الإسلام لا يعني القمع.. والمدنيـّـة لا تعني الفوضى
علاء البغدادي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
علاء البغدادي

لا أدري لماذا يصرُّ البعض (سواء من دُعاة المدنيـّـة أو بعض المتديّنين) على إفتراض القطيعة بين الإسلام ومفهوم الدّولة المدنيـّـة، وتأكيدها كعائق رئيس أمام سُبل العيش المشترك بين النّاس؟!
فهناك بعض (المدنيين) ممن يصرُّ على أنّ المدنيـّـة، ما هي إلاّ إشاعة كلّ أشكال الإبتذال الأخلاقيّ بين النّاس، ولا يحقّ لأيّ أحد انتقاد ذلك، تحت عنوان الحريّات الشّخصيـّـة، ويحاولون تصدير المدنيـّـة على أنّها تقف بالضّد من كلّ مبادئ وقيم الإسلام، فهي – في نظرهم – ضدّ الصّـلاة والصّـوم وما إلى ذلك!!
وأيضاً هناك بعض (المتديّنين) ممن يصرُّ على أنّ الإسلام، يقف موقف النّـد والنّـقيض من مفهوم المدنيـّـة، بل ويعتبر مجرّد الكلمة (المدنيـّـة) هي استفزاز وكفرٌ وإلحاد!!
والحال أنّ كلّ من الطّرفين على خطأ.
ففي الإسلام، لا يوجد أيّ نصّ تأسيسيّ يتعارض مع مفهوم الدّولة المدنيـّـة، نعم قد تكون الحصيلة التّـأريخيـّـة الإسلاميـّـة لا تحتفظ بنماذج كثيرة اعتمدت المفهوم المدنيّ لشكل الدّولة بتمظهره الحاليّ، لكن هذا لا يعني بالضّرورة، أنّ ثمّة قطيعة أصيلة، يؤكّدها الإسلام مع المدنيـّـة، بل على العكس من ذلك تماماً، وقد لا يسع المجال لذكر الشّواهد على ذلك.
وبالمقابل أيضاً، فإنّ مفهوم الدّولة المدنيـّـة، يتلخّص في سياقاته العامّة، بتحقيق الإستقرار وتأمين السّلم والسّلام والمحافظة على الحقوق والحريّات وإتاحة فرص العمل أمام الجميع وتحقيق كافة متطلّبات العيش الرّغيد للمجتمع، وفي مختلف المستويات، والحال أنّ كلّ هذه الضّرورات لا تتقاطع مع الإسلام، بل هي صميميـّـة فيه على المستوى المفاهيميّ والتّـطبيقيّ.
إنّ الاستمرار في تجذير القطيعة بين الإسلام ومفهوم المدنيـّـة، لن يُفضي بنا إلى أيـّـة نتائج ذات قيمة، غير المزيد من الإنقسام والقطيعة والتشرّذم وتهديد السّلم الأهليّ، لاسيّما وأنّ الرّاهن العربيّ عموماً، والعراقيّ خصوصاً، يُعاني من وضع سياسيّ غاية في الهشاشة والإنفلات، ساعد على سيطرة طبقة سياسيـّـة فاسدة وتحكّمها بمقدّرات البلاد، وهي تظهر للنّاس بالّلبوس الإسلاميّ، وتتحدّث بلسان الله وتجلد النّاس بصولجان الإله!
والخلاصة، إنّ الإسلام والمدنيـّـة، يسيران بالضّد من كلّ ما يُساعد على تفكيك المجتمعات وتهديد أمنها وسلمها الإجتماعيّ، بل يسعيان إلى إشتراك الجميع من أجل تحقيق أفضل المستويات المعيشيـّـة لعامّة النّاس، ويحثّان على أهميـّـة الوقوف بوجه أيـّـة محاولات تسلّطيـّـة، وبالتّالي، فليس من مصلحة أحد، تعميق هذه الإنقسامات وتعميمها، بل لا تتحقّق المصلحة الحقيقيـّـة للجميع، إلاّ بنبذها على مستوى التّـنظير والممارسة، والتّأكيد على أهميـّـة العيش المشترك.
فالمدنيـّـة لا تعني الفوضى وشرب الخمر ورفض الحجاب والإنتقاص من عقائد النّاس والتّـشجيع على الرّذائل، وكذلك الإسلام لا يعني رفض الآخر والتّـحجُّر الفكريّ والإنكفاء على الذّات والقطيعة مع المختلف.
نحتاج إلى تدعيم ثقافة الحبّ والتّـسامح والعيش المشترك، ونبذ الفتنة والإقصاء والتّــهميش، فيكفينا ما يُبدعه السّاسة من بؤس وخراب وقطيعة بين النّاس..
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat