تأملات في حضرة المولى علي عليه السلام
د . حميد مسلم الطرفي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . حميد مسلم الطرفي

لم يتحمل الخوارج ومن يقف وراءهم خُلُقَك النبيل في الحكم ، ولا عدلك في العطاء معهم ، وليس لهم من حجةٍ يقوون بها على حجتك ، فجربوا الحرب فلم تُبقِ من مقاتليهم إلا عشرة ، فلم يروا غير الغدر سبيلاً ، فالاغتيالُ حيلة العاجز عن مواجهة عدوه ، فضربوك وأنت ساجد ، ما أجرأهم عليك ، بل ما أجرأهم على الله حيث يقتلون أولياءه وهم في حضرته ، فهناك من البشر من هم وحوش على هيئة البشر .
أراني حائراً أحياناً في ولايتك سيدي وسنيِّ حكمك ، هل أتيتَ في زمانٍ غير زمانك ، إذ لم تصل الأمة بعد إلى ما يحملُ لهم عليٌّ من عدل ومن حرية ؟ أم أن الدين والورع والتقوى لا تستقيم مع السياسة في كل زمان ومكان ؟ أم أن أمةً سامها الطواغيت سوء العذاب لا تتعايش مع من يحكمها بالعدل والورع حتى حين ، فلولا ابن ملجم لكنت روّضتهم على ذلك وأقمت تجربةً تتحسر عليها الأمم السابقة واللاحقة تلك هي دولة الإنسان؟
ما كنهَ نفسك سيدي وما جوهرها - ويقيناً لا يعرف ذلك الا الله ورسوله- تلك النفس التي لم تتأوه من ضربة سيف مسموم حاقد وعلى حين غرة ، فلا يخرج من أعماقها سوى قول (فزت ورب الكعبة) ، فهل فيها من ذرةٍ لا يغمره الايمان واليقين بالله وقدره ؟ كم أنت قريب من حضرة الملكوت ، دائم في ذكره ، مقيم على طاعته ، فلا يلفظ لسانك ما يلفظ به البشر ساعة الألم والمفاجأة .
ما أكبر حيرتي وأنا أتأمل نفسك العظيمة في تلك اللحظة العصيبة حيث يهوي السيف على رأسك تنادي على القوم من حولك (لا يفوتنكم الرجل ) تعني قاتلك حتى إذا أمسكوه توصي به ابنك الحسن خيراً بحقِّي عليك، فأطعمْه يا بُني ممَّا تأكل، واسقِه ممَّا تشرب، ولا تقيِّد له قدما، ولا تغلَّ له يدًا فأنت كما وصفت المتقين قويٌّفي دين وحازمٌ في لين ، لم تأمرهم بمسك قاتلك لكي تنتقم منه أو تمثل به أو تشفي به غليل محبيك الذين أفجعهم مصابك ، ولو تركته لهم لنهشوه كما تنهش الذئاب الجائعة الغنم ، أمرت بمسكه لكي تعلن لرعيتك أن الدولة مهابة ، وأن العدل فوق الجميع ، وليس لأحد أن يقتل ويهرب ، وحتى وصيتك بإنزال العقاب ضربة بضربة فلم تكن سوى لردع غيره عن قتل الناس بغير وجه حق ، ولولا ذاك لأمرت بالعفو ربما ، لست أدري . فسلام عليك يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم تبعث حيا .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat