منذ أن غادرت العربة السوق الكبير، تجمد الدم في عروقي وأنا تحت هذا الثقل الروحي شعرت أن السماء غاضبة عليهم، سقط المطر بقوة وكان مصحوبا بزمجرة الرعد واعتقد أنه كان مصحوبا ببريق يشاكس هؤلاء الأمريكان الذين تجحفلوا على جسدي، في الأيام الماضية كان هناك حراك غير طبيعي، الأمريكان كانوا يباغتون الناس يدخلون ليلا نهارا
بل وصل الأمر تقريبا كل ساعة، وإذا بهم يبحثون عني، كانت مخيلتي الخصبة تحمل هواجسَ أكبر من هذا الذي يحدث، كنت أتوقع تفجيرات كبيرة ستحرق السوق والناس، ولا أعرف لماذا وقع الاختيار علي، والحمد لله إذا انتهت بي أنا والناس سلامات
وما هي المبررات التي جعلتني أكون ضمن قوائم الحظر، أدخلوني في قاعة كبيرة فيها مجموعة من المحققين للاستجواب، حاولوا أن تكون القاعة موحشة تخلق أجواءً مرعبة تهز نفسية من يستجوبوه بهدوء، ولجنة التحقيق تحاول أن تحبس اليقظة عبر كل سؤال.
أسمي:
ـ مؤيد قاسم جادر المرياني مواليد 1975م بغداد، تبين لي أني لست وحدي، كابوس مرعب يخبرني بأن ولد الحاج قاسم كلهم في التحقيق أنا وجميع أخوتي (علي / حسين / ابراهيم / محمد) سربوا لي خبر سجن إخوتي كان الألم الأقسى في حياتي، ثلاث سنوات من الألم المهلك والفتاك، كانت التهمة الموجهة لنا اختطاف المستشار البريطاني
اتقلب في محبسي كل ليل، وصوت الحديد في حذاء السجان يرهقني وخشخشة المفاتيح وصرير لسان القفل الحديدي..
ايقظوني ذات صباح:
ـ هيا قم
سرت وأنا أعاني من فورة غضب لا يهدأ، لكوني كنت أخشى أنهم أعدموا أحد أخوتي ويريدون أن أشاهد المنظر بعيني نكاية بصلابتي، وإذا بهم أطلقوا سراحي سمعت أحدهم يقولها بعربية طليقة، أذهب إلى الحرية،
أجبته فورا:
ـ وأين هي الحرية والبلد مستعمر، الحرية الحقيقية أن أرى بلدي حرا، فرحت جدا حين قابلت أخوتي، وهم سالمين غانمين خرجوا من بوكا وهم ينتظرون خروجي، اكتشفت فكرة مهمة وجديدة على إنسانيتي أن الاستعمار لا يسعى لأن يحتكم البلاد فقط وإنما يمتد إلى احتلال الداخل الإنساني، فهم احتلوا الإنسان قبل الوطن لا بد أن نحرر انفسنا أولا، يبدو أن الألم معلم كبير.
كل يوم يمر بي وقاعة تحقيق بوكا تكبر في رأسي، لا بد أن أحاكمهم يوما ولن أتخلى لهم عن وجودي صار علي أن أقاوم وجودهم في سوريا حين ارتدوا زي الدواعش وجندوا مرتزقتهم فكان قراري أن أقاتل دفاعا عن مرقد مولاتي زينب عليها السلام.
كنت أمارس فيهم كل تفاصيل حياتي اليومية وأضعهم كلهم أسفل الساعة ستة
كانت قاعة التحقيق وعربة الأمريكان والدواعش وإذا بي لمدة خمسة وأربعين يوما لم أنزع حذائي ولم أتخلى عن الفرضة والشعيرة.
كبر إصرار العراق لمقارعة صنيعة أمريكا الدواعش، صارت الأشجار أكثر اخضرارا والورد أجمل
من أتفه النكات التي سمعتها في حياتي تلك التي تقول أن اعتقالي في باكو كان سهوا أو اشتباها لا بل كان جواز سفر لرحلة المواجهة، كان لدي الكثير مما أقوله، لكني أؤمن بأن بلاغة الميادين أصدق.
شاركت في معارك كبيرة وانتصرت بها قائدا مثل معركة إبراهيم بن علي، والتاجي وسامراء، وكان هو الرد الطبيعي على قاعة التحقيق وعربة الأمريكان وسجن عائلتي والتجاوز على مرقد مولاتي زينب والتجاوز على بلدي، قاتلت في سيد غريب أقوى المعارك التي خضتها في حياتي، لغرابة طبيعة المنطقة الزراعية، فكانوا يكمنون خلف الشجر لأنهم يعرفون إنا نحترم الشجرة ونعتز بالنخيل، شاركت في معركة سيد غريب بكل ما أملك من عزيمة وانتصرت بها شهيدا..
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat