على ضفاف الانتظار(63)
الشيخ حسين عبد الرضا الاسدي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الشيخ حسين عبد الرضا الاسدي

خط التوقيعات
التوقيعات، هي عبارةٌ عن رسائلَ صادرةٍ من الإمامِ المهدي إجابةً عن أسئلةٍ توجّهُ إليه عبرَ السفراء، شبه (الاستفتاء) في مُصطلحنا اليوم، أو تصدرُ منه ابتداءً لغرضٍ ما.
والذي يظهرُ من بعضِ الروايات أنّها كانتْ تخرجُ بنفس الخطّ الذي يخرجُ أيامَ الإمامِ الحسن العسكري عندما كانتْ تُوجّه إليه أسئلةٌ كتابية، وهذا يعني أنَّ خطَّ الإمامِ المهدي في تلك التوقيعاتِ كانَ بنفسِ خطِّ أبيه..
فقد روى الشيخُ الطوسي (رحمه الله تعالى): وكانتْ توقيعاتُ صاحبِ الأمر تخرجُ على يدي عثمان بن سعيد وابنه أبي جعفر محمد بن عثمان إلى شيعته وخواص أبيه أبي محمد بالأمرِ والنهي، والأجوبةِ عمّا يسألُ الشيعةُ عنه إذا احتاجتْ إلى السؤال فيه، بالخطِّ الذي كانَ يخرجُ في حياةِ الحسن.
وروى في موضعٍ آخر حولَ ما يتعلّقُ بالسفيرِ الثاني: وأنّه كانَ يتولّى هذا الأمر نحوًا من خمسين سنة، يحملُ الناسُ إليه أموالهم، ويُخرجُ إليهم التوقيعات بالخطِّ الذي كانَ يخرج في حياةِ الحسن إليهم بالمهمات في أمرِ الدينِ والدنيا وفيما يسألونه من المسائلِ بالأجوبةِ العجيبة، رضيَ اللهُ عنه وأرضاه.
وهذا في الحقيقةِ واحدٌ من الترتيباتِ الفنيةِ التي لها فائدةٌ مُزدوجة، ففي الوقتِ الذي سيطمئنُّ من تصلُ إليه الرسائلُ تلك بصدورها من الإمامِ حقًّا، هي تقطعُ الطريقَ على من تُسوِّلُ له نفسُه بتزويرها، إذ الشيعةُ كانوا يعرفون خطَّ الإمامِ العسكري، فلو خرجتِ التوقيعاتُ بغيرِ خطِّه لأمكنَ لأيّ مُدّعٍ أنْ يأتيَ ببعضِ الرُّقَعِ والرسائلِ ويدّعي أنّها صادرةٌ من الإمامِ المهدي، وهكذا قد يكثُرُ المُدّعون، فتضيعُ الرسائلُ الصادرةُ حقًّا منه، فتضيع معها الكثيرُ من الحقائقِ والأوامرُ الشرعية، كالإجابةِ عن الأسئلة الفقهية الموجَّهة للسفراء، وغيرها من الغاياتِ التي كانتْ تصدرُ التوقيعات لأجلها.
ومنه يتبيّنُ: أنَّ المقصودَ ممّا وردَ في بعضِ التوقيعات من التعبير بأنّها خرجتْ بخطِّ الإمامِ المهدي، -أمثال ما رويَ عن إسحاق بن يعقوب قال: سألتُ محمدًا بن عثمان العمري (رضي الله عنه) أنْ يوصلَ لي كتابًا قد سُئلتُ فيه عن مسائلَ أشكلتْ عليّ، فوردَ التوقيعُ بخطِّ مولانا صاحب الدار... -، هو أنَّ خطَّه هو خطُّ الإمامِ العسكري بعدَ أنْ تعارفَ الناسُ على ذلك.
وهنا سؤالٌ:
هل يُشترَطُ في إثباتِ نسبةِ تلك التوقيعات إلى الإمامِ المهدي من خلالِ السفراء أنْ يكونَ السفراءُ قد اطّلعوا على خطِّ الإمامِ أو أنّهم رأوه وهو يكتب؟
الجواب:
لم يقل أحدٌ باشتراطِ معرفةِ خطِّ الإمامِ في إثباتِ صدورِه منه.
ففي الحقيقةِ لا يختلفُ الحالُ من هذه الناحيةِ بينَ روايةٍ يرويها زرارةُ مثلًا عن المعصوم بعدَ أنْ سمعَها منه، وبينَ توقيعٍ صادرٍ من الناحيةِ المُقدسة أو بعضِ الأئمةِ المتقدمين عليه.
ولم يقُلْ أحدٌ باشتراط أنْ يعرَفَ من روى له زرارة صوتَ الإمامِ في حديثه، بل المُعتبَرُ هي وثاقةُ الراوي، وذلك كافٍ في إثباتِ صِحّةِ ما نسبَه إلى الإمام، كذلك الحالُ في المُكاتبات، فتكفينا وثاقةُ السفير، ونحنُ نجزمُ بوثاقته بل بصدقِ كُلِّ ما ينسِبُه إلى الإمام.
وكيف كانَ، فمعرفةُ صحةِ صدورِ المُكاتبة من الإمام لا تتوقّف على معرفةِ خطّه ليرى مُطابقةَ خطِّ المُكاتبة معه.
ونحنُ في هذه الأزمنةِ المُتأخِّرةِ نعتمدُ على النقلِ في إثباتِ صِحةِ المُكاتبات وصدقِ صدورها منهم، ولا نتوقّفُ في ذلك إلى أنْ نرى أصلَ المكاتبةِ وإثباتَ أنَّ الخطَّ فيها خطُّ الإمامِ.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat