صفحة الكاتب : كامل حسين الجنابي

الاسراف والتبذير... (2)
كامل حسين الجنابي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

2- أحاديث النبي (ص) وأهل البيت (عليهم السلام):
 ذكرنا في الحلقة السابقة حكم الاسراف كما جاء في القرآن الكريم، وهو من أهم المصادر التي نستدل بها على حكم الاسراف حيث نهى الله سبحانه عن الاسراف والتبذير، وذم فاعله ومعاقبته في الدنيا والآخرة.
وفي هذه الحلقة، نتناول سنداً مهماً في الاستدلال على حكم الاسراف والتبذير وهو أحاديث النبي (ص) وأهل البيت (عليهم السلام) وهناك أحاديث كثيرة في هذا الموضوع نذكر بعضاً منها:
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: "قال رسول الله: ما من نفقة أحب الى الله من نفقة قصد، ويبغض الاسراف إلا في حجة أو عمرة" (بحار الأنوار: ج96/ ص124).
هذه الرواية على كون الاسراف مبغوضاً، وإن المبغوض عند رسول الله(ص) هو غير جائز ومحرم في كثير من الموارد:
عن النبي (ص) قال: "إن من أصناف أمتي لا يستجاب لهم دعاؤهم: رجل يدعو على والديه... ورجل رزقه الله مالاً كثيرا فأنفقه، ثم أقبل يدعو يا رب ارزقني، فيقول الله عز وجل: ألم أرزقك رزقاً واسعاً، فهلا اقتصدت فيه كما أمرتك، ولم تسرف ونهيتك عن الاسراف" (الكافي: ج5/ ص100).
 إن النهي عن شيء هو حرمته، وإن الله سبحانه لا يحب المسرفين أي يبغضهم فنهاهم عن الاسراف والتقتير، لكن أمر بين الأمرين الوسطية والاعتدال لا يعطي جميع ما عنده، ثم يدعو الله أن يرزقه فلا يستجيب له.
عن أبي عبيدة رفعه قال: "نهى النبي (ص) عن قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال" (البحار: ج72/ ص302).
واضاعة المال هو السرف أو التبذير الذي عابه الله سبحانه، ونهى عنه الرسول (ص) والنهي للسرف بمعنى محرم.
وقال علي (عليه السلام): "كن سمحاً ولا تكن مبذراً، وكن مقدرا ولا تكن مقترا" (تصنيف غرر الحكم ودرر الكلم: ص360)، بمعنى على الانسان أن لا يكون مبذرا أو مقترا أي يكون وسطا بين الأمرين وهو الاعتدال والوسطية.
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: "إن القصد يحبه الله عز وجل وإن السرف أمر يبغضه الله عز وجل حتى طرحك النواة فإنها تصلح لشيء وحتى صبُّكَ فضل شرابك" (دراسة الاسراف: ص52)، أشار الإمام (عليه السلام) إن النواة يمكن الاستفادة منها كعلف للحيوانات أو زورع لأمور أخرى والتبذير في الماء عندما تصب الماء الزائد من شرابك فإنه اسراف.
وروى بشر بن مروان قال: دخلنا على أبي عبد الله (عليه السلام) فدعا برطب فأقبل بعضهم يرمي النوى قال: فأمسك أبو عبد الله يده فقال: لا تفعل إن هذا تبذير، وإن الله عز وجل لا يحب الفساد" (دراسة الاسراف: ص52).
وفي هذا الحديث، يشبّه الامام التبذير بالفساد والفساد في الشريعة محرم وبالرغم من قيمة النواة القليلة، فإن رميها يعتبر اسرافا وتبذيرا وفسادا وهذا أدنى الاسراف.
عن الشيخ الصدوق في عيون الرضا (عليه السلام) في الذنوب الكبيرة، فقد ذكر الامام الرضا (عليه السلام) للمأمون بعد تعريف الايمان قائلاً: واجتناب الكبائر وهي قتل النفس التي حرّم الله تعالى قتلها... والاسراف والتبذير" (الشيخ محمد الرحماني – فقه أهل البيت (عليهم السلام) - الاسراف على ضوء الشريعة: ص17).
أوضح هذا الحديث أن من الكبائر الاسراف والتبذير عندما قال الامام (عليه السلام) واجتناب الكبائر وهي: منها الاسراف والتبذير.
 بنى معاوية قصر الخضراء الكبير بدمشق فقال أبو ذر: يا معاوية، إن كانت هذه الأموال من الله فهي خيانة، وإن كانت من مالك فهي الاسراف" (بحار الأنوار: ج22/ ص415).
وهذا هو الاسراف في السكن والمباني الحكومية الواسعة الكبيرة والجميلة أكثر من الحد المطلوب هو خيانة لتبذير أموال الشعب، وإذا كان الملك الخاص للأفراد فالإسراف في السكن نهى عنه الله عز وجل.
من كل هذه الروايات نستدل على أن الاسراف والتبذير محرم، وكذلك التقتير محرم بل الوسطية والاعتدال والتدبير في كافة مجالات الحياة اليومية.
3- العقل والعقلاء:
 إن الله سبحانه وتعالى أعطى الانسان العقل؛ لكي يميز بين الصحيح من الخطأ، والجيد والسيء، والايجابي والسلبي، والمفيد والضار..".
قال الامام علي (عليه السلام): "أفضل النعم العقل"، وقال (عليه السلام): "الانسان بعقله"، وقال (عليه السلام): "غاية الفضائل العقل" (تصنيف غرر الحكم ودرر الكلم: ص49، 51، 54).
 إن ما جاء في حكم الامام علي (عليه السلام) هو أن العقل أفضل النعم من الله سبحانه ويمتاز الانسان بعقله، والعقل يجعل الانسان في أعلى مرتبة من الفضائل، وعليه فإن العقل يستقبح الاسراف والتبذير، ويذم فاعله، وينهى عنه، ويؤكد على الاعتدال والوسطية والقصد والتدبير في الحياة.
 كما أن العقلاء مهما كانت معتقداتهم أقروا على استقباح الاسراف وذم فاعله، وان المعنى الاصطلاحي للإسراف" كلما تجاوز حد الذي يستقبحه العقلاء يعد اسرافا" وعن المحقق الأردبيلي (قدس سره) ذكر فيه: إن الاسراف صرف المال فيما يستقبحه العقلاء أو فيما لا ينبغي".
وذكر المحقق السيد الخوئي (قدس سره) في بيان الاسراف: "إن أدلة الاسراف لا تشمل تزيين المساجد لتقوّم الاسراف بفقد الغرض العقلاني".
فإذن، "الاسراف ليس هو مطلق التجاوز عن الحد بل التجاوز الذي لا يكون فيه غرض عقلاني ويستقبحه العقلاء" (الشيخ محمد الرحماني: الاسراف على ضوء الشريعة: ص7).
وعليه، فان الاسراف ما استقبحه العقل والعقلاء، يقول الامام علي (عليه السلام): "لا فقر لعاقل" ويقول (عليه السلام): "العقل أنك تقتصد فلا تسرف" ويقول (عليه السلام) أيضاً: "أدلّ شيء على غزارة العقل حسن التدبير" ويقول (عليه السلام): "لا عقل كالتدبير" (غرر الحكم ودرر الكلم: 51، 60، 354).
ومن المعروف أن التدبير هو الاعتدال والاقتصاد المطلوب وحسن التصرف وكيفية العمل بعقلانية بدون اسراف أو تقتير، وهذا ناتج عن العقل السليم والتصرف الايجابي المفيد في حياته اليومية.
 وهناك بعض الفقهاء عدّ الاسراف من الكبائر حيث نقل صاحب الجواهر عن السيد الطباطبائي بحر العلوم: أنه عدّ الاسراف من جملة الكبائر فقال: الاسراف لقوله عز وجل: "وإن المسرفين هم أصحاب النار" (الشيخ محمد علي الأنصاري: دراسة حول الاسراف: ص55). والذين يدخلون النار؛ لأنهم ارتكبوا الكبائر.
ولكن لا نجزم بكون الاسراف في جميع مراتبه يعد حراما أو أنه كبيرة؛ لأن هناك حالات صرح فيها الفقهاء يكون الاسراف فيها مكروها، مثل قولهم: "الاسراف في ماء الوضوء مكروه" وعليه لا بد من ملاحظة كل حالة بخصوصية هذه الحالة، وملاحظة المناسبات في الحكم على الموضوع.
وهكذا يمكن القول: إن مجمل ما استنتج في حكم الاسراف من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريعة وأحاديث أهل البيت والعقل والعقلاء أن الاسراف والتبذير حرام ويذم فاعله، ومضر للفرد والمجتمع، ويحاسب فاعله في الدنيا والآخرة.
نسأل الله العقل والتدبير.. إنه سميع مجيب.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


كامل حسين الجنابي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/04/19



كتابة تعليق لموضوع : الاسراف والتبذير... (2)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net