رقية قرة عين الحسين عليه لسلام (5)
خديجة عبدالواحد ناصر
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
خديجة عبدالواحد ناصر

أسمع صوت أبي ينادي بكلمات لا تصل مفهومة لبعد المسافة بين خيمتنا والفسطاط، لكني أدرك من خلال تلك الكلمات القوة التي يمتلكها أبي، أبي قوي لا يخاف من الجنود الذين تجمعوا لقتاله، أعتقد أن أبي يقول لهم أنا رجل لا أنكسر
يبدو أن هؤلاء الجند لا يعرفون من هو أبي، ولأني لا أرى الميدان وما يدور فيه، ولا تدعني عمتي زينب أن أرى شيئا، لكني كنت أعرف ما يدور هناك، وجهها كان يقول لي ما يحدث وفي هذه اللحظات اشتد الحزن عرفت إن أبي نزف دما كثيرا، صرخت عمتي وا حسيناه، هم قتلوا ابن عمي محمد بن سعيد ابن جدي عقيل، أمه عمتي كانت تنظر إليه ولا تستطيع أن تقول شيئا.
صعب أن يذبحوا طفلا وأمه تنظر إليه، عمتي زينب تحبس عبيد الله بن الحسن كان صغيرا عمره أحدى عشر سنة، فلت من يديها وذهب إلى أبي فقتلوه، كان وعيدهم حقيقة وأوامرهم لم تصدر عن غضب أو عصبية بل هو منهج (لا تبقوا لأهل هذا البيت باقية)
وعرفت حينها وصية أبي الحسين لعمتي بالحفاظ على حياة أخي السجاد لأجل ألا ينقطع نسل رسول الله صل الله عليه وآله، يقتلون أهلنا وهم يضحكون، كيف يستطيع الإنسان أن يقتل إنسانا مسالما؟
ما الذي عمله أبي ليقتلوه، ويقتلون الأطفال الصغار؟
فهمت كل شيء رغم صغر سني، إنهم قتلوا أبي الحسين، عاد الجواد يصهل صهيلا عاليا حزينا، تقول عمتي زينب أنه يقول الظليمة الظليمة من أمة قتلت أبن بنت نبيها، أنا رأيت الجواد وهو يقبل نحونا عليه السرج ملويا، ذهبن عماتي إليه وهن يولون، عرفت رغم صغر سني أنهم قتلوا أبي الحسين
حدث ما كنت أخافه.. أبي رحل إلى الله، صرت يتيمة مثل حميدة بنت عمي
كانت الأمور تزدحم براسي حتى أني لا أعرف كيف أبكي، هل الطم مع عماتي أم أذهب مع الصغار، عمتي أم كلثوم تصرخ وا محمداه وابتاه واعلياه وا جعفراه وا حزناه، كنت أردد خلفها بصوت مخنوق وا جداه.
وا أبتاه، الأطفال صرخوا مثلما أصرخ، امتزجت الأصوات في بكاء يمزق القلوب، عمتي أم كلثوم تصرخ صراخا يبكي السماء، هذا حسين بالعراء صريع بكربلاء، أي حزن هذا الذي يمرد القلب
اليوم كان مزدحما بالأحزان الكثيرة، على قلب كل إنسان، أما أنا عشت اليوم الوجع، كيف يستطيع الإنسان أن يتحمل الوجع وهو يرى بعينيه هذه الأحداث ولا يموت؟
لذلك كانت عمتي تسعى ألا تجعلنا نحن الصغار نرى شيئا، لكن حين يشتد بها الحزن تصرخ، وا سيداه، وا آخاه ليت السماء أطبقت على الأرض، وليت الجبال تدكدكت على السهل
لم أعد أرى شيئا لكن إحساسي كطفلة ابنة الحسين من بيت رسول الله صلى الله عليه وآله يدليني على أغلب الأمور، وعلى ما يبدو هناك أمور بشعة أكثر ألما، لم أستطع أن أراها أو أفهم مغزاها، لكن مع هذا كنت منشغلة بشيء أقلقني كثيرا كيف ستنفذ عمتي وصية أبي للحفاظ على أخي علي السجاد عليه السلام، والقوم مروا على المخيم ونهبوا ما فيه من خيول وجمال ومتاع.
وقصد الشمر إلى الخيام مع جماعة من الجند من أجل قتل أخي علي السجاد.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat