الإخلاص مَلَكَة وإرادة
د . حميد مسلم الطرفي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . حميد مسلم الطرفي

اعتدن ربات البيوت في العراق ومع بداية كل صيف أن يغيرن فرش البيت فيطوين فرش الشتاء حيث صُبارة القُر ويستبدلنها بفرش خفيف يوائم لهيب تموز وآب لتوقي حمارة القيظ ولقد كان في ايام زمان حُصُرُ النايلون أما اليوم فما خف وزنه ورخص ثمنه من منسوجات تركية وإيرانية . اصطحبني احدهم ممن خضع لتوجيهات ربة بيته إلى محل عملاق من محلات بيع الزوالي والكاربت وسائر المفروشات ، وما إن دخلنا حتى استقبلنا شاب ضعيف البنية حنطي الوجه يرتدي قميصاً بنصف كم ، استقبلنا بحرارة وود واحترام ، أخبره صاحبي بما يريد فهو ملزمٌ باللون والسعر والقياس ولا يحيد عنها أبدا(لا يخالف التوجيهات) ، في المحل العملاق أكوام مرتبة من كل نوع ، دلَّنا على المجموعة الأولى وهو يقلب نصف الزولية ليرى صاحبي ما تحتها وهكذا حتى قلب مايقارب الأربعين ، تململ صاحبي واراد الخروج ، فقال الشاب الحنطي ، لا هناك لدينا أنواع أفضل وألوان أجمل فاقتادنا إليها بخفةٍ وشوق ، مهللاً ومرحباً ، هذا ، لا ، هذا لا ، وقلب لنا مازاد على الأربعين ، ونظر بوجه صاحبي وقبل ان يتكلم ، بادره بالحديث، (ولا يهمك ) ، لدينا المزيد تعال معي إلى تلكم المعلقات لعلك تجد فيها ضالتك سحب هذه ارجع تلك ، ثم ثالثة ورابعة ، وهكذا ، استحييت من نفسي وأنا أراقب ما يجري ، أردت الاعتذار منه بود ، ؟ (تعبناك عمو )، وأدنيت يدي لأساعده في تحريك (الزولية) ، (لا عمو هذا واجبنا خليك مرتاح ) . عاد بنا إلى أكوام أخرى وأخرى ولم يجد صاحبي ضالته ، نظرت إلى وجه ذلك الشاب رأيت العرق يتصبب منه ، دنوت منه ، اعتذرت ، ثم قلت له : اخبرني بصدق هل أنت ابن صاحب المحل أو قريبه أم إنك عامل بأجر ؟ قال : (لا والله عمو أنا صانع ) ، قلت له : يعز علينا أن نفارقك ولا نشتري منك بعد كل هذا التعب ، حفظك ربي وكثر من أمثالك ، انت عامل مخلص بحق . ما أجمل أن يخلص المرء في عمله ، وما أجمل أن يؤدي أمانته ، ويصون صاحب المال في حضوره وغيابه .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat