صوم يوم عاشوراء دراسة نقدية في الموروث الروائي : ح (4)
د . حيدر سالم المالكي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . حيدر سالم المالكي

1-يوم تاب الله تعالى على بنيه آدم (عليه السلام)
وعليه ، هذا يستوجب علينا ابراز الروايات التي ذكرها المفسرون ، والمحدثون التي تذكرت توب الانبياء (عليهم السلام) ، ومن نجى منهم في هذا اليوم ، ولكن شرطت على نفسي أن أخرج الروايات التي تحمل بين طياتها سلسلة أسناد ؛ العمود الفقري للحديث أو الرواية ، وهو الفيصل في قبول الرواية أو عدمها؛ هذا ما اشترطه العلماء على أنفسهم ، من أن الراوي لا بد أن يكون ضابطا ، حافظا فقال ابن الصلاح ( 1) ((الحديث الصحيح: فهو الحديث المسند الذي يتصل إسناده، بنقل العدل الضابط عن العدل الضابط إلى منتهاه، ولا يكون شاذا، ولا معلل، وفي هذه الأوصاف احتراز عن المرسل، والمنقطع، والمعضل، والشاذ، وما فيه علة قادحة، وما في راويه نوع جرح.)) ، وهذه الشروط هي الأساس في الاعتماد على الرواية في القبول أو عدمه ، ومن أختلت فيه هذه الشروط لا يأخذ ، بل لا تقبل منه أية رواية ، وعلى هذا الاساس فسوف نناقش على الاحاديث والروايات التي تحمل بين طياتها الاسناد ، ونهمل ما كان دون ذلك .
إن من العلماء يرى استحباب الصيام في هذا اليوم مستدلاً في ذلك على راوية اختلاف العلماء في ذكرها ، وسأخرجها من الكتب التي ذكرتها ومناقشتها حسب المنهج المتبع في هذا الكتاب فأول من أخرجه الصنعاني ( 2) مقتضب جدا عن عكرمة فقال ((عن ابن جريج، عن رجل، عن عكرمة قال: هو يوم تاب الله على آدم يوم عاشوراء)). عند الوقوف على هذا الحديث يرد فيه تساؤلات عدة لا يمكن الاغفال عنها الاول منها : لم يحد اليوم الذي تاب الله فيه على نبيه آدم(عليه السلام) ، فهو أطلق ذلك أي في محرم ، وإما التساؤل الثاني هو هل رجالها ثقات ، وعليه عند الوقوف على (ابن جريج) الذي كان أول من ورد أسمه في الراوية ، فقد عرف بالتدليس فبعدما عرفه ابن حبان ( 3) أنه (( ... عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج مولى أمية بن خالد بن أسيد القرشي له كنيتان أبو الوليد وأبو خالد من فقهاء أهل مكة وقرائهم، وتوفى سنة خمسين ومائة وكان يدلس ... )) ، إما ابن العراقي ( 4) يراه الإمام المشهور مكثر بالتدليس ، وفي حين ذكر ابن حجر(5 ) أقوال المتقدمين في تضعيه فقال أنه (( ... مشهور بالعلم والثبت كثير الحديث وصفه النسائي ، وغيره بالتدليس قال الدارقطني شر التدليس تدليس بن جريج فإنه قبيح التدليس لا يدلس ...)) .
وكما نقل (ابن جريج) الرواية عن رجل ، وهذا يدل على أنه نسى من روى له هذا الحديث ، فلا يمكن الاخذ بقوله (عن ابن جريج عن رجل) فهذا الرجل مجهول الحال فلا يمكن الاخذ بقوله فيذكر ابن رجب الحنبلي (6 ) ((أن رواية الثقة عن رجل لا تدل على توثيقه، فإن كثيرا من الثقات رووا عن الضعفاء......)).
إما (عكرمة) كان علماء الحديث لا يحتجون بحديثه ، وتكلموا فيه ، لانه يرى يرئي الخوارج فيقول ابن سعد (7) ((عكرمة مولى عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم. ويكنى أبا عبد الله كان عكرمة يرى رأي الخوارج فطلبه بعض ولاة المدينة فتغيب عند داود بن الحصين حتى مات عنده توفى سنة ست ومائة، كان عكرمة كثير الحديث والعلم بحرا من البحور، وليس يحتج بحديثه. ويتكلم الناس فيه.......))، فضلا عن ذلك كان يكذب على ابن عباس ، فكان يقول ابن عمر ذلك فقال ابن ابي خثيمة( 8) ما نصه ((.....قال ابن عمر لنافع: لا تكذب علي كما كذب عكرمة على ابن عباس.)) .
ولم يخرج المفسرون هذا الحديث ، الا مكي بن ابي طالب ( 9) ، ولم يخرجا باسناد فيقول (({فتلقىءَادَمُ مِن رَّبِّهِ كلمات} قال ابن عباس: تاب الله على آدم يوم عاشوراء.))، وهذا منهجه دون الاشارة إلى أسناد روايته ، كذلك الحال عند ابن عطية (10 ) . فلا مناقشة فيما أخرجاه ؛ لعدم وجود أسناد الحديث الذي فسرت الآية ، والاستشهاد بالحديث أعلاه .
....................................
( 1)مقدمة ابن الصلاح ، ص 12 .
2 )) عبد الرزاق بن همام بن نافع (ت 211هـ) المصنف ، تح : حبيب الرحمن الأعظمي ، المجلس العلمي- الهند ، المكتب الإسلامي ، ط2(بيروت- 1403ه) ج4، ص 291.
3)) محمد بن حبان بن أحمد (ت 354هـ) مشاهير علماء الأمصار وأعلام فقهاء الأقطار، حققه ووثقه وعلق عليه: مرزوق على ابراهيم ، دار الوفاء (المنصورة - 1991) ص 230.
4 )) أحمد بن عبد الرحيم بن الحسين (ت 826هـ)المدلسين، تح : رفعت فوزي عبد المطلب ، و نافذ حسين حماد ، دار الوفاء ( د . م - 1995) ص 69.
5 )) أحمد بن علي بن محمد (ت852هـ) تعريف اهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس ، تح: عاصم بن عبدالله القريوتي ، مكتبة المنار (عمان – 1983) ص41.
6 )) عبد الرحمن بن أحمد بن رجب (ت 795هـ) شرح علل الترمذي ، تح : همام عبد الرحيم سعيد ، مكتبة المنار (الأردن - 1987) ج1، ص 376.
7 )) الطبقات الكبرى ، ج5،ص219-224 ؛ ابن ابي خثيمة ،أحمد بن أبي خيثمة (ت 279هـ) التاريخ الكبير المعروف بتاريخ ابن أبي خيثمة السفر الثالث ، تح : صلاح فتحي هلال ، الفاروق الحديثة (القاهرة - 2006) ج1،ص 477 .
8 )) التاريخ الكبير ، ج2 ،ص194؛ ابو الباجي، سليمان بن خلف بن سعد (ت 474هـ) التعديل والتجريح , لمن خرج له البخاري في الجامع الصحيح، تح: أبو لبابة حسين ، دار اللواء (الرياض- 1986) ج1، ص282؛ ابن الجوزي ، عبد الرحمن بن علي بن محمد (ت 597هـ)الضعفاء والمتروكون، تح : عبد الله القاضي، دار الكتب العلمية (بيروت- د .ت) ج2، ص182؛ المزي ، يوسف بن عبد الرحمن بن يوسف (ت 742هـ)تهذيب الكمال في أسماء الرجال ، تح : بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة (بيروت– 1980) ج20، ص 280.
9 )) حَمّوش بن محمد بن مختار (ت 437هـ) الهداية إلى بلوغ النهاية في علم معاني القرآن وتفسيره، وأحكامه، وجمل من فنون علومه ، تح : مجموعة رسائل جامعية بكلية الدراسات العليا والبحث العلمي - جامعة الشارقة، بإشراف : الشاهد البوشيخي، الناشر: مجموعة بحوث الكتاب والسنة - كلية الشريعة والدراسات الإسلامية - جامعة الشارقة (الامارات - 2008) ، ح1، ص246.
10)) عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي(ت 542 هـ) المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز ، تح: عبد السلام عبد الشافي محمد ، دار الكتب العلمية (بيروت-1993) ج1، ص114 .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat