على ضفاف الانتظار(56)
الشيخ حسين عبد الرضا الاسدي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الشيخ حسين عبد الرضا الاسدي

على فترة من الأئمة
إنَّ القرآنَ الكريم، في مقامِ حديثِه عن إرسالِ النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله)، يُصرِّحُ بأنَّ إرسالَه كانَ على فترةٍ من الرسل، قال (تعالى): "يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ"
ومعنى الفترةِ هي ما بينَ الرسولين، فهذهِ الآيةُ تقولُ: إنَّ الله (تعالى) أرسلَ الرسولَ الأكرمَ (صلى الله عليه وآله) في فترةٍ كانتْ خاليةً من الرسل.
وهذا لا يتنافى مع قوله (تعالى): "وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ" ؛ لما قالَه العلماءُ من أنَّ المقصودَ هو خلو الفترةِ من الرسلِ لا الأنبياء، أو خلوها من حُجّةٍ ظاهرٍ لا مخفي، وقد ذكرتِ الرواياتُ وجودَ نبيٍ مخفيٍ في هذه الفترة.
قالَ الشيخُ الصدوق (قدس سره): "قد كانَ بينه (صلى الله عليه وآله) وبين عيسى (عليهما السلام) أنبياءٌ وأئمةٌ مستورون خائفون، منهم خالد بن سنان العبسي، نبيٌ لا يدفعه دافع، ولا يُنكره مُنكر؛ لتواطئ الأخبار بذلك عن الخاص والعام، وشهرته عندهم، وأنَّ ابنتَه أدركتْ رسولَ الله (صلى الله عليه وآله) ودخلتْ عليه، فقال النبيُّ (صلى الله عليه وآله): هذه ابنةُ نبيٍّ، ضيّعَه قومُه: خالد بن سنان العبسي، وكانَ بينَ مبعثِه ومبعثِ نبيّنا محمد (صلى الله عليه وآله) خمسون سنة...)
وبنفس المعنى ذكرتْ بعض الروايات الشريفة أنَّ الإمامَ المهديَّ (عجل الله (تعالى) فرجه) يظهرُ بعدَ فترةٍ من الأئمة، فقد رويَ عن أبي حمزة قال: دخلتُ على أبي عبدِ الله (عليه السلام) فقلتُ له: أنتَ صاحبُ هذا الأمر؟ فقال: لا، فقلتُ:... من هو؟ قال: الذي يملؤها عدلًا كما مُلئت ظلمًا وجورًا، على فترةٍ من الأئمة، كما أنَّ رسولَ الله (صلى الله عليه وآله) بُعِثَ على فترةٍ من الرسل.
وقد عبّرتْ بعضُ الرواياتِ عن الفترةِ هذه بالسبطة،فقد روي عن أبان بن تغلب ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) أنه قال: يأتي على الناس زمان يصيبهم فيها سبطة يأرز العلم فيها كما تأرز الحية في جحرها ، فبينما هم كذلك إذ طلع عليهم نجم ، قلت : فما السبطة ؟ قال (عليه السلام): الفترة . قلت : فكيف نصنع فيما بين ذلك ؟ فقال (عليه السلام): كونوا على ما أنتم عليه حتى يطلع الله لكم نجمكم..
وهُنا عِدّةُ مُلحوظات:
أولًا: أنَّ الإمامَ المهدي (عجل الله (تعالى) فرجه) يظهرُ بعدَ وجودِ فاصلٍ زمني بينه وبينه آخرِ ظهورٍ وحضورٍ للمعصوم، وهذا يستلزمُ أنْ يغيبَ الإمامُ في هذه الفترة، كما هو حاصلٌ اليوم.
ثانيًا: إنَّ غيابَه لا يعني انقطاعَ الحُجّةِ على الأرض؛ لأنَّ المُمتنع هو خلو الأرضِ من حُجّةٍ للهِ (تعالى)، سواء أكانَ ظاهرًا أم غائبًا، كما قالَ أميرُ المؤمنين (عليه السلام): "اللهمَّ بلى، لا تخلو الأرضُ من قائمٍ للهِ بحُجّة، إمّا ظاهرًا مشهورًا أو خائفًا مغمورًا؛ لئلّا تبطل حُجَجُ اللهِ وبيناتُه"
ثالثًا: إنّ غيابَه لـم يوقِعِ الناسَ في الضلالة؛ لأنّه أنابَ عنه مجموعةً من السفراء الخاصّين زمنَ الغيبة الصغرى، وأما في الغيبة الكبرى، فقد أنابَ الفقهاءَ ممّن تنطبقُ عليهم المواصفاتُ المؤهلة، ليكونوا في مقامِ رجوعِ الناسِ إليهم في أخذِ الأحكامِ الشرعية، التي يستنبطونها ويستخرجونها من مصادرِها الشرعية: القرآنِ والرواياتِ الواردة عن المعصومين (عليهم السلام).
فقد وردَ في توقيعه (عجل الله (تعالى) فرجه): وأمّا الحوادثُ الواقعةُ فارجعوا فيها إلى رواةِ حديثِنا، فإنّهم حُجّتي عليكم وأنا حُجّةُ اللهِ عليهم.
رابعًا: وأمّا ما قد يُقالُ: من أنَّ الروايةَ المتقدمةَ لا تنطبقُ على الإمامِ المهدي (عليه السلام) بحُجّةِ أنّه تسلّمَ الإمامةَ مُباشرةً بعد أبيه (عليه السلام) فلا فترة بينهما، ومن ثَمّ فالمقصودُ ممّن يستلمُ الإمامةَ على فترةٍ من الأئمةِ هو ابنُ الإمامِ المهدي (عليه السلام) واسمه (أحمد)!
فهذه دعوى ضعيفةٌ جدًا، وذلك لأجل:
أولًا: أنَّ الروايةَ صريحةٌ جدًا في أنّها تتكلّمُ عن الإمامِ محمدٍ بن الحسن (عليهما السلام) لا عن ابنه.
ثانيًا: أنَّ الروايةَ صريحةٌ في أنَّ المقصودَ ليسَ هو تسلُّمَ الإمامة، وإنّما المقصودُ هو أنّه (عليه السلام) سيملأُ الأرضَ بالعدلِ بعدَ أنْ تكونَ هناك فترةٌ لا إمامَ ظاهرًا فيها، ولذلك قالتِ الروايةُ بصراحة: "الذي يملؤها عدلًا كما مُلئتْ ظلمًا وجورًا، على فترةٍ من الأئمة"
ثالثًا: ومع التنازُلِ عن هذا، نقولُ: إنَّ الروايةَ لا تنطبقُ على (أحمد) المدّعى؛ لأنّهم يقولون: إنّه سيستلمُ الإمامةَ عندَ وفاةِ أبيه المهدي، ومن ثَمّ لا توجدُ (فترة من الأئمة) بينه وبين تسلُّمِه للإمامة؛ لأنَّ الفرضَ أنّه سيستلمها بعدَ المهدي مُباشرة، فلا فاصلةَ زمنيةً بينهما.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat