على ضفاف الانتظار(58)
الشيخ حسين عبد الرضا الاسدي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الشيخ حسين عبد الرضا الاسدي

السفير الثاني: محمد بن عثمان العمري الأسدي.
هو السفيرُ الثاني للإمامِ المهدي، تولّى السفارةَ بعدَ وفاةِ أبيه عثمان بن سعيد (رضوان الله عليه)، ولبيانِ حاله نذكرُ الآتي:
النقطة الأولى: توثيقُه:
حازَ على أعلى مراتبِ التوثيقِ من الإمامِ العسكري، حيثُ قالَ فيه وفي أبيه: «العَمْرِيُّ وابْنُه ثِقَتَانِ؛ فَمَا أَدَّيَا إِلَيْكَ عَنِّي فَعَنِّي يُؤَدِّيَانِ، ومَا قَالا لَكَ فَعَنِّي يَقُولَانِ فَاسْمَعْ لَهُمَا وأَطِعْهُمَا؛ فَإِنَّهُمَا الثِّقَتَانِ المَأْمُونَانِ...» .
كُنيته أبو جعفر، ولُقِّبَ بالعديدِ من الألقاب، من قبيل: وكيل المهدي، والخلاني، والسمّان، والعمري، والثقة المأمون، وكُلُّها وردتْ في النصوصِ والروايات، عدا (الخلاني) فلم نجده في النصوصِ القديمة، ولكنّه لقبٌ معروفٌ عندَ أهلِ بغداد، قالَ الشيخُ القُمّي: ويُعرَفُ عندَ أهلِ بغداد بالشيخِ الخلاني .
وجاءَ في الكشكولِ المبوّب: قالَ بعضُ فضلاءِ الكرخ والزوراء: إنّه لُقِّبَ بالخلاني نسبةً إلى بيعِه الخل، حيثُ كانَ يكتسبُ به تسترًا بالكسبِ عن ضغطِ بعضِ المُتعصبين من أهلِ الخلاف، كما كانَ والده عثمانُ بن سعيد يبيعُ السمنَ حتى عُرِفَ بالسمّان... .
النقطة الثانية: طولُ سفارتِه:
هو أطولُ السفراءِ سفارةً في الغيبةِ الصغرى، فقد نقلَ الشيخُ الطوسي في غيبته قال: وَقَالَ أَبُو نَصْرٍ هِبَةُ اَلله: وَجَدْتُ بِخَطِّ أَبِي غَالِبٍ اَلزُّرَارِيِّ (رَحِمَهُ اَللهُ وَغَفَرَ لَهُ) أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّداً بْنَ عُثْمَانَ اَلْعَمْرِيَّ، مَاتَ فِي آخِرِ جُمَادِي اَلْأُولَىٰ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلَاثِمِائَةٍ.
وَذَكَرَ أَبُو نَصْرٍ هِبَةُ اَلله [بْنُ] مُحَمَّدٍ بْنِ أَحْمَدَ أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ اَلْعَمْرِيَّ، مَاتَ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَثَلَاثِمِائَةٍ، وَأَنَّهُ كَانَ يَتَوَلَّىٰ هَذَا اَلْأَمْرَ نَحْواً مِنْ خَمْسِينَ سَنَةً، يَحْمِلُ اَلنَّاسُ إِلَيْهِ أَمْوَالَهُمْ، وَيُخْرِجُ إِلَيْهِمُ اَلتَّوْقِيعَاتِ بِالْخَطِّ اَلَّذِي كَانَ يَخْرُجُ فِي حَيَاةِ اَلْحَسَنِ إِلَيْهِمْ بِالمُهِمَّاتِ فِي أَمْرِ اَلدِّينِ وَاَلدُّنْيَا وَفِيمَا يَسْأَلُونَهُ مِنَ اَلمَسَائِلِ بِالْأَجْوِبَةِ اَلْعَجِيبَةِ (رَضِيَ اَللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ) .
ومن هذا الكلامِ يُعلّمُ أنَّ محمدًا بن عثمان كانَ يُمارسُ السفارةَ في حياةِ أبيه السفير الأول، واستقلّ بها بعدَ وفاته، إذ السفيرُ الأول تولّى السفارةَ عن الإمامِ المهدي سنة 260 للهجرة، أي في سنةِ استشهادِ الإمامِ العسكري، والسفير الثاني توفيَ سنة (305)، والشيخ الطوسي قالَ إنّه تولّى السفارةَ نحوًا من خمسين سنة، وبينَ سنتي (260) و (305) ما يقاربُ (45) سنة، ويُمكِنُ أنْ تُضافَ إليها فترةُ وكالته عن الإمامِ الحسنِ العسكري في حياته، إذ إنّه جعله وكيلًا خاصًا عنه في حياته كما تقدّمَ النصُّ على ذلك.
النقطة الثالثة: أدلةُ سفارته:
دلَّ على سفارتِه العديدُ من الأدلة، منها:
1 - خرجَ توقيعٌ من الإمامِ المهدي يوثقه فيه، ويُنصِّبُه سفيرًا عنه بعد أبيه، إذ رويَ عن مُحَمَّدٍ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَهْزِيَارَ الأَهْوَازِيّ أَنَّهُ خَرَجَ إِلَيْهِ بَعْدَ وَفَاةِ أَبِي عَمْرٍو: «وَاَلاِبْنُ (وَقَاهُ اَللهُ) لَمْ يَزَلْ ثِقَتَنَا فِي حَيَاةِ الأَبِ (رَضِيَ اَللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ، وَنَضَّرَ وَجْهَهُ)، يَجْرِي عِنْدَنَا مَجْرَاهُ، وَيَسُدُّ مَسَدَّهُ، وَعَنْ أَمْرِنَا يَأْمُرُ اَلاِبْنُ، وَبِهِ يَعْمَلُ (تَوَلَّاهُ اَللهُ)، فَانْتَهِ إِلَىٰ قَوْلِهِ، وَعَرِّفْ مُعَامِلَتَنَا ذَلِكَ» .
2 – خروجُ التوقيعاتِ على يديه بالخطِّ الذي كانَ يخرجُ في حياةِ أبيه عثمان، وجريانُ بعضِ الكراماتِ على يديه.
قال الشيخ الطوسي: قَالَ أَبُو اَلْعَبَّاسِ: وَأَخْبَرَنِي هِبَةُ اَلله بْنُ مُحَمَّدٍ اِبْنِ بِنْتِ أُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتِ أَبِي جَعْفَرٍ اَلْعَمْرِيِّ، عَنْ شُيُوخِهِ، قَالُوا: لَمْ تَزَلِ اَلشِّيعَةُ مُقِيمَةً عَلَىٰ عَدَالَةِ عُثْمَانَ بْنِ سَعِيدٍ وَمُحَمَّدٍ بْنِ عُثْمَانَ رَحِمَهُمَا اَللهُ تَعَالَىٰ إِلَىٰ أَنْ تُوُفِّي أَبُو عَمْرو عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ رَحِمَهُ اَللهُ تَعَالَىٰ، وَغَسَّلَهُ اِبْنُهُ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ، وَتَوَلَّى اَلْقِيَامَ بِهِ، وَجُعِلَ اَلْأَمْرُ كُلُّهُ مَرْدُوداً إِلَيْهِ، وَاَلشِّيعَةُ مُجْمِعَةٌ عَلَى عَدَالَتِهِ وَثِقَتِهِ وَأَمَانَتِهِ، لِمَا تَقَدَّمَ لَهُ مِنَ اَلنَّصِّ عَلَيْهِ بِالْأَمَانَةِ وَاَلْعَدَالَةِ، وَاَلْأَمْرِ بِالرُّجُوعِ إِلَيْهِ فِي حَيَاةِ اَلْحَسَنِ، وَبَعْدَ مَوْتِهِ فِي حَيَاةِ أَبِيهِ عُثْمَانَ بْنِ سَعِيدٍ، لَا يَخْتَلِفُ فِي عَدَالَتِهِ، وَلَا يَرْتَابُ بِأَمَانَتِهِ، وَاَلتَّوْقِيعَاتُ تَخْرُجُ عَلَىٰ يَدِهِ إِلَىٰ اَلشِّيعَةِ فِي اَلمُهِمَّاتِ طُولَ حَيَاتِهِ بِالْخَطِّ اَلَّذِي كَانَتْ تَخْرُجُ فِي حَيَاةِ أَبِيهِ عُثْمَانَ، لَا يَعْرِفُ اَلشِّيعَةُ فِي هَذَا اَلْأَمْرِ غَيْرَهُ، وَلَا يَرْجِعُ إِلَىٰ أَحَدٍ سِوَاهُ.
وَقَدْ نُقِلَتْ عَنْهُ دَلَائِلُ كَثِيرَةٌ، وَمُعْجِزَاتُ اَلْإِمَامِ ظَهَرَتْ عَلَىٰ يَدِهِ، وَأُمُورٌ أَخْبَرَهُمْ بِهَا عَنْهُ زَادَتْهُمْ فِي هَذَا اَلْأَمْرِ بَصِيرَةً، وَهِيَ مَشْهُورَةٌ عِنْدَ اَلشِّيعَةِ... .
وممّا أورثَ الاطمئنانَ للشيعة بسفارته - فضلًا عن وثاقته المشهورة بينهم - هو خروجُ التوقيعاتِ على يديه بالخطِّ نفسه الذي كانتْ تخرجُ فيه زمنَ أبيه، فقد رويَ عن عبدِ الله بن جعفر الحميري: لمّا مضى أبو عمرو أتتنا الكتبُ بالخطِّ الذي كنّا نُكاتبُ به بإقامةِ أبي جعفر مقامه .
هذا وقد خرجَ على يديه العديدُ من التوقيعاتِ الشريفة، وقد وصلَ إلينا بعضها.
النقطة الرابعة: ظهورُ الكرامات على يديه:
ظهرتْ على يديه العديدُ من الكرامات، من قبيل الإخبارِ بالمغيبات، من قبيل ما رويَ عن أُمِّ كُلْثُومٍ بِنْت أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ العَمْرِيِّ (رضوان الله عليه) أَنَّهُ حَمَلَ إِلَىٰ أَبِي [جَعْفَرٍ] (رضوان الله عليه) فِي وَقْتٍ مِنَ الأَوْقَاتِ مَا يُنْفِذُهُ إِلَىٰ صَاحِبِ الأَمْرِ مِنْ قُمَّ وَنَوَاحِيهَا، فَلَمَّا وَصَلَ اَلرَّسُولُ إِلَىٰ بَغْدَادَ وَدَخَلَ إِلَىٰ أَبِي جَعْفَرٍ وَأَوْصَلَ إِلَيْهِ مَا دُفِعَ إِلَيْهِ وَوَدَّعَهُ وَجَاءَ لِيَنْصَرِفَ، قَالَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ: قَدْ بَقِيَ شَيْءٌ مِمَّا اُسْتُودِعْتَهُ، فَأَيْنَ هُوَ؟ فَقَالَ لَهُ اَلرَّجُلُ: لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ يَا سَيِّدِي فِي يَدِي إِلَّا وَقَدْ سَلَّمْتُهُ، فَقَالَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ: بَلَىٰ، قَدْ بَقِيَ شَيْءٌ، فَارْجَعْ إِلَىٰ مَا مَعَكَ وَفَتِّشْهُ وَتَذَكَّرْ مَا دُفِعَ إِلَيْكَ، فَمَضَىٰ اَلرَّجُلُ، فَبَقِيَ أَيَّامًا يَتَذَكَّرُ وَيَبْحَثُ وَيُفَكِّرُ، فَلَمْ يَذْكُرْ شَيْئًا، وَلَا أَخْبَرَهُ مَنْ كَانَ فِي جُمْلَتِهِ، فَرَجَعَ إِلَىٰ أَبِي جَعْفَرٍ، فَقَالَ لَهُ: لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ فِي يَدِي مِمَّا سُلِّمَ إِلَيَّ وَقَدْ حَمَلْتُهُ إِلَىٰ حَضْرَتِكَ، فَقَالَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ: فَإِنَّهُ يُقَالُ لَكَ: «اَلثَّوْبَانِ اَلسَّرْدَانِيَّانِ اَللَّذَانِ دَفَعَهُمَا إِلَيْكَ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ مَا فَعَلَا؟»، فَقَالَ لَهُ اَلرَّجُلُ: إِي وَاَلله يَا سَيِّدِي لَقَدْ نَسِيتُهُمَا حَتَّىٰ ذَهَبَا عَنْ قَلْبِي، وَلَسْتُ أَدْرِي الآنَ أَيْنَ وَضَعْتُهُمَا، فَمَضَىٰ اَلرَّجُلُ، فَلَمْ يَبْقَ شَيْءٌ كَانَ مَعَهُ إِلَّا فَتَّشَهُ وَحَلَّهُ، وَسَأَلَ مَنْ حَمَلَ إِلَيْهِ شَيْئًا مِنَ اَلمَتَاعِ أَنْ يُفَتِّشَ ذَلِكَ، فَلَمْ يَقِفْ لَهُمَا عَلَىٰ خَبَرٍ، فَرَجَعَ إِلَىٰ أَبِي جَعْفَرٍ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ: يُقَالُ لَكَ: «اِمْضِ إِلَىٰ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ القَطَّانِ اَلَّذِي حَمَلْتَ إِلَيْهِ العِدْلَيْنِ القُطْنَ فِي دَارِ القُطْنِ، فَافْتُقْ أَحَدَهُمَا وَهُوَ اَلَّذِي عَلَيْهِ مَكْتُوبٌ كَذَا وَكَذَا، فَإِنَّهُمَا فِي جَانِبِهِ»، فَتَحَيَّرَ اَلرَّجُلُ مِمَّا أَخْبَرَ بِهِ أَبُو جَعْفَرٍ، وَمَضَىٰ لِوَجْهِهِ إِلَىٰ اَلمَوْضِعِ، فَفَتَقَ العِدْلَ اَلَّذِي قَالَ لَهُ: اُفْتُقْهُ، فَإِذَا اَلثَّوْبَانِ فِي جَانِبِهِ قَدِ اِنْدَسَّا مَعَ القُطْنِ، فَأَخَذَهُمَا وَجَاءَ (بِهِمَا) إِلَىٰ أَبِي جَعْفَرٍ، فَسَلَّمَهُمَا إِلَيْهِ، وَقَالَ لَهُ: لَقَدْ نَسِيتُهُمَا، لِأَنِّي لَـمَّا شَدَدْتُ اَلمَتَاعَ بَقِيَا، فَجَعَلْتُهُمَا فِي جَانِبِ العِدْلِ لِيَكُونَ ذَلِكَ أَحْفَظَ لَهُمَا .
النقطة الخامسة: مصنفاتُه:
ألّفَ العديدَ من الكتبِ في الفقهِ والحديث، خصوصًا ما يتعلقُ بالإمامِ المهدي، وقد وصلتْ هذه الكتبُ إلى السفير الثالث من بعده، فقد قال الشيخ الطوسي: قَالَ اِبْنُ نُوحٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو نَصْرٍ هِبَةُ اَلله اِبْنُ بِنْتِ أُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتِ أَبِي جَعْفَرٍ اَلْعَمْرِيِّ، قَالَ: كَانَ لِأَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ اَلْعَمْرِيِّ كُتُبٌ مُصَنَّفَةٌ فِي اَلْفِقْهِ مِمَّا سَمِعَهَا مِنْ أَبِي مُحَمَّدٍ اَلْحَسَنِ، وَمِنَ اَلصَّاحِبِ، وَمِنْ أَبِيهِ عُثْمَانَ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ وَعَنْ أَبِيهِ عَلِيٍّ بْنِ مُحَمَّدٍ، فِيهَا كُتُبٌ تَرْجَمَتُهَا كُتُبُ اَلْأَشْرِبَةِ.
ذَكَرَتِ اَلْكَبِيرَةُ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ أَبِي جَعْفَرٍ (رضوان الله عليها) أَنَّهَا وَصَلَتْ إِلَىٰ أَبِي اَلْقَاسِمِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ رَوْحٍ (رضوان الله عليه) عِنْدَ اَلْوَصِيَّةِ إِلَيْهِ، وَكَانَتْ فِي يَدِهِ.
قَالَ أَبُو نَصْرٍ: وَأَظُنُّهَا قَالَتْ: وَصَلَتْ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَىٰ أَبِي اَلْحَسَنِ اَلسَّمُرِيِّ (رَضِيَ اَللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ) .
النقطة السادسة: رؤيتُه للإمام المهدي:
هو ممّن رأى الإمامَ المهدي، فقد رويَ عَنْ عَبْدِ اَلله بْنِ جَعْفَرٍ اَلْحِمْيَرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: سَأَلْتُ مُحَمَّداً بْنَ عُثْمَانَ (رضوان الله عليه)، فَقُلْتُ لَهُ: رَأَيْتَ صَاحِبَ هَذَا اَلْأَمْرِ؟
قَالَ: نَعَمْ، وَآخِرُ عَهْدِي بِهِ عِنْدَ بَيْتِ اَلله اَلْحَرَامِ، وَهُوَ يَقُولُ: «اَللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي».
قَالَ مُحَمَّدٌ بْنُ عُثْمَانَ (رضوان الله عليه): وَرَأَيْتُهُ (صَلَوَاتُ اَلله عَلَيْهِ) مُتَعَلِّقاً بِأَسْتَارِ اَلْكَعْبَةِ فِي اَلمُسْتَجَارِ، وَهُوَ يَقُولُ: «اَللَّهُمَّ اِنْتَقِمْ لِي مِنْ أَعْدَائِكَ» .
النقطة السابعة: علمُه بقرب وفاته:
كانَ يعلمُ بقُربِ وفاته، لذا أعدّ قبرَه وجهّزه قبيل ذلك، فقد رويَ أنّه قال أَبُو اَلْحَسَنِ عَلِيٌّ بْنُ أَحْمَدَ اَلدَّلَّالُ اَلْقُمِّيُّ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَىٰ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدٍ بْنِ عُثْمَانَ (رضوان الله عليه) يَوْماً لِأُسَلِّمَ عَلَيْهِ، فَوَجَدْتُهُ وَبَيْنَ يَدَيْهِ سَاجَةٌ وَنَقَّاشٌ يَنْقُشُ عَلَيْهَا، وَيَكْتُبُ آياً مِنَ اَلْقُرْآنِ، وَأَسْمَاءَ اَلْأَئِمَّةِ عَلَىٰ حَوَاشِيهَا، فَقُلْتُ لَهُ: يَا سَيِّدِي، مَا هَذِهِ اَلسَّاجَةُ؟
فَقَالَ لِي: هَذِهِ لِقَبْرِي تَكُونُ فِيهِ أُوضَعُ عَلَيْهَا - أَوْ قَالَ: أُسْنَدُ إِلَيْهَا -، وَقَدْ فَرِغْتُ مِنْهُ، وَأَنَا فِي كُلِّ يَوْمٍ أَنْزِلُ فِيهِ فَأَقْرَأُ جُزْءاً مِنَ اَلْقُرْآنِ فِيهِ فَأَصْعَدُ - وَأَظُنُّهُ قَالَ: فَأَخَذَ بِيَدِي وَأَرَانِيهِ -، فَإِذَا كَانَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا مِنْ شَهْرِ كَذَا وَكَذَا مِنْ سَنَةِ كَذَا وَكَذَا صِرْتُ إِلَىٰ اَلله وَدُفِنْتُ فِيهِ وَهَذِهِ اَلسَّاجَةُ مَعِي.
فَلَمَّا خَرَجْتُ مِنْ عِنْدِهِ أَثْبَتُّ مَا ذَكَرَهُ، وَلَمْ أَزَلْ مُتَرَقِّباً بِهِ ذَلِكَ، فَمَا تَأَخَّرَ اَلْأَمْرُ حَتَّىٰ اِعْتَلَّ أَبُو جَعْفَرٍ، فَمَاتَ فِي اَلْيَوْمِ اَلَّذِي ذَكَرَهُ مِنَ اَلشَّهْرِ اَلَّذِي قَالَهُ مِنَ اَلسَّنَةِ اَلَّتِي ذَكَرَهَا، وَدُفِنَ فِيهِ.
قَالَ أَبُو نَصْرٍ هِبَةُ اَلله: وَقَدْ سَمِعْتُ هَذَا اَلْحَدِيثَ مِنْ غَيْرِ [أَبِي] عَلِيٍّ، وَحَدَّثَتْنِي بِهِ أَيْضاً أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ أَبِي جَعْفَرٍ (رَضِيَ اَللهُ تَعَالَىٰ عَنْهُمَا). .
وروي هذا المعنى أيضاً عن مُحَمَّدٍ بْنٍ عَلِيِّ بْنِ اَلْأَسْوَدِ اَلْقُمِّيُّ أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ اَلْعَمْرِيَّ (رضوان الله عليه) حَفَرَ لِنَفْسِهِ قَبْراً وَسَوَّاهُ بِالسَّاجِ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: لِلنَّاسِ أَسْبَابٌ، وَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: قَدْ أُمِرْتُ أَنْ أَجْمَعَ أَمْرِي، فَمَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ بِشَهْرَيْنِ (رَضِيَ اَللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ)..
وقد توفيَ في بغداد، ودُفِنَ فيها، وله مزارٌ معروفٌ مشهور، حتى عُرِفتِ الساحةُ التي يقعُ بالقُربِ منها بساحةِ الخلاني، بالقُربِ من سوقِ السنكِ وبالقربِ من جامعِ عبدِ القادرِ الكيلاني.
وفي غيبة الطوسي: قَالَ أَبُو نَصْرٍ هِبَةُ اَلله: إِنَّ قَبْرَ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ عِنْدَ وَالِدَتِهِ فِي شَارِعِ بَابِ اَلْكُوفَةِ فِي اَلمَوْضِعِ اَلَّذِي كَانَتْ دُورُهُ وَمَنَازِلُهُ فِيهِ، وَهُوَ اَلْآنَ فِي وَسَطِ اَلصَّحْرَاءِ .
النقطة الثامنة: تصدّيه للدعاوى الباطلة:
تصدّى إبانَ سفارته للكثيرِ من الدعاوى الباطلة، سواء كانتْ دعوى السفارة، أو البابية، أو غيرها، وممّن واجههم في زمنه: (أبو محمد الشريعي) و(محمد بن نصر النميري) و(أحمد بن هلال الكرخي) و(أبو طاهر محمد بن علي بن بلال البلالي) و(أبو بكر محمد بن أحمد بن عثمان المعروف بالبغدادي، وهو ابن أخ أبي جعفر العمري) و(إسحاق الأحمر) و(الباقطاني) و(الحسين بن منصور الحلّاج).
النقطة التاسعة: إخبارُه بتعيين السفير الثالث:
بلّغَ السفيرُ الثاني (رضوان الله عليه) وجوهَ الشيعةِ أنَّ السفيرَ من بعده هو الشيخُ الحسينُ بن روح، ليقطعَ الطريقَ على من تُسوِّلُ له نفسُه ادّعاءَ هذا المنصب، خصوصًا وأنّه كانَ هناك العديدُ من الشخصياتِ المرموقةِ -ومنهم من كانَ مؤمنًا وثابتًا على الحق-، كانوا مرشحين -بنظرِ الناس- إلى أنْ يكونَ أحدُهم هو السفيرَ الثالث.
فأمّا عن وجودِ شخصياتٍ مُرشّحةٍ لذلك المنصب، فقد روى الشيخُ الطوسي بسنده أنّ أَبَا القَاسِمِ جَعْفَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ قُولَوَيْهِ القُمِّيَّ كان يَقُولُ: وَقَالَ مَشَايِخُنَا: كُنَّا لَا نَشُكُّ أَنَّهُ إِنْ كَانَتْ كَائِنَةٌ مِنْ [أَمْرِ] أَبِي جَعْفَرٍ لَا يَقُومُ مَقَامَهُ إِلَّا جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَتيل أَوْ أَبُوهُ، لِمَا رَأَيْنَا مِنَ الخُصُوصِيَّةِ بِهِ وَكَثْرَةِ كَيْنُونَتِهِ فِي مَنْزِلِهِ، حَتَّىٰ بَلَغَ أَنَّهُ كَانَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ لَا يَأْكُلُ طَعَامًا إِلَّا مَا أُصْلِحَ فِي مَنْزِلِ جَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مَتيل وَأَبِيهِ بِسَبَبٍ وَقَعَ لَهُ، وَكَانَ طَعَامُهُ اَلَّذِي يَأْكُلُهُ فِي مَنْزِلِ جَعْفَرٍ وَأَبِيهِ.
وَكَانَ أَصْحَابُنَا لَا يَشُكُّونَ إِنْ كَانَتْ حَادِثَةٌ لَمْ تَكُنِ الوَصِيَّةُ إِلَّا إِلَيْهِ مِنَ الخُصُوصِيَّةِ بِهِ، فَلَمَّا كَانَ عِنْدَ ذَلِكَ [وَ] وَقَعَ اَلاِخْتِيَارُ عَلَىٰ أَبِي القَاسِمِ سَلَّمُوا وَلَمْ يُنْكِرُوا، وَكَانُوا مَعَهُ وَبَيْنَ يَدَيْهِ كَمَا كَانُوا مَعَ أَبِي جَعْفَرٍ (رضوان الله عليه)، وَلَمْ يَزَلْ جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَتيل فِي جُمْلَةِ أَبِي القَاسِمِ (رضوان الله عليه) وَبَيْنَ يَدَيْهِ كَتَصَرُّفِهِ بَيْنَ يَدَيْ أَبِي جَعْفَرٍ العَمْرِيِّ إِلَىٰ أَنْ مَاتَ (رضوان الله عليه)، فَكُلُّ مَنْ طَعَنَ عَلَىٰ أَبِي القَاسِمِ فَقَدْ طَعَنَ عَلَىٰ أَبِي جَعْفَرٍ، وَطَعَنَ عَلَىٰ الحُجَّةِ (صَلَوَاتُ اَلله عَلَيْهِ) .
وأمّا عن تصريح الشيخ أبي جعفر العمري بتنصيبِ الشيخِ بن روح سفيرًا من بعده، فقد روي أِنَّ أَبَا جَعْفَرٍ العَمْرِيَّ لَـمَّا اِشْتَدَّتْ حَالُهُ اِجْتَمَعَ جَمَاعَةٌ مِنْ وُجُوهِ اَلشِّيعَةِ، مِنْهُمْ: أَبُو عَلِيٍّ بْنُ هَمَّامٍ، وَأَبُو عَبْدِ اَلله بْنُ مُحَمَّدٍ الكَاتِبُ، وَأَبُو عَبْدِ اَلله البَاقَطَانِيُّ، وَأَبُو سَهْلٍ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَلِيٍّ اَلنَّوْبَخْتِيُّ، وَأَبُو عَبْدِ اَلله بْنُ الوَجْنَاءُ، وَغَيْرُهُمْ مِنَ الوُجُوهِ (وَ) الأَكَابِرِ، فَدَخَلُوا عَلَىٰ أَبِي جَعْفَرٍ (رضوان الله عليه)، فَقَالُوا لَهُ: إِنْ حَدَثَ أَمْرٌ فَمَنْ يَكُونُ مَكَانَكَ؟
فَقَالَ لَهُمْ: هَذَا أَبُو القَاسِمِ الحُسَيْنُ بْنُ رَوْحِ بْنِ أَبِي بَحْرٍ اَلنَّوْبَخْتِيُّ القَائِمُ مَقَامِي، وَاَلسَّفِيرُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ صَاحِبِ الأَمْرِ، وَالوَكِيلُ لَهُ، وَاَلثِّقَةُ الأَمِينُ، فَارْجِعُوا إِلَيْهِ فِي أُمُورِكُمْ، وَعَوِّلُوا عَلَيْهِ فِي مُهِمَّاتِكُمْ، فَبِذَلِكَ أُمِرْتُ، وَقَدْ بَلَّغْتُ .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat