صفحة الكاتب : الشيخ حسين عبد الرضا الاسدي

على ضفافِ الانتظار(15)
الشيخ حسين عبد الرضا الاسدي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

إنها أمةٌ، وابنةُ ملوك!

هل أمُّ الإمامِ المهدي (عليه السلام) سبية، ومن ثم فهي ليست عربية، أو إنّها عربية، أو إنّها علوية؟

قد يُقالُ بوجودِ عدّةِ أقوالٍ في ما يتعلّقُ بولادةِ أُمِّ الإمامِ المهدي (عليه السلام)، وهي التالي:
القول الأول: ما دلَّ على أنّها سبيةٌ من بلاد الروم، ومن ثم تكون قد وُلدت هناك.
من المعروفِ أنَّ أمَّ الإمامِ المهدي (عجل الله تعالى فرجه) هي مليكا بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم، وأمَّها من ولد الحواريين، تُنسَبُ إلى وصي المسيح شمعون.
ويدلُّ عليه:
1/ رواية بشر بن سليمان النخاس.
وهي الروايةُ الطويلةُ المعروفةُ التي أرسلَ فيها الإمامُ الهادي (عليه السلام) أحدَ أصحابه (واسمه بشر بن سليمان النخاس) لشراءِ جاريةٍ بمواصفاتٍ خاصة، واشتراها، وأتى بها إلى الإمامِ الهادي (عليه السلام)، وقد سلّمَها (عليه السلام) إلى أخته حكيمة لتُعلِّمَها الإسلام...
2/روايةُ بشر بن سليمان الثانية:
التي رواها الشيخُ الصدوق في كمال الدين وجاءَ فيه أنَّ بشرًا نقلَ نفسَ الحادثة السابقة.
3 - ما رويَ أنّه (عجّل الله فرجه) ابنُ سبيَّة:
ومنها ما رويَ عن أبي الصباح، قال: دخلتُ على أبي عبد الله (عليه السلام)، فقال لي: «ما وراءك»؟ فقلت: سرورٌ من عمِّك زيد، خرجَ يزعمُ أنّه ابنُ سبيَّة، وهو قائمُ هذه الأُمّة، وأنّه ابنُ خيرةِ الإماء. فقال: «كذبَ، ليس هو كما قال، إنْ خرجَ قتل»
فإنَّ هذه الروايةَ تكشفُ أنَّ المُرتكزَ في أذهانِ الرواةِ آنذاك هو أنَّ المهديَ (عليه السلام) ابنُ سبيَّة، ولذلك أرادوا تطبيقَ هذا المعنى على زيد بن علي، ومن ثَمّ تأييد ادِّعاءِ أنّه هو المهدي.
والإمامُ الصادقُ (عليه السلام) لم ينفِ هذا المعنى، وإنّما نفى مهدويةَ زيدٍ بن علي مُستدلًا على ذلك بأنّه سيُقتلُ لو خرج، والمهديُّ (عليه السلام) لو خرجَ لا يُقتل، بل سينتصر.
4 - عن يزيد بن أبي حازم، قال: خرجتُ من الكوفة، فلمّا قدمتُ المدينةَ دخلتُ على أبي عبدِ الله (عليه السلام) فسلّمتُ عليه، فسألني: «هل صاحَبَك أحد»؟ فقلت: نعم. فقال: «أكنتم تتكلمون»؟ قلت: نعم، صَحِبَني رجلٌ من المغيرية. قال: «فما كان يقول؟» قلت: كان يزعمُ أنّ محمد بن عبد الله بن الحسن هو القائم، والدليلُ على ذلك أنّ اسمَه اسمُ النبي (صلى الله عليه وآله)، واسمَ أبيه اسمُ أبي النبي (صلى الله عليه وآله)، فقلتُ له في الجواب: إنْ كنتَ تأخذُ بالأسماءِ فهو ذا في ولدِ الحسين (عليه السلام) محمد بن عبد الله بن علي، فقالَ لي: إنَّ هذا ابنُ أَمَةٍ -يعني محمد بن عبد الله بن علي-، وهذا ابنُ مهيرة -يعني محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن-، فقال لي أبو عبد الله (عليه السلام): «فما رددتَ عليه»؟ فقلتُ: ما كانَ عندي شيءٌ أردُّ عليه. فقال لي: «أَوَلَم تعلموا أنّه ابنُ سبية - يعني القائم (عليه السلام)-؟»
وهذا هو الرأيُ المعروفُ والمشهور.
تنبيه:
نقلَ صاحبُ البحار عدّةَ رواياتٍ وصفَتِ الإمامَ المهدي (عجل الله تعالى فرجه) بأنّه ابنُ ستة، ولكن بحسبِ التحقيقِ لم تردُ كلمةُ (ستة) في المصدر الأم، وإنّما (سبية)، ومعه، فتدلُّ هي أيضًا على هذا القولِ الأول.
وتلك الروايات هي:
أ/عن أبي بصير، قال: قال أبو جعفر (عليه السلام) أو أبو عبد الله (عليه السلام) - الشكُّ من ابن عصام -: «يابا: يا أبا محمّد بالقائم علامتان: شامةٌ في رأسه، وداءُ الحزاز برأسه، وشامةٌ بين كتفيه، من جانبه الأيسر تحتَ كتفيه ورقةٌ مثل ورقةُ الآس، ابنُ ستَّة، وابنُ خيرة الإماء .
ولكن في غيبة ِالنعماني –وهو المصدرُ الذي نقلَ عنه البحارُ هذه الرواية- لم يردْ (ابن ستة، وابن خيرة الإماء).
ب/ عن أبي الصباح، قال: دخلتُ علىٰ أبي عبد الله (عليه السلام)، فقال: «ما وراءك؟»، فقلتُ: سرورٌ من عمِّك زيد، خرج يزعم أنَّه ابنُ ستَّة، وأنَّه قائمُ هذه الأُمَّة، وأنَّه ابنُ خيرةِ الإماء، فقال: «كذبَ ليسَ هو كما قالَ إنْ خرجَ قُتِل»( ).
وهذه الروايةُ هي نفسُها التي نقلناها قبلَ قليلٍ عن غيبة النعماني، ولم يردْ فيها (ابن ستة) وإنّما (ابن سبية).
ج/ عن يزيد بن حازم، قال: خرجتُ من الكوفة، فلمَّا قَدِمْتُ المدينةَ دخلتُ علىٰ أبي عبد الله (عليه السلام)، فسلَّمتُ عليه، فسألني: «هل صاحبك أحد؟»، فقلت: نعم، صحبني رجلٌ من المعتزلة، قال: «فيما كانَ يقول؟»، قلت: كانَ يزعمُ محمّد بن عبد الله بن الحسن يُرجىٰ هو القائم، والدليلُ علىٰ ذلك أنَّ اسمَه اسمُ النبيِّ واسمَ أبيه اسمُ أبي النبيِّ، فقلتُ له في الجواب: إنْ كنتَ تأخذُ بالأسماءِ فهو ذا في ولدِ الحسين محمّد بن عبد الله بن عليٍّ، فقالَ لي: إنَّ هذا ابنُ أَمَة يعني محمّد بن عبد الله بن عليٍّ، وهذا ابنُ مهيرة يعني محمّد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن. فقال لي أبو عبد الله (عليه السلام): «فما رددتَ عليه؟»، قلت: ما كانَ عندي شيءٌ أردُّ عليه، فقال: «لو تعلمون أنَّه ابنُ ستَّة» يعني القائم (عليه السلام)( ).
ولكن في غيبة النعماني –وهو المصدرُ الذي نقلَ عنه البحار هذه الرواية- وردَ: أولم تعلموا أنّه ابنُ سبية.
القول الثاني: أنّها وُلِدتْ في بيتِ السيدةِ حكيمة عمّةِ الإمامِ العسكري (عليه السلام):
لعلَّ أولَ من قالَ بهذا القولِ هو علي بن الحسين المسعودي صاحبُ مروجِ الذهب في كتابه إثبات الوصية، حيث قال ما نصّه: روى لنا الثقاتُ من مشايخنا أنَّ بعضَ أخواتِ أبي الحسن (عليه السّلام) علي بن محمد (عليه السّلام) كانتْ لها جارية ولدت في بيتِها، وربّتها تُسمّى نرجس، فلما كبُرت وعبلت دخلَ أبو محمّد (عليه السّلام) فنظرَ إليها فأعجبته. فقالت عمّته: أراك تنظر إليها؟ فقال (صلّى اللّه عليه): إنّي ما نظرتُ إليها إلّا مُتعجِّبًا! أما إنَّ المولودَ الكريمَ على اللّه (جلّ و علا) يكونُ منها. ثم أمرَها أنْ تستأذنَ أبا الحسن في دفعِها إليه، ففعلتْ، فأمرَها بذلك.
وممّن ذهبَ إلى هذا القولِ هو حسين عبد الوهاب (من علماء القرن الخامس) في كتابه عيون المعجزات ، حيثُ ذكرَ نفسَ نصِّ المسعودي.
ولكن يُمكِنُ النقاشُ في هذا القول بالتالي:
أنَّ الشيخَ الطوسي في غيبته قد روى نفسَ ألفاظِ هذه الرواية، لكن من دونِ ذكرِ كونِ أمِّ الإمامِ المهدي (عليه السلام) قد وُلِدتْ في بيتِ السيدةِ حكيمة، حيثُ رواها بما نصُّه: وروي أنّ بعضَ أخواتِ أبي الحسن (عليه السلام) كانتْ لها جاريةٌ ربّتها تسمى نرجس، فلما كبُرتْ دخلَ أبو محمد (عليه السلام) فنظر إليها فقالت له: أراكَ يا سيدي تنظر إليها؟ فقال: «إنّي ما نظرتُ إليها إلا مُتعجبًا، أما إنّ المولودَ الكريمَ على الله (تعالى) يكونُ منها»، ثم أمرها أنْ تستأذنَ أبا الحسن (عليه السلام) في دفعِها إليه، ففعلت، فأمرها بذلك.
فالرواية بهذا النقل لم تقل إنها ولدت في بيت حكيمة، وإنما قالت: إن السيدة حكيمة قد ربّتها في بيتها، ولعلها كانت رومية وربّتها السيدة حكيمة في بيتها، فلا تُنافي هذه الروايةُ روايات القول الأول، بل إنها تنسجم معها تمامًا، خصوصًا وأنه ورد في ذيل رواية بشر النخاس ما نصه: (فقال أبو الحسن عليه السلام : يا كافور ادع لي أختي حكيمة ، فلما دخلت عليه قال عليه السلام لها : ها هيه فاعتنقتها طويلا وسرت بها كثيرا ، فقال لها مولانا : يا بنت رسول الله أخرجيها إلى منزلك وعلميها الفرائض والسنن فإنها زوجة أبي محمد وأم القائم عليه السلام).
فما ذكره المسعودي وحسينُ عبد الوهاب من أنّها ولِدتْ في بيتِ السيدة حكيمة لعلّه فهمٌ منهم.
على أنَّ المسعودي نقلَ تلك الروايةَ مرسلةً ومن دون سند.
والشيخ الصدوق لم يتعرّضْ لها أصلًا.
ثم إنَ الشيخَ الطوسي والشيخَ الصدوق نقلا روايةَ بشر النخّاس، وهما معروفان بتتبُّعِ الروايات المتعلقةِ بقضيةِ الإمامِ المهدي (عليه السلام).
فضلًا عن أنَّ المشهورَ هو كونُها (عليها السلام) سبيةً جاءتْ من بلادِ الروم.
فهذه الجهاتُ تُقوّي القولَ الأولَ، وتجعلُ احتمالَه مقبولًا أكثرَ من الثاني، إنْ لم تدلّ على تعيُّنِه.
القولُ الثالث: إنّها امرأةٌ عربيةٌ بل علوية، وأنَّ اسمَها مريمُ بنت زيد العلوية:
وهنا لم نجدْ روايةً واضحةً في هذا القول، إنّما الموجودُ هو نقلٌ بلفظِ (قيل) عن بعضِ المؤلفين، من قبيلِ ما نقله في الينابيعِ الفقهية لعلي أصغر مرواريد: الإمام المهدي الحجة، صاحب الزمان أبو القاسم محمد بن الإمام أبي محمد بن الحسن العسكري (عليه السلام)، ولد بسُرَّ من رأى يومَ الجمعة ليلًا، وقيلَ ضحى خامس عشر شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين، أُمه صقيل، وقيل: نرجس، وقيل: مريم بنت زيد العلوية.
ومثله في جواهرِ الكلامِ للشيخ الجواهري ، وفي الهدايةِ الكُبرى الحسين بن حمدان الخصيبي ، وفي بحارِ الأنوار العلامة المجلسي ، وفي رسائل في دراية الحديث لأبي الفضل حافظيان البابلي.
وكُلُّ هذه المصادر لم تنقلْ هذا القولَ عن المعصوم، وإنّما جاءَ بلفظِ (يُقال) أو (قيل) كما بيّناه، فلا يُطمأنُّ بهذا القول، وحينئذٍ يبقى القولُ الأولُ هو الأقرب إلى القبول –إنْ لم يكنْ هو المُتعيّن- خصوصًا وأنّه هو المعروفُ والمشهور؛ إذ إنَّ الرواياتِ تدلُّ بوضوحٍ على أنّها كانتْ سبيةً روميةً، ولا روايةَ تدلُّ على أنّها وُلِدتْ في بيتِ السيدةِ حكيمة، فضلًا عن كونِها عربية.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


الشيخ حسين عبد الرضا الاسدي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/12/23



كتابة تعليق لموضوع : على ضفافِ الانتظار(15)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net