الصدقُ في السياسة قراءة جدلية
د . حميد مسلم الطرفي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . حميد مسلم الطرفي

(لا تقع ضحية المثالية المفرطة وتعتقد بأن قول الحقيقة سوف يقرّبك من الناس، الناس تحبّ وتكافئ من يستطيع تخديرها بالأوهام، منذ القدم والبشر لا تعاقب إلاّ من يقول الحقيقة، إذا أردت البقاء مع الناس شاركها أوهامها، فالحقيقة يقولها من يرغبون في الرحيل) ، مذ قرأت هذه العبارات للفيلسوف الألماني نيتشه عبر أحد المدونين الكرام وأنا في حيرةٍ من أمري ، أحقاً ما يقول أم إنه مجرد وصية على غرار وصايا ميكافيلي للأمير أو الحاكم ؟ ألا يتعارض ذلك ومبدأ (النجاة في الصدق) ، أو وصية الامام علي عليه السلام لمالك الأشتر يوم ولاه مصر (وإن ظنت الرعية بك حيفا فأصحر لهم بعذرك، واعدل عنك ظنونهم بإصحارك، فإن في ذلك رياضة منك لنفسك) ؟ والإصحار هنا قول الصدق وبشكل علني ، نعم إننا نرى في الواقع غير ذلك ، فالحاكم المراوغ ، المفبرِك ، اللبق ، يقلب الحقائق فتكثر شعبيته ويتعاظم أنصاره ، ينفي بشكل مطلق كل التهم الموجهة اليه وهو منها غير براء ، يتظاهر بالعفة وهو فاسد وبالقدرة وهو ضعيف ، وبحب الناس وهو يبغضهم ، هكذا قيادات تراهم يمضون في المهمة إلى آخر المشوار ، وتعج بأحاديثهم وسائل الإعلام ، فيفوزون ويستمرون في حكم البلاد والعباد . أدركُ تماماً أن السياسة فن ولعبة لها قواعدها وشروطها وظروفها فليس كل كاذب يستطيع أن يغرر بالناس ويستحصل رضاهم ، وليس كل صادق أيضاً يفشل في المهمة ، ولكن ما نراه هو أنه من النادر جداً أن تتطهر السياسة من الدنس والخداع ، والحديث هنا عمن ينجح من السياسيين الصادقين ليطاع أمره ويذيع صيته ، ومن يُطاح به وهو الصادق الأمين والمخلص الرؤوف . النص الوارد أعلاه سبب مقنع لمن ينصح المؤمنين المخلصين وعموم المتدينين الصادقين بالقول : اتركوا السياسة فإنها معجونة بالدنس لا بالقداسة ، وإلا كيف نفسر قول علي عليه السلام لأصحابه صاحبكم يطيع الله وأنتم تعصونه. وصاحب أهل الشام يعصي الله وهم يطيعونه ) ، إنها مفارقة ، ربما العلة في تربية أهل الشام وقلة تمردهم وعظيم طاعتهم لولاتهم ، ولكنه يقول بشكل أكثر صراحة لما طُلِب منه أن لا يقسم الفيء بالسوية (أتأمروني أن أطلب النصر بالجور) ، وأوضحُ من ذلك لما شكى من قلة من يلتحق معه للحرب فقال
وإني لعالم بما يصلحكم ويقيم أودكم ، ولكني لا أرى إصلاحكم بإفساد نفسي) ، وهنا مفارقة واضحة بين ما تتطلبه السياسة من وسائل وحيل وقوة وعنف ، وبين ما يتطلبه الدين من التزامات . اسئلة تحتاج إلى المزيد من التأمل والنقاش .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat