صفحة الكاتب : عبد الناصر السهلاني

مقام الخاتمية وإنحصار الحقانية
عبد الناصر السهلاني

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

بسم الله الرحمن الرحيم
((مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَٰكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا))(١)

إن ختم النبوات حدث عظيم في تاريخ البشرية، اذ لا نبي يُبعث بعد هذا الختم ابداً.

هذا الحدث العظيم كان رائده نبينا الأعظم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب (صلى الله عليه وآله) حيث بلّغ قانون السماء النهائي الى البشر، ولا ناسخ له حتى قيام الساعة، قانون يتكفل بسعادة البشرية لو ساروا عليه واهتدوا بهديه، فكان مقام الخاتمية مقاماً آخر من مقاماته الرفيعة (صلى الله عليه وآله).

ثم ان لازم هذا الختم للنبوة ان يكون الحق منحصراً فيما جاء به النبي الخاتم سواء أكان تأسيساً جديداً أو إقراراً لما كان سابقاً من احكام الأديان الإلهية، فالإسلام عقيدة وشريعة هو الواجب اعتناقه حصراً وبخلافة سيكون مآل الإنسان إلى الخسران، وقد قال الله تعالى في محكم كتابه: { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ }(٢) وهذا التكليف يحاسب عليه من كان عامدا في ترك الإسلام وجحده بعد معرفته، ومن كان مقصراً عن البحث للوصول إلى الحقيقة، والمستثنى عقلا من المؤاخذة وبحسب ما أرشدت اليه نصوص المعصومين (عليهم السلام) هو الجاهل القاصر الذي لا يهتدي حيلة إلى الحق لقصور في ادراكه أو لمانع قهري.

وبالتالي لا يُصغى لمقالة أصحاب العقول الخاملة ممن يدّعي العلم وهو يرى ان الإسلام طريق من الطرق إلى الحق وكأن رسالة النبي (صلى الله عليه وآله) جاءت إضافة فقط لطرق متعددة للحق كانت قبله أو ستلحقه، فإذا كان كما يقولون على مَ هذه الدماء التي سالت في طريق دعوة النبي (ص) في عشرات المعارك وعلى مَ تكبد النبي (ص) من الآلام والمصاعب والإيذاء في هذا السبيل ؟!!! وعلى مَ حمل أهل بيته من بعده لواء الحفاظ على الدين مضحين بأنفسهم الشريفة (عليهم السلام) من أجل ذلك أكل هذا فقط من أجل إضافة طريقة أخرى غير لازمة للوصول إلى الحق ؟!!! ثم كم هو الاختلاف بين الإسلام والديانات المحرفة عن اصلها والتي ذمها القرآن؟! هذا الإختلاف الذي يصل إلى التناقض في كثير من الأحيان فكيف يكون المؤمن بالنبي (صلى الله عليه وآله) على حق وغير المؤمن به أيضا على حق ؟!!! وكيف يكون الممتثل إلى الحكم الفلاني على حق، والعاصي أيضا على حق ؟!!! إذاً أين نضع هذه الآية الكريمة: { هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ }(٣) فهل يوجد وضوح كمثل هذا الوضوح في انحصار الحقانية في رسالة النبي (صلى الله عليه وآله) والتي وعد الله سبحانه بانها ستظهر وتنتصر على كل الديانات في العالم رغماً على المشركين. فهل يتناسب جو الآية مع كون رسالة النبي (صلى الله عليه وآله) مجرد طريقة للوصول إلى الحق غير ملزمة وبالامكان سلوك طريقة أخرى!! هل يمكن لإنسان ذو عقل سوي ان يكون فهمها بهذا الإعوجاج؟!!! ولو أردنا استحضار الروايات الشريفة المرشدة لانحصار الحق برسالة النبي (صلى الله عليه وآله) لطال بنا المقام أكثر.

ومن المؤسف جداً ان نرى بعض النخب المثقفة من المسلمين لا يفهم معنى الخاتمية فيرون ان تشريعات الاسلام غير صالحة بحجة انها لا تواكب العصر وان قوانينه بصورة عامة مختصة بوقتها الذي شهد نزول الرسالة المحمدية الخاتمة رسالة الإسلام العظيم، هذه الرؤية القاصرة لها لازم خطير وهو انكار معنى الخاتمية من حيث يشعرون أو لا يشعرون  ذلك المعنى المصرّح به من قبل الله تعالى في قرآنه المجيد، فلو سألناهم: هل ان النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله) هو خاتم الانبياء ام لا ؟

فهم ازاء جوابين لا ثالث لهما بداهة:

فإما ان ينكروا خاتميته (صلى الله عليه وآله) بصورة صريحة، وبهذا ينكرون ضرورياً من الضروريات الدينية الثابتة بالقطع واليقين، وهذا خروج من الاسلام، إذ لا يُتصور ان المسلم ينكر على الله تعالى قوله الواضح الصريح في القرآن وهكذا جواب مستبعد منهم.

وإما ان يقرّوا بخاتمية النبي (صلى الله عليه وآله) مع تهافت قولهم بان أحكام الاسلام لا تصلح لهذا العصر، وهذا الجواب له لوازم، ان التفتوا اليها وعرفوها سيؤدي بهم الى الخروج من الاسلام ايضا، وهذه اللوازم هي:

١- ان الله تعالى ترك الخلق بلا حجة في هذا العصر، فالاسلام بحسب قولهم هو حجة على عصر النبوة وماهو مرتبط بذلك العصر.

٢- بناء على النقطة الاولى يكون الله تعالى ليس بحكيم، ويجوز عليه الظلم لانه سيكون هناك يوم للحساب، والبشر في هذا العصر سيحاسبون بلا حجة عليهم، فلا قانون الهي يحكمهم بعد ركن قوانين الإسلام.

٣- واذا قالوا بانه لن يحاسبهم لعدم وجود الحجة عليهم، فلا يكون ظالما.

 وهذا الجواب هو تثبيت لمحذور آخر، وهو يعني انه تعالى خلق بشراً لا حساب لهم، وهذا تجويز للعبث على الله تعالى عن ذلك علواً

 كبيراً .

وهذه اللوازم هي انكار لضروريات اثبتها العقل والدين بكون الله حكيما عادلا.

وفرق بين تعطيل بعض أحكام الإسلام باذن الحاكم الشرعي لتقية أو لوجود مانع مؤقت وبين القول بانتهاء صلاحيتها.

اذاً لو تنبهوا لهذه اللوازم كان لزاماً عليهم ان ينتهوا عن مقالتهم السقيمة والمتهافتة بان الدين الاسلامي وتشريعاته لا تصلح لهذا العصر، وان يعترفوا بان قوانينه سارية الى يوم يبعثون.

وأسألكم الدعاء

____________

(١) ( الأحزاب: ٤٤ )
(٢) ( آل عمران: ٨٥ )
(٣) ( التوبة: ٣٣ )


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عبد الناصر السهلاني
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2024/09/20



كتابة تعليق لموضوع : مقام الخاتمية وإنحصار الحقانية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net