عن حديث “لا آمركم ولا أنهاكم”.. وقفة مع الكاتب جورج جرداق
عبد الناصر السهلاني
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
عبد الناصر السهلاني

الكاتب المسيحي اللبناني جورج جرداق صاحب الموسوعة القيِّمة (الإمام علي صوت العدالة الإنسانية) وقع في خطأ غير مقصود (كونه مسيحياً لا يؤمن بالإمامة الإلهية) فكانت نظرته إلى مواقف أمير المؤمنين (عليه السلام) نظرة (القيم الإنسانية) على نمط ما تعلمه من مفاهيم هذا العصر(التي لا شك أن قسماً منها يتفق مع الرؤية الإسلامية) فعندما تحدث عن اللحظات الأخيرة لحياة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، ذكر ما يلي وهذا نصه في الجزء الرابع من الموسوعة (كتاب علي وعصره: ص٢٧٩):
(( وسأله الناس: أنبايع الحسن بعدك؟ فقال: لا آمركم ولا أنهاكم، لا يريد بذلك أن يفرض عليهم خليفة له، ولا يريد كذلك أن ينهاهم عن استخلاف من يريدون. وفي ذلك إيمان وتطبيق وتعليم واعتراف عميق بان الناس أحرار في من يولون عليهم، فالولاية من الجماعة.))
إذن فالكاتب يرى عدم النص على الإمام الحسن عليه السلام من قبل أبيه أمير المؤمنين عليه السلام، وهذا يعد عنده من الإيمان العميق بان الناس أحرار طبقا لفهمه!!
هذا الحديث (لا آمركم ولا أنهاكم)، الذي ذكره جورج جرداق لا يوجد في مصادر الشيعة، وإنما ذكرته بعض مصادر العامة وهو ضعيف السند حتى على موازينهم الرجالية.
فان أول من ذكر هذا الحديث اثنان من علماء العامة في القرن الثالث الهجري، وكانا متعاصرين وهما (البلاذري) المتوفى سنة ٢٧٩هـ في كتابه (انساب الأشراف: ص٥٠٣)، و(ابن أبي دنيا) المتوفى سنة ٢٨١هـ في كتابه (مقتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: ص٤٩)
ورغم إن الحديث مسند عند كليهما إلا أن كلا السندين غاية في الضعف. فالراوي المباشر هو عبد الرحمن بن جندب، في كلا السندين، وهو مختلف فيه من جهة الجرح والتعديل عندهم، وإذا أغضينا عنه، فسند البلاذري ضعيف باثنين: الطحان، وابن أبي ليلى، وسند ابن أبي دنيا فيه ارسلا، بالإضافة إلى اثنين من المجاهيل.
وكل من نقله بعدهما نقله مرسلا بدون سند كالطبراني في (المعجم الكبير) والمسعودي في (مروج الذهب) وهما من علماء القرن الرابع الهجري. وغيرهما.
وأما ما عندنا فان أمير المؤمنين (عليه السلام) قد نص وأوصى بالإمام الحسن (عليه السلام)، كما ذكر في كتاب (الإرشاد) للشيخ المفيد وكتاب (الكافي) للشيخ الكليني (رحمهما الله تعالى) وغيرهما.
واﻷمر متواتر عند الإمامية، وهو الذي يتناسب مع عقيدتنا بان علياً (عليه السلام) وصي وإمام وكما عهد النبي (صلى الله عليه وآله) له بالولاية والخلافة من بعده فانه عهد للحسن (عليه السلام) من بعده بأمر النبي الحاكي عن أمر الله تعالى، فما دامت السلطة السياسية بيدهم فانهم لا يسلمونها بعد وفاة احدهم إلا لمن يكون أهلا لها، ولا يوجد من هو أولى من المعصوم لذلك، وهو اللائق بأمير المؤمنين عليه السلام بان لا يترك الأمة سدى من بعده بل لا بد من تعيين الحجة من بعده، كما هو الحق.
فالإنسانية كل الإنسانية بهذا السلوك الذي يراعي عامة الناس ومصالحهم ودينهم بتنصيب من يؤدي الحق بوجهه الأكمل. لا كما فهمها الكاتب جورج جرداق.
والحمد لله أولاً وآخراً وصلى الله على محمد وآله أبدا
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat