استكانت القرية إلى قيلولة قائظة . كان كل شيء فيها يفور .
كان صبي هناك يرقب الطريق إلى ألنهير . تسلل دون أن يمنعه رقيب . كانت هناك فتاة شاخصة أمام باب دارها ، تتحرّى هي أيضا عبر الطريق ، كأنها تبدي اهتماما بأمر ما . مرّ ألصبي مسرعا من أمامها لكي يتلافى أتون ألشمس . و ليختصر الطريق ، حيث ألقى ملابسه تحت فيء الشجرة التي تحجم ظلالها بفعل تعامد الشمس ، فتظللت المزلقة وكوّر ملابسه هناك . ألقى بجسده إلى ترعة الماء . كان يفضّل أن يختلي لوحده حتى يلهو دون منافس . فألقى بالماء من كفيه على تقعّر المزلقة التي تملّست بفعل أجساد الصغار . لاحت الفتاة قادمة و على رأسها أناء الماء ، في حين واظب هو على غطسه و مكوثه فترة أطول . قذفت الفتاة بإنائها إلى المجرى و هبطت خلفه، ملاحقة إيّاه و هو يندفع إلى أمام ، ثم عادت فيه ممتلئا إلى الضفة ، و ركنته مع عباءتها تحت فيء الشجرة .
انحدرت إلى النهير سابحة إلى العمق . بدأت كأنها تقرفص و ثوبها منتفخ و يعوم فوق كتفيها الغاطسين ,مراوغة مع الماء. بدأ رأسها يغطس شيئا فشيئا و تبز الماء من فمها .بدأ جسدها ينساب مثل انسياب الأفعى ،غاطسا و عائما . ثم تختفي ثم تعوم نافضة رأسها ، و ماسحة أنفها بإصبعيها .
أنزلق الصبي و هبط سريعا من المزلقة و غطس . راقبت الفتاة هبوطه العاري و قالت :
ـــ ألم تخف و أنت لوحدك في الظهيرة؟
قال ألصبي : ــــ كلا .. لقد تعوّدت المجيء وحدي لكي ألهو أو أصيد السمك .
قالت الفتاة وهي تحرك الماء بذراعيها : ـــ وأمك .. ألا تخشاها ؟
قال : ـــ هي لا تدري. مرّات أفاجئها بجلب السمك فتفرح . و لكنها تعنّفني و تصلم أذني بعد ذلك .
قالت : ـــ حسنا ..كيف ذلك.. كيف تصطاد السمك ؟
قال ضاحكا : ـــ كيف أعلّمك؟ أن ذلك لا يتم ألا أثناء الصيد .
قالت الفتاة : ـــ هل تستطيع أن تمسكني كما تصطاد السمك؟
بزّ الماء من فمه و قال ضاحكا: ـــ بكل سهولة . إنك كبيرة و جسدك يحرّك الماء بأجمعه. و أستطيع الإمساك بك .
غاصت الفتاة . ثم تبعها سابحا و قد اقترب ليلامس جسدها و أمسكها بين ذراعيه . لكن الفتاة انزلقت و أطلّت ضاحكة :
ـــ ها .. ؟ كيف أذن تستطيع اصطياد سمكة في حين لا تقدر على الاحتفاظ بجسد كبير مثل جسدي ؟ أرني كيف تخلّص جسدك من قبضتي ؟
غاص الصبي ، لاحت لها حركة الماء بحيث تستطيع ملاحقته . اقتربت منه و أحس أنها تطبق عليه . أفلت الصبي صدره ، بينما دفع بقدمه اليمنى لكي تنغمس بالطين . كان قد انزلق و تحرر منتصرا . بدأت الفتاة تتأمل فيه لانسياب جسده الذي يندفع فوق الماء ثم يتقوّس قبل أن يغور .
قال : ـــ إنني أنزلق من حصارك تماما كما تخلّصت من قبضتي . لكن جسدك يذكرني بطراوة أجساد السمك .
قالت : ـــ ها.. أذن حاول مرّة ثانية.
سبح الصبي مبديا مراوغته و توغله بعيدا .راقب الماء الذي صفا فوق الفتاة ، واندفع مارّا من فوقها ليظهر لها مدى تفوقه و مهارته فتطبق عليه بعنف . ناضل لكي يتحرر من تشبثها . كان أمرا عسيرا ، استغرق وقتا غير قليل و هو يحاول أن يفلت .
أمعنت هي أن تبقي على هيمنتها عليه . لكنه واصل زحفه ، دافعا إيّاها إلى الجرف ، ويظل شعرها مرتخيا دون مقاومة ، يعلو و يهبط مع الموج ، كان هذا يثير ذعره : أن تكون قد ماتت .
فوجئ بصوت جارتهم التي تناولت إناء الماء من فوق رأسها و هي تتأملهما ثم صاحت بهما :
ــ ما الذي تفعلاه أيها الأبالسة ؟ حسنا ..سأقول لأمك لكي تنزع جلدك.
تناولت الجارة قفا الصبي و أشبعته صفعا ، و توعدته قائلة :
ـــ ستعرف ما الذي تصنعه أمك . انهضي أيتها الوقحة.
ولّى الصبي هاربا إلى الضفة الأخرى باتجاه أجمة القصب التي تلوح عن بعد. بينما نهضت الفتاة لتغتسل و ترتدي عباءتها و تمضي ، و المرأة تعنفها و تتوعدها .
جمعت المرأة ثياب الصبي تحت إبطها و عادت باتجاه البيت ..من بعيد واصل الصبي مراقبة الجارة حيث غابت في بيتها ، ثم أطلّت خارجة باتجاه بيتهم, شاهد أمه و هي تطل من بعيد آتية مع المرأة . تيقن أن أمه تنوي فيه شرا . فتراجع إلى الأجمة . و ظل يشاهدها تقف على ضفة النهير .كانت ألامرأتان تبدوان في طريقهما إلى مخبئه . توغل الصبي داخل الأجمة . و شاهد راعيا يسرح بعنزاته و يستظل بعباءته .
قال الراعي مازحا : ـــ ما هذا أيها الصبي ؟ أنك تبدو لحميا مثل فرخ الدجاج الذي فقس توّا. قل لي .. لماذا أنت عار و تبكي ؟
قال الصبي: ـــ أتوسّل إليك أن تخبئني لأن أمي ستسلخ جلدي . أرجوك أن تقسم بعدم ألبوح لها.
قال الراعي : ــ حسنا يا أخي ، يتعين عليك أن تنبطح إلى جنب تلك الماعز التي تجتر كأنك جدْي يرضع ، أتشاهدها؟
قال : ــ اجل أشاهدها .
قال الراعي : أنا سأجمع حولك القطيع لكي لا يشاهدك أحد.
جمع الراعي معزاته وهو يطلق صفيره و قال : ــ أتلاحظ ؟ إنهن دائما يؤتين واجب الضيافة . حاول أن تثغ كالجدي لكي تضللهما .
رجاه الصبي باكيا : ــ أرجوك هذا ليس وقت مزاح .
اقترب ضجيج المرأتين . سمع المرأة التي صفعته تقول لأمه :
ــ ربما لاذ بهذه الأجمة .
نادى الراعي عليه : ــ أتسمع ؟ حضّر جلدك للصفع و العض .
قال الصبي بصوت واطئ وهو يبكي : ــ أنت أقسمت ..سأموت بين أسنان أمي . ضحك الراعي و قال : ــ نم و أهدأ. فأنا أسمع وقع خطواتهن قادمة .
دخلت الامرأتان و أمه تسأل الراعي : ــ فدتك خالتك .. هل شاهدت صبيا عاريا؟
قال الراعي وهو يغمزها : ــ لا أيتها الخالة . ليس هنا سوى ذلك الجدي الذي يرضع أمه .هل تريدين أن تتأكدي ؟ أنها ولدته توا وعاريا من الشعر .
اقتربت المرأة التي صفعته من الماعز و أمسكت فيه و هو مذعورا و همست:
ــ لاتخف .. فإنّما ضربتك لأنك كدت أن تغرق .إيّاك أن تذكر شيئا عن البنت .
و سألته و هي تجرجر فيه رافعة صوتها :
ــ ما الذي جعلك تلتصق بالعنزة ؟ هل تتصوّر أنك صرت كبشا ؟
قال الراعي ضاحكا : ــ حذار أيتها الخالة ، لا تدعيه يتعلق بالماعز. أنا أتمنى عليك أن تقطعي قرنيه .
10/1/2006
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat