على ضِفافِ الانتظار (10)
الشيخ حسين عبد الرضا الاسدي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الشيخ حسين عبد الرضا الاسدي

كيف نتعامل مع المعاند؟
ماذا نفعلُ مع من لا يقتنعُ بقضيةِ الإمامِ المهدي (عليه السلام)؟
والذي حتى لو ذكرنا له الرواياتِ الدّالةَ على المعنى المقصود، فإنّه يقول: أنا لا أثقُ بالرواياتِ أو بالرواة؟
الجواب:
أولًا: علينا أنْ نُسلّمَ بأنَّ إحدى واقعياتِ الحياةِ هو الاختلاف، الذي ضربَ بأخبيته في كُلِّ مجالاتِها، وأنَّ إلغاءَ الاختلاف –وبالتالي إلغاء الرأي والرأي الآخر- لا واقعيةَ له في هذه الحياة.
نعم، هذا يفرضُ علينا مسؤوليةَ المتابعة، وتقصّي المعلومةِ الحقّة، وبذلَ الجهد، من أجلِ الوصولِ إلى قناعاتٍ مُستدلةٍ في مُختلفِ جوانبِ الحياة، ومنها الجانب الديني.
ويدخلُ ضمنَ هذه المسؤولية: العملُ على هدايةِ الآخرين، وتفعيلُ مبدأ الأمرِ بالمعروفِ والنهي عن المنكر، وضرورةُ الاهتمامِ بهذا المبدأ، خصوصًا وأنّ تركَ العملِ به يؤدّي إلى نتائجَ وخيمةٍ بيّنتِ الرواياتُ بعضَها، من قبيل: ما رويَ عن رسولِ الله (صلى الله عليه وآله): «لا يزالُ الناسُ بخيرٍ ما أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وتعاونوا علىٰ البرِّ، فإذا لم يفعلوا ذلك نُزِعَتْ منهم البركات، وسُلِّطَ بعضُهم علىٰ بعض، ولم يكنْ لهم ناصرٌ في الأرضِ ولا في السماء» .
وعنه (صلى الله عليه وآله): «ولقد أوحىٰ اللهُ فيما مضـىٰ قبلكم إلىٰ جبرئيل، وأمرَه أنْ يخسفَ ببلدٍ يشتملُ علىٰ الكفّارِ والفجّار! فقال جبرئيل: يا ربِّ، أخسف: اخسفْ بهم إلا بفلان الزاهد؟ ليعرف ماذا يأمرُ اللهُ به. فقالَ اللهُ ) تعالى) بل اخسفْ بفلانِ قبلهم، فسألَ ربَّه، فقال: يا ربِّ، عرِّفني لِـمَ ذلك وهو زاهدٌ عابد؟ قال: مكَّنتُ له وأقدرته، فهو لا يأمرُ بالمعروف، ولا ينهىٰ عن المنكر، وكانَ يتوفَّرُ علىٰ حُبِّهم في غضبي لهم»، فقالوا: يا رسولَ الله، وكيفَ بنا ونحنُ لا نقدرُ علىٰ إنكارِ ما نشاهده من منكر؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : «لتأمرُنَّ بالمعروفِ ولتنهُنَّ عن المنكر، أو ليعُمَّنَّكم عقاب الله»، ثمّ قال: «من رأىٰ منكم منكرًا فليُنكره بيده إنِ استطاع، فإنْ لم يستطِعْ فبلسانه، فإنْ لم يستطِعْ فبقلبه، فحسبُه أنْ يعلمَ اللهُ من قلبه أنَّه لذلك كاره»( ).
ثانيًا: صحيحٌ أنّنا أُمِرنا بمُمارسةِ الأمرِ بالمعروف والنهي عن المنكر، ولكن في نفسِ الوقت لم نُكلّف بإجبار الناس وهدايتهم، فحتى أنبياء اللهِ (تعالى) كانوا يُبيّنون الطريقَ بالدليلِ القطعي، ويتركون الخيارَ للآخر في أنْ يُقرِّرَ هو مصيره، ولم يكونوا يجبرونهم تكوينًا على ذلك، ولذا يقولُ (عز من قائل): "وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقالُوا لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ . إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ"
وقال (تعالى): "وَلَنْ تَرْضىٰ عَنْكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصارىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَىٰ اللهِ هُوَ الْهُدىٰ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ"
فهاتانِ الآيتانِ واضحتان في أنّه يوجدُ أشخاصٌ يصعبُ إرضاؤهم، ولا ينبغي للمؤمنِ أنْ يكونَ هدفه إرضاءهم أكثر من واجبه الديني، فما عليك هو أنْ تُبيّنَ لهم الحق، وأما إرضاؤهم فهو ليس تكليفك، فإنّ اللهَ (تعالى) لم يجبرْ أحدًا على الهدايةِ رغمَ قدرته على ذلك، قال (تعالى): "أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ لَهَدَىٰ النَّاسَ جَمِيعًا"
وإنما فقط بيّنَ للناس طريقَ الحقّ (وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ)
وقال تعالى: : لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ.
وهذا أحدُ معاني قوله (تعالى): لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ، الذي فُسِّـرَ بنفي الإكراهِ التكويني، أي بنفي سلبِ الإرادة، وجعلِ الإنسانِ كالآلةِ العمياء، يُنفِّذُ ما يُرادُ منه من دون أنْ يكونَ لإرادته دخل، بل إنَّ الدِّينَ تركَ للاختيار الإنساني هامشًا كبيرًا في التزامِ الدِّين، فما كانَ من الدِّين هو البيان، والذي يُرادُ من الفردِ هو تفعيلُ اختياره وفقَ ذلك البيان، ومن هُنا عطفَ القرآنُ علىٰ ذلك قوله: قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقىٰ لاَ انْفِصامَ لَها وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ( ) .( ).
ثالثًا: إنَّ لكُلِّ علمٍ طرقَه ومناهجَه وموازينه العلمية، والرفضُ والقبولُ لا يكونُ بالمزاجِ والهوى، وإنّما باتباعِ المقدماتِ المنهجيةِ في كُلِّ علمٍ، وهُنا -في خصوص السؤال- فإنَّ معرفةَ صحةِ الرواياتِ من عدمِها تابعٌ لعلمِ الرجالِ والدراية، وهي علومٌ تخصصية، لا يعرفُها إلا من اطلعَ على مُقدماتها، وتلك العلومُ هي الكفيلةُ بإعطاءِ الضوابطِ العامةِ لمعرفةِ الروايةِ الصحيحةِ من غيرها.
ومع توفُّرِ الضوابطِ المنهجيةِ للقبول، فلا يكونُ للرفضِ مُبررٌ سوى العنادِ والإنكارِ غير المنهجي، ومثلُ هذا المنكرِ لا علاجَ له سوى الإهمال، وسيكونُ حسابُه عندَ ربِّه عسيرًا.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat