صفحة الكاتب : الشيخ حسين عبد الرضا الاسدي

على ضفافِ الانتظار(25)
الشيخ حسين عبد الرضا الاسدي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

هل يصحُّ أنْ أتمنى أنْ أكونَ من أصحابِ الإمام المهدي (عجل الله (تعالى) فرجه)؟

لا شكَّ في أنْ لا مانعَ شرعًا من تمنّي المؤمن ذلك، ولكنّ الكلامَ ليس في أصل التمنّي، وإنّما في حقيقةٍ، لا بُدّ أنْ نلتفت إليها بدقة، وهي:
أنّ أهلَ البيت (عليهم السلام) قد بيّنوا في أكثرِ من مناسبة، أنّ ما عند الله (تعالى) لا يُنال بمجرد التمني؛ فإنّ التمنّي الفارغ من العمل أشبهُ بأحلام اليقظة، لا أثرَ له واقعًا.
ففي بيانٍ واضح، روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: ليس الإيمانُ بالتحلّي، ولا بالتمنّي، ولكنّ الإيمانَ ما خلُص في القلب، وصدّقه الأعمال.
بل وقد صرّح بذلك مولانا الإمام الباقر (عليه السلام)، ووضّح أنّ أساس التشيُّع لأهل البيت (عليهم السلام) هو العمل، وأنَّ مُجرّد الادّعاء والتمنّي لا يُحقِّقانه، ولا يجعلان الفرد شيعيًا حقًا، وإنْ كان محبًا لهم (عليهم السلام)، فقد روي عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَالَ: قَالَ لِي:
يَا جَابِرُ، أيَكْتَفِي مَنِ انْتَحَلَ التَّشَيُّعَ أَنْ يَقُولَ بِحُبِّنَا أَهْلَ الْبَيْتِ؟
فواللهِ مَا شِيعَتُنَا إِلا مَنِ اتَّقَى اللهَ وأَطَاعَه، ومَا كَانُوا يُعْرَفُونَ يَا جَابِرُ، إِلَا بِالتَّوَاضُعِ، والتَّخَشُّعِ، والأَمَانَةِ، وكَثْرَةِ ذِكْرِ اللهِ، والصَّوْمِ، والصَّلَاةِ، والْبِرِّ بِالْوَالِدَيْنِ، والتَّعَاهُدِ لِلْجِيرَانِ مِنَ الْفُقَرَاءِ وأَهْلِ الْمَسْكَنَةِ، والْغَارِمِينَ، والأَيْتَامِ، وصِدْقِ الْحَدِيثِ، وتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ، وكَفِّ الأَلْسُنِ عَنِ النَّاسِ إِلَّا مِنْ خَيْرٍ، وكَانُوا أُمَنَاءَ عَشَائِرِهِمْ فِي الأَشْيَاءِ.
قَالَ جَابِرٌ: فَقُلْتُ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللهِ، مَا نَعْرِفُ الْيَوْمَ أَحَدًا بِهَذِه الصِّفَةِ!
فَقَالَ: يَا جَابِرُ، لَا تَذْهَبَنَّ بِكَ الْمَذَاهِبُ، حَسْبُ الرَّجُلِ أَنْ يَقُولَ أُحِبُّ عَلِيًّا وأَتَوَلَّاه ثُمَّ لَا يَكُونَ مَعَ ذَلِكَ فَعَّالًا! فَلَوْ قَالَ إِنِّي أُحِبُّ رَسُولَ اللهِ (صلى الله عليه وآله)، فَرَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وآله) خَيْرٌ مِنْ عَلِيٍّ (عليه السلام)، ثُمَّ لَا يَتَّبِعُ سِيرَتَه، ولَا يَعْمَلُ بِسُنَّتِه، مَا نَفَعَه حُبُّه إِيَّاه شَيْئًا، فَاتَّقُوا اللهَ واعْمَلُوا لِمَا عِنْدَ اللهِ، لَيْسَ بَيْنَ اللهِ وبَيْنَ أَحَدٍ، قَرَابَةٌ أَحَبُّ الْعِبَادِ إِلَى اللهِ (عَزَّ وجَلَّ) وأَكْرَمُهُمْ عَلَيْه أَتْقَاهُمْ وأَعْمَلُهُمْ بِطَاعَتِه، يَا جَابِرُ، واللهِ مَا يُتَقَرَّبُ إِلَى اللهِ (تَبَارَكَ وتَعَالَى) إِلَا بِالطَّاعَةِ، ومَا مَعَنَا بَرَاءَةٌ مِنَ النَّارِ، ولَا عَلَى اللهِ لأَحَدٍ مِنْ حُجَّةٍ، مَنْ كَانَ للهِ مُطِيعًا فَهُوَ لَنَا وَلِيٌّ، ومَنْ كَانَ للهِ عَاصِيًا فَهُوَ لَنَا عَدُوٌّ، ومَا تُنَالُ وَلَايَتُنَا إِلَّا بِالْعَمَلِ والْوَرَعِ.
فبهذا البيان الرائع من الإمام الباقر (عليه السلام)، يتّضح جليًا: أنّ تمنّي الكون من أنصار الإمام المهدي (عجل الله (تعالى) فرجه) ليس كافٍ وحده، وإنْ كان كاشفًا عن درجةٍ من الحبِّ والولاء لهم (عليهم السلام)، ولكنه لا ينفع إنْ لم يتبعه العمل بما يتقرب به العبد من الله (تعالى)، حسب الأوامر الواردة منهم (عليهم السلام).
ومن هُنا، جاء في توقيعه (عليه السلام) ما نصه: «فليعملْ كُلُّ امرئٍ منكم بما يقرب به من محبتنا، ويتجنب ما يدنيه من كراهتنا وسخطنا، فإن أمرنا بغتةً فجاءة، حين لا تنفعه توبةٌ ولا ينجيه من عقابنا ندمٌ على حوبة»
وخلاصةُ ما يُمكنُ أنْ يُقال هنا:
إنّ تمنّي الالتحاق بركب الأصحاب المقربين له (عجل الله (تعالى) فرجه) يستلزم أمورًا عديدة، نذكر منها التالي:
أولًا: تحصين النفس بالفقه، والعقيدة، والمعرفة الحقّة، بصورةٍ راسخةٍ مستدلة، حتى لا يقعَ الفرد فريسةً للشبهات والتيارات الفكرية المنحرفة.
ثانيًا: الانخراط في العمل الاجتماعي الداعي إلى التعلق العملي بالدين، ومقتضيات المذهب الحق، وعدم الانكماش على الذات، وترك مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الفرص المتاحة.
ثالثًا: العمل على تكوين أسرةٍ وفق أسسٍ إيمانيةٍ قولًا وعملًا.
رابعًا: عدم تضييع ساعات العمر بالتفاهات والقضايا الرخيصة، والعمل على استثمار العمر بما ينفع الفرد ذاتيًا واجتماعيًا، دنيويًا وأخرويًا.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


الشيخ حسين عبد الرضا الاسدي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2023/03/07



كتابة تعليق لموضوع : على ضفافِ الانتظار(25)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net