صفحة الكاتب : كامل حسين الجنابي

العشيرة في الإسلام
كامل حسين الجنابي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

معنى العشيرة: 
العشيرة مشتقة من (العشرة) العدد (10)، وحيث إن العشرة من نفسها عدد كامل، فقد سُمّي أقرباء الرجل الذين يكمل بهم عشيرة، ولعل المعاشرة مأخوذة من هذا المعنى؛ لأنها تجعل الناس بصورة مجموعة كاملة(1)، وعشيرة الرجل قرابته سموا بذلك؛ لأنه يعاشرهم وهم يعاشرونه. وجمع عشيرة: عشائر، وجمع قبيلة: قبائل، وجمع شعب: شعوب. ودائرة الشعب أوسع من دائرة القبيلة، فمثلاً: شعب العراق يتكون من عدة قبائل، وإن (الشعوب) إشارة إلى انتساب الناس الى المناطق الجغرافية. أما (القبائل) فهي إشارة الى انتسابهم الى العرق والدم وصلة الرحم.
وقيل الشعوب: هم العجم، والقبائل هم العرب.. وقيل: إن القبائل تتكون من مجموعة عشائر، وقيل: القبيلة هي العشيرة، والعشيرة تتكون من عدة أفخاذ، فمثلاً: قبيلة الجنابيين أو عشيرة الجنابيين تتكون من أفخاذهم: النوافله، والمراشدة، والبو مهلهل، والمصالحة، والصكور، والبو حسون، والسويفات...
وللعشيرة تقاليد وأعراف وسنن حسنة، لإدامة الروابط والألفة، والمساعدة بين الأقرباء والروابط الاجتماعية الحميدة، وتجنب المحارم، وللروابط والتعارف بين العشائر الأخَر، ولحل بعض المشاكل بين أفراد العشيرة أو العشائر الأخَر لخدمة أفراد المجتمع والشعب.
والعرب تتفاخر وتعتز بالقبيلة، وجاء الإسلام وجعل الإيمان بالله والرسول، والجهاد في سبيل الله والإسلام، والحق، والعدل، ومكارم الأخلاق، والعلم والحكمة والعقل للرجل مرتبة عليا تفوق مرتبة القبيلة.. فالرجل بهذه الصفات الحميدة يرفع سمعة القبيلة وشأنها، والعكس صحيح، كما جاء في القرآن الكريم وأحاديث الرسول(ص) والأئمة أهل البيت(ع).
 وقد ذكرت العشيرة في القرآن الكريم في الآيات التالية: (قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ)(2).
في هذه الآية الكريمة نهى اللهُ سبحانه المؤمنين عن مولاة الكافرين، وإن كانوا في النسب والعشيرة والأموال والمساكن أحبّ إليهم من الله ورسوله، والجهاد في سبيل الإسلام.. والله يأتي حكمه بعقوبتهم عاجلاً أم آجلاً.
وفي آية أخرى: (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ)(3)، أي رهطك الأقربين أو الأدنين، وأنذرهم من غير تليين في القول، ولا يداهنهم لأجل القرابة. وقد نزلت هذه الآية الكريمة في السنة الثالثة بدعوته الأقربين من عشيرته؛ لأن دعوته حتى ذلك الحين كانت خفية، وكان الذين دخلوا الإسلام عدداً قليلاً.. ولاشك أن للوصول الى منهج تغييري ثوري واسع لابد من الابتداء من الحلقات الأدنى والأصغر، فما أحسن من أن يبدأ النبي(ص) دعوته من أقربائه وأرحامه؛ لأنهم يعرفون سوابقه النزيهة أكثر من سواهم، كما أن علائق القربى والمودة تستدعي الإصغاء الى كلامه أكثر من غيرهم، وأن يكونوا أبعد من سواهم من حيث الحسد والحقد والمخاصمة.
وفي هذه الآية أمر النبيّ(ص) أن يجعل دعوته علنية، وبدأ ذلك بدعوة أهله وأقربائه من بني عبد المطلب، في دار عمّه أبي طالب(ع) على وليمة غداء، وكانوا يومئذ أربعين رجلاً، فقال النبي(ص): (إن اللهَ تعالى أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين وأنتم عشيرتي ورهطي، وأن الله لم يبعثْ نبياً إلا وجعل من أهله أخاً ووزيراً ووارثاً ووصياً وخليفة في أهله، فأيّكم يقوم فيبايعني على أنه أخي ووارثي ووزيري ووصيي، يكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي من بعدي، فسكت القوم، ثم أعاد الكلام ثلاث مرات، فقام علي(ع) فبايعه.. ثم قال(ص): إن هذا وصيي وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا.. فقام القوم وهم يقولون لأبي طالب: اطع ابنك فقد أمر عليك)(4). وآية أخرى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)(5).
وضح هذه الآية الكريمة رسولُ الله(ص) فقال: إنكم من رجل واحد وامرأة واحدة وهم آدم وحواء، ليس لأحد فضل على الآخر إلا بالتقوى.. ثم ذكر سبحانه أنه فرق أنساب الناس ليتعارفوا لا ليتفاخروا.. وعن الإمام الصادق(ع) قال: ((لتعارفوا)، أي جعلناكم كذلك لتعارفوا، فيعرف بعضكم بعضاً بنسبه وأبيه وقومه، ولولا ذلك لفسدت المعاملات، وخُرّبت الدنيا، وإن أكرمَكم عند اللهِ أكثركم ثواباً، وأرفعكم منزلة عند الله أتقاكم لمعاصيه، وأعملكم بطاعته، وإن اللهَ عليم بأعمالكم وخبير بأموالكم لا يخفى عليه شيء)(6).
ويقول أميرُ المؤمنين علي(ع) في وصيته لابنه الحسن(ع): (وأكرمْ عشيرتَك فإنهم جناحُك الذي به تطير، وأصلُك الذي إليه تصير، ويدُك التي بها تصول)(7).
ويقول أيضاً أمير المؤمنين علي(ع) في مجال العشيرة: (لن يرغب المرءُ عن عشيرته وإن كان ذا حال وولد، وعن مودهم وكرامتهم ودفاعهم بأيديهم وألسنتهم، هم أشدّ الناس حيطة من ورائه، وأعطفهم عليه، وألمهم لشعثه، إن أصابته مصيبة أو نزل به بعض مكاره الأمور، ومن يقبض يده عن عشيرته فإنما يقبض عنهم يداً واحدة، ويُقبض عنه منهم أيدي كثيرة، ومن يلن حاشيته يعرف صديقه منه المودة، ومن بسط يده للمعروف إذا وجده يخلف الله ما أنفق في دنياه ويضاعف له في آخرته، ولسان الصدق للمرء يجعله الله في الناس خيراً من المال يأكله ويورثه، لا يزدادن أحدكم كبراً وعظماً في نفسه، ونأيا عن عشيرته، إن كان موسراً في المال، ولا يفعل أحدكم عن القرابة بها الخصاصة أن يسدها بمال ينفعه إن أمسكه، ولا يضره إن استهلكه)(8).
وقال أمير المؤمنين علي(ع): (وصل امرؤ عشيرته، فإنهم أولى ببره وذات يده، ووصلت العشيرة أخاها إن عثر به دهر وأدبرت عنه دنيا، فإن المتواصلين المتباذلين مأجورون، وإن المتقاطعين المتدابرين موزورون)(9).
الهوامش:
(1)  تفسير الأمثل – مكارم الشيرازي: ج11/ص457.
(2)  سورة التوبة: آية 24.
(3)  سورة الشعراء: آية 214.
(4)  مجمع البيان في تفسير القرآن – للطبرسي: ج7/ص391.
(5)  سورة الحجرات: آية 13.
(6)  مجمع البيان في تفسير القرآن – للطبرسي: ج9/ص206.
(7)  في ظلال نهج البلاغة: ج3/ص529.
(8)  في ظلال نهج البلاغة: ج1/ص170.
(9)  الكافي – الكليني: ج2/ص153.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


كامل حسين الجنابي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/08/13



كتابة تعليق لموضوع : العشيرة في الإسلام
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net