على ضفاف الانتظار(102)
الشيخ حسين عبد الرضا الاسدي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الشيخ حسين عبد الرضا الاسدي

كيفَ يجمعُ الكلمةَ على التقوى؟
من الصفاتِ التي وصِفَ بها الإمامُ المهدي هو أنّه جامعُ الكلمةِ على التقوى، كما في دعاء الندبة، وهي كلمةٌ توحي بأنّه سيقومُ بما لم يُتَحْ لمن قبله من الأنبياء والأوصياء من جمعِ كلمةِ الناس عمومًا على ما يُريدُه اللهُ (تعالى) من الناسِ، من الالتزامِ بطُرُقِ الكمالِ والابتعادِ عمّا يُسبِّبُ التقهقُرَ في الكمال.
وقد أشارتِ الرواياتُ الشريفةُ إلى هذه الحقيقة، فقد رويَ عن رفاعة بن موسي قال: سمعتُ أبا عبد الله يقول: ﴿ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا ﴾ قال: إذا قامَ القائمُ لا تبقى أرضٌ إلا نوديَ فيها بشهادةِ أنْ لا إلهَ إلا الله، وأنّ محمدًا رسولُ الله.
أما عن الآليةِ التي سيتبعُها الإمامُ المهدي لجمعِ الكلمةِ على التقوى، فيُمكِنُ تلخيصُها بالآتي:
أولًا: على المُستوى النظري:
تتلخّصُ الأهدافُ المرسومةُ لحركةِ الإمامِ المهدي ببسط العدل على ربوعِ الكرةِ الأرضية، وإزالةِ الظلمِ والجور وما يستلزمُه الظلمُ من فقدانِ الأمنِ وانتشارِ الفقرِ وانعدام الحقوق، ولا شكَّ أنَّ هذه الأهدافَ هي مطلبُ كُلِّ إنسانٍ عاقل.
وهذا ما أكّدَته الرواياتُ الشريفةُ التي تعرّضتْ لذكره والتي ما فتأت تذكرُ أنّه سيملأ الأرضَ قسطًا وعدلًا بعدما مُلئت ظلمًا وجورًا.
ولا شكَّ أنَّ هذه النظرية سيكونُ لها وقعٌ إيجابي في النفوسِ ممّا يؤدّي إلى تلهُفِهم لتطبيقِها في الحياة العملية.
ثانيًا: على المُستوى العملي:
سيقومُ الإمامُ بتطبيق تلك الشعارات على أرضِ الواقع، الأمرُ الذي سيُدركُ معه الناسُ وبفترةٍ وجيزةٍ أنَّ شعاراته لم تكُنْ مُفرغةً من العمل، وإنّما هي خطوةٌ أولى لخطوةٍ أهمّ، هي التطبيق العملي، وسيجدُ الناسُ أنَّ الإمامَ قد حقّقَ لهم ما يصبون إليه مُنذُ أمدٍ بعيد.
ومن الخطواتِ العمليةِ التي سيقومُ بها هي الآتي:
أولًا: إنّه لا مكانَ مُتاحَاً للظالمين، فالتعامُلُ معهم سيكونُ شديدًا جدًا، إلا من يُعلِنُ التوبةَ النصوحَ منهم إذا كانتْ بالمستوى المقبول، وإلا فإنَّ مصيرَه الاستئصالُ تمامًا.
ثانيًا: إنَّ المناهجَ التربويةَ ستنصبُّ على إضفاءِ (الحكمة) ووضعِ الشيءِ في موضعه في سلوك الناس، الأمرُ الذي يصلُ إلى ما رويَ عن أبي جعفر أنَّه قال: «... وتؤتون الحكمةَ في زمانِه، حتَّى إنَّ المرأةَ لتقضي في بيتها بكتاب الله (تعالى) وسُنَّةِ رسول الله»
بل يصلُ الأمرُ إلى ما رويَ عن أبي جعفر (الباقر) أنّه قال: «إذا قامَ قائمُناوضعَ يدَه على رؤوسِ العباد، فجمعَ بها عقولَهم، وكمُلَتْ بها أحلامُهم».
ثالثًا: إنَّ نفسَ وجودِ الإمامِ المعصومِ ظاهرًا بينَ الناس، وما يرونه من سلوكياتِه الشفّافة التي تكشفُ عن التزامٍ كاملٍ بالمبادئ التي رسمَها للناس، بل إنّه يصوغُ سلوكَه بحيث لا يسمحُ حتى للعدوِّ بأنْ يطعنَ عليه بفعلٍ أو قولٍ أو حتى صمت، لهو من الأمورِ التي ستجعلُ الناسَ يلتفّون حولَه ويعملون على اتخاذِه قدوةً عمليةً لهم في حياتهم، الأمر الذي يعني سعيهم الحثيث للتشبُّه به، وهذا أمرٌ من شأنه أنْ يقودَهم نحو التقوى العملية، وليس النظرية فقط.
على أنّه يُمكِنُ للإمامِ أنْ يُبيّنَ لهم الملاكاتِ الواقعيةَ للأحكامِ الشرعية المُبتنية على المصالحِ والمفاسدِ الواقعية، الأمر الذي سيدفعُ الناسَ أكثر إلى التزامِ مُفرداتِ الدين حينما يقطعون بموافقتها للمصلحة العامة، بل وحتى الشخصية.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat