن تهون دونه كلّ عذابات العراقيين، بل وأرواحهم، ناهيك عن التردّي الذي طال جميع المرافق الحياتيَّة، والغريب أنَّ بعض من يقول هذا، هم من يدخل في تصنيف (النُخبة)، أو هذا ما يُقدِّمون أنفسهم به، إعلاميّاً وثقافيّاً.
إنَّ تصنيف الحكومة الحاليَّة على أنَّها حكومة تُمثِّل الشِّيعة في العراق، هو من أكثر الأمور تسطيحاً للوعي الجمعيِّ الشِّيعيّ، وعلى الرّغم من مرارة التَّصنيف المذهبيِّ، لما فيه من ترسيخ لمفاهيم الإقصاء والتَّهميش والإلغاء للآخرين، وقد يتذرَّع أصحاب نظريَّة (الحكومة الشِّيعيَّة)، بأنَّ هذا الحال أفضل من ضياع الحكم وعودته إلى السُّنَّة – حسب تعبيرهم -، وبذلك ستعود أيام القمع والإضطهاد ضدَّ الشِّيعة!!
على الرّغم من هشاشة هذا التَّنظير وعدم مقبوليَّته، لابدَّ أن نؤكِّد بأنَّ الطَّاغية المقبور، ليس طائفيّاً بالمعنى الدِّينيّ، بقدر ما كان دكتاتوراً ظالماً، يُعاني من عُقدٍ قَبَليَّةٍ وعشائريَّة، جعلته يُمارس غطرسته ضدَّ كلُّ من يقف في وجه هيمنته وجبروته، ولم يسلم منه حتَّى أقرب النَّاس إليه، بل كثيراً ما كان يتظاهر وهو يسعى لئن يكون من أحفاد آل البيت عليهم السَّلام، فضلاً على أنَّ الكثير من طاقمه الإجراميّ (الوزاريّ، والحزبيّ، والعسكريّ)، هم ممن ينتمي إلى المذهب الشِّيعيّ بالمفهوم الظَّاهريّ، هذا من جهة.
من جهةٍ أخرى، أنَّ الحكومة الحاليَّة، لا يُمكن تصنيفها مذهبيّاً، لأنَّها وليدة المحاصصة المقيتة، أو ألعوبة (التَّوافق والشَّراكة)، فأغلب الوزارات السِّياديَّة والمهمَّة، هي عند غير الشِّيعة (الماليَّة والخارجيَّة والدِّفاع والكهرباء والصِّحّة والعلوم والتَّربيَّة والزِّراعة)، وفق الرؤية المذهبيَّة الضَّيِّقة، بإستثناء منصب رئيس الحكومة (وبعض الوزارات)، والذي يحاول البعض أن يختزل المكوِّن الشِّيعيّ الكبير بشخصه. 
ولو تنزَّلنا عن كلِّ ما تقدَّم، وقَبِلنا بــ(شيعيَّة) الحكومة الحاليَّة، فثمَّة أسئلة نودُّ طرحها على أصحاب هذه النَّظريَّة العَتيدة، نظريَّة (الحكومة الشِّيعيَّة)، ونقول: ما هي القرائن العمليَّة التي تؤكِّد نظريَّتكم؟ وماذا حقَّقت الحكومة للشِّيعة؟ فها هي المحافظات الشِّيعيَّة تُعاني الأمرِّين وتعيش في أسوأ الأحوال وفي مختلف المستويات، وبالأخصِّ المحافظات التي تُدار من قبل فريق الحكومة المركزيَّة وحلفائه، فضلاً عن تكرار القول من قبل رئيس الحكومة وفريقه، بأنَّهم قد فضَّلوا المحافظات (السُّنيَّة) وأهلها، على باقي المحافظات، سواء في موضوع الميزانيَّة الماليَّة، أو موضوع التَّعيينات وغيرها!!
لم يبقى أمام أصحاب نظريَّة (الحكومة الشِّيعيَّة)، غير القول: إنَّ الشِّيعة في ظلِّ هذه الحكومة، يُمارسون طقوسهم الدِّينيَّة بحريَّةٍ كبيرة، من قبيل (اللطم) والسَّير إلى كربلاء والطَّبخ في الشَّوارع وما إلى ذلك... والجواب، حتَّى هذا الإنجاز، لا يُحسب للحكومة الحاليَّة، لأنَّ هذه الطقوس لم تعود بفضل الحكومة، بل لأنَّها كانت مقموعة من قبل النَّظام الصَّدَّاميّ الَّلعين، وعادت مباشرةً بعد الإحتلال الأمريكيّ، ومنذ أيام حكومة (إياد علاّوي)، الشِّيعيّ/ العَلمانيّ، الذي يُحلِّق في الأجواء السُّنيَّة المشحونة مذهبيّاً!
الحكومة العراقيَّة اليوم، ليست شيعيَّة بالمرَّة، ولا يُمكن لها أن تكون شيعيَّة، ولا نريد لها أن تكون شيعيَّة، بل هي اليوم، حكومة يقودها حزبٌ شيعيٌّ، لم يتمكَّن من استثمار الإرث التَّاريخيّ للتَّشيُّع في تجربة الحكم، لاسيَّما التَّجربة العلويَّة الرَّائدة، وبالتَّالي عجزت الحكومة، من بلورة مفهوم (الدَّعوة) في إدارة شؤون البلاد، وظلَّت تخوض في صراعاتٍ ثانويَّة، حتَّى أصبحت صناعة الأزمات أو الإقتراب من مناطقها، هي السِّمة الأبرز في أدائها، بينما كان عليها أن تتجاوز كلّ الصِّراعات الجانبيَّة، وتحوِّلها إلى الصِّراع الأكبر، وهو ضمان المستقبل المقبول للعراقيين، على الأقل، وتحسين واقعهم اليوميّ.
إنَّ التَّجربة الحزبيَّة للحكم في العراق (الشِّيعيَّة والسُّنيَّة)، والتي مازالت فاعلة حتَّى اليوم، وخصوصاً تجربة الأحزاب الإسلاميَّة، أثبتت عدم جدواها وللأسف الشَّديد، لأنَّها لم تقترب في ممارساتها من أبسط هموم المواطن البسيط، فقد فشلت في الخروج من الأفق الحزبيّ/ المذهبيّ، وهي تُدير شؤون النَّاس، وهذا ما يجعل الحاجة ماسَّة جدّاً، لإبعاد الهيمنة الحزبيَّة (المتأسلمة) عن إدارة البلاد، التي رسَّخت أسوأ الإنطباعات عن الإسلام والمسلمين عند عامَّة النَّاس، وبهذا لم يخرج العراق من السِّيناريو العام، الذي تعيشه تجربة حكم الحركات الإسلاميَّة في العالم العربيّ.
العراق اليوم، بحاجةٍ أكثر من ماسَّة، إلى بروز طبقةٍ سياسيَّةٍ جديدة تدير شؤونه، شريطة أن لا تكون مرتهنة بإرادة زعيم الحزب وقائده، ولا ترفع من مظلوميَّة هذا المذهب أو ذاك شعاراً لها، ولا تنطلق من مصالحٍ قوميَّة مهووسة، تأكل من جرف الهويَّة الوطنيَّة الشَّيء الكثير، أو لابدَّ أن يُصار إلى تشكيل تحالفٍ موسَّع أو كتلة وطنيَّة كبيرة، تضمُّ كافَّة الأحزاب والحركات والمكوِّنات الكبيرة والصَّغيرة، تتجاوز في برنامجها وأدائها الآفاق المذهبيَّة والقوميَّة والحزبيَّة، وتجعل من خدمة المواطنين، البوصلة الوحيدة التي تتَّجه صوبها، وبخلافه، فإنَّ الوعي الذي بدأ يستعيده العراقيّون، لن يقبل مجدّداً بمغامرات حزبيَّة أو طيش شخصيّ يسير بإتجاه الديكتاتوريَّة، أو أصوات نشاز تنطلق من منصّاتٍ طائفيَّةٍ مقيتة.

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علاء البغدادي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/09/21



كتابة تعليق لموضوع : وهم (الحكومة الشِّيعيَّة) تسطيح الوعي وإجهاض المستقبل
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net