صفحة الكاتب : الشيخ حسين عبد الرضا الاسدي

على ضفاف الانتظار(37)
الشيخ حسين عبد الرضا الاسدي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 الولايةُ التكوينيةُ للإمامِ المهدي (عجل الله (تعالى) فرجه)

عندما خلق الله تعالى العالم، جعل فيه نوعين من الأنظمة:
النوع الأول: الأنظمة التشريعية: 
وهي المُقرّراتُ التي شرّعها الله (تعالى) لتنظيمِ علاقةِ العبدِ بربّه، وعلاقةِ الإنسانِ بالإنسان الآخر، وعلاقةِ الإنسانِ بالأشياءِ عمومًا في هذا العالم. 
ويُطلَبُ من الإنسانِ أنْ يفعلَها باختياره، فهي داخلةٌ تحتَ اختيارِ الإنسان عمومًا، وهي باختصارٍ: التكاليف الشرعية.
وهذه التكاليفُ قد تكفّلَ الدّينُ ببيانِها تمامًا، وليس يُطلَبُ من الإنسانِ إلا أنْ يُنفِذّها بالصورةِ التي أرادَها الشارعُ منه.
النوع الثاني: الأنظمة التكوينية:
وهي الأنظمةُ العامةُ التي خلقها اللهُ (تعالى) في هذا الكون، لتنظيمِ أمورِ الكونِ عمومًا، وهي غيرُ داخلةٍ تحتَ اختيارِ الإنسان، ومن ثَمّ لم يُكلّفِ الإنسانُ اتجاهها بأيّ تكليف، سوى الرضوخِ للنظامِ المذكور، فمثلًا، من القوانينِ التكوينيةِ في هذا العالم هو نظامُ وقانونُ (الموت) فهو قانونٌ جعله اللهُ (تعالى)، وليسَ للإنسانِ أيُّ دورٍ فيه، ولم يُكلَّفِ الإنسانُ بتحصيلِ الموتِ لنفسه مثلًا، ولا يُعاقَبُ إذا وقعَ الموتُ عليه بالصورةِ الطبيعية.
وهكذا قانونُ (الجاذبية)، وقانونُ (مطر الغيوم)، وقانونُ (توتيد الأرض بالجبال)، وقانون (أنَّ الماء يروي)، وقانون (إحياء الموتى)، وقانون (أنَّ السم يقتل) وغيرها.
ومن له الإذنُ من اللهِ (تعالى) على تشريعِ الأحكام التشريعية، يُقالُ عنه: إنَّ له الولايةَ التشريعية، ومن له الإذنُ من اللهِ (تعالى) بالتحكُّمِ في قوانين هذا العالم التكوينية، يُقالُ عنه: إنَّ له الولايةَ التكوينية.
فكلا الولايتين لا تخرجعن حريم (الإذن الإلهي)، وليس فيهما أيُّ استقلاليةٍ للولي عن إذن الله (تعالى).
وقد أثبتتِ البحوثُ العقائديةُ في محلِّها أنَّ لأهلِ البيتِ (عليهم السلام) الولايتين: التكوينية والتشريعية.
وفيما يخصُّ موضوعَنا، نذكرُ بعضًا من أمثلةِ الولايةِ التكوينيةِ للإمامِ المهدي (عجل الله (تعالى) فرجه) 
فمن ذلك ما وردَ ممّا يحدثُ بينه (عجل الله (تعالى) فرجه) وبين (الحسني) الذي كان يعرفُ حقّانيةِ المهدي (عليه السلام) ولكنّه يطلبُ منه بيّنةً يُقيمها من أجلِ أنْ يُقنِعَ جيشَه بأنّه المهدي، فتقول الرواية:
 (فيلحقه رجلٌ من أولادِ الحسن، في اثني عشر ألف فارسٍ، ويقول: يا بن العمّ، أنا أحقُّ منك بهذا الأمر؛ لأنّي من ولدِ الحسن، وهو أكبرُ من الحسين، فيقول المهدي: إنّي أنا المهدي. فيقول له: هل عندك آيةٌ أو معجزةٌ أو علامة؟ فينظرُ المهدي إلى طيرٍ في الهواء فيومي إليه فيسقط في كفّه، فينطقُ بقُدرةِ الله (تعالى)، ويشهدُ له بالإمامة، ثم يغرِسُ قضيبًا يابسًا في بقعةٍ من الأرض، ليس فيها ماءٌ فيخضرّ ويورق، ويأخذ جلمودًا كانَ في الأرضِ من الصخر، فيفركه بيده ويعجنه مثل الشمع. فيقول الحسني: الأمر لك فيسلمُ وتسلمُ جنوده) 
فمثلُ هذه التصرُّفاتِ هي تفعيلٌ لولايته (عجل الله (تعالى) فرجه) التكوينية، وهي ليست بدعًا ممّا جاءَ به الرسل، فالنبيُّ داودُ (عليه السلام) ألانَ اللهُ (تعالى) له الحديد، والنبيُّ إبراهيمُ (عليه السلام) ذبحَ أربعةً من الطير ووزّع لحومها على عدّةِ جبالٍ، ثم دعاهن فرجعن إليه أحياءً...
ومن الرواياتِ الدالّةِ على ذلك، ما رويَ عن محمدٍ بن مسلم الثقفي قال: سمعتُ أبا جعفرٍ محمدٍ بن علي الباقر (عليهما السلام)يقول: "القائمُمنّامنصورٌبالرعب،مؤيدٌبالنصر،تُطوىلهالأرضُ،وتظهرُلهالكنوز... 
ومنها أيضًا ما رويَ عن الإمامِ علي بن موسى الرضا (عليهما السلام):...الرابعُمنولديابنُسيدةِالإماء... وهوصاحبُالغيبةِقبلَخروجه،فإذاخرجَأشرقتِالأرضُبنوره... وهوالذيتُطوىلهالأرض،ولايكونُلهظل... 
ولعل تسميته (عجل الله (تعالى) فرجه) بصاحبِ العصرِ والزمان فيه إشارةٌ إلى ولايته التكوينية على الكون، بما أعطاه الله (تعالى) من الولايةِ على ذلك.
ملحوظتان:
الملحوظة الأولى: من الولايةِ التكوينيةِ للإمامِ المهدي (عليه السلام) هي مسألةُ عرضِ أعمالنا عليه، وهذا يجعلنا تحتَ دائرةِ المُراقبةِ منه (عليه السلام)، ممّا يعني ضرورةَ الاستحياءِ من فعلِ الحرامِ لو تجرّأ أحدُهم على فعله، وفي نفسِ الوقتِ هو يُمثِّلُ دافعًا لنا لفعلِ الأمورِ التي تُرضي الله (تعالى)، وترضي المولى عنا.
رويَ عن عبدِ الله بن أبان الزيات، -وكان مكينًا عند الرضا (عليه السلام)-، قال: قلتُ للرضا (عليه السلام): ادعُ اللهَ لي ولأهلِ بيتي، فقال: أو لستُ أفعل؟ واللهِ، إنَّ أعمالَكم لتُعرضُ عليّ في كُلِّ يومٍ وليلة. قال: فاستعظمتُ ذلك، فقال لي: أما تقرأُ كتاب الله (عز وجل): ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالمُؤْمِنُونَ﴾ ؟ قال: هو واللهِ عليٌ بن أبي طالب (عليه السلام). 
وعن داود بن كثير الرقي، قال: كُنتُ جالسًا عند أبي عبد الله (عليه السلام) إذ قال مُبتدئًا من قبل نفسه: يا داود، لقد عُرِضتْ عليّ أعمالُكم يومَ الخميس، فرأيتُ فيما عُرِضَ عليّ من عملك صلتَك لابنِ عمِّك فلان، فسرّني ذلك، إنّي علمتُ صلتَك له أسرع لفناءِ عمره وقطعِ أجله. قال داود: وكانَ لي ابنُ عمٍّ مُعاندًا ناصبًا خبيثًا، بلغني عنه وعن عياله سوءُ حال، فصككتُ له بنفقةٍ قبلَ خروجي إلى مكة، فلمّا صرتُ في المدينةِ، أخبرني أبو عبد الله (عليه السلام) بذلك. 
فأعمالنا تُعرض على إمام زماننا، وكل واحد منّا مسؤول عن فعله، إنْ شاء أنْ يسرّ إمامه أو أنْ يحزنه، فكل نفس بما كسبت رهينة!
الملحوظةُ الثانية: إنَّ الإنسانَ المؤمنَ يُمكِنُه الوصول إلى بعضِ مراتبِ الولاية التكوينية، فيما إذا التزمَ منهاجَ التقرُّبِ إلى الله (تعالى)، بحيث وصلَ إلى مرحلةٍ ما ورد في بعض الأحاديث القدسية: «عبدي أطعني أجعلك مثلي، أنا حيٌّ لا أموتُ، أجعلك حيًّا لا تموت، أنا غنيٌ لا أفتقر، أجعلك غنيًّا لا تفتقر، أنا مهما أشأ يكُنْ، أجعلك مهما تشأ يكُن». 
وهذا ما يُفسِّرُ بعضَ الكراماتِ التي تُنقَلُ عن بعضِ العلماء والمؤمنين، كالعلمِ بساعةِ الموتِ مثلًا، أو طيّ الأرض، أو معرفةِ الشيءِ الذي يُضمِرُه الفرد، وهكذا.


 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


الشيخ حسين عبد الرضا الاسدي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2023/06/15



كتابة تعليق لموضوع : على ضفاف الانتظار(37)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net