صفحة الكاتب : هيام عبد زيد عطيه

المنهجية المقحمــــة (المناهج المعاصرة)
هيام عبد زيد عطيه

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

  صنّف بعضُ النقاد المعاصرين النقد القديم على وفق مناهج النقد الحديث، غير مبالين باختلاف الحال والوقت والموضوع، فقد ذهبت ظنون بعض النقاد اليوم، إلى وجود منهجية في النقد القديم، يمكن أن نستعير لها مسمياتنا الحديثة، أو أن نطبق عليها نظريات معاصرة، غافلين عن مدى التباين بين الحالين في الزمان أو المكان أو غير ذلك.
ووفقاً لذلك، سار كثير من الدارسين، حتى صار الأمرُ ظاهرة تستحق النظر. وليس غريباً ان يُطبق منهج حديث أو غربي على نصوص تراثية، في محاولة تحليل النصوص القديمة بنظريات معاصرة، ما دام لب كثير من هذه النظريات قائماً على حقيقة الشكل واللغة الواقعين في كل النصوص، أوهما النص نفسه؛ لكن الغريب أو المبالغ فيه على وجه الدقة، أن يكون النقد العربي القديم قد عرف شيئاً من آليات المناهج الحديثة، أو أن توجهات معينة وردت فيه تدل على انتماء النظريات المعاصرة إلى النقد العربي القديم.
 فقد أورد السيد قطب في كتابه (النقد الأدبي ومناهجه) مجموعة من المناهج، آمن بتكاملها وعدم إمكانية فصلها، وانها تكفل لنا صحة الحكم على العمل الأدبي، وقد حصرها بأربعة مناهج هي: (الفني، والتاريخي، والنفسي، والمتكامل). ثم راح يبحث عن مواطن هذه المناهج في النقد، فوجد ان بذور هذه المناهج كانت موجودة في النقد العربي، بل ان النقد العربي نفسه قد نشأ على أساس المنهج الفني، وإنه عرف المنهج التاريخي والنفسي. فابن سلام، وابن قتيبة، والآمدي والجرجاني وابو هلال العسكري، وضعوا مؤلفاتهم معتمدين المنهج الفني، أما الجاحظ وابن عبد ربه (ت327هـ) وأبو علي القالي (ت356هـ) والثعالبي، فقد عرّفوا المنهج التاريخي، في حين أن عبد القاهر الجرجاني يمثل المنهج النفسي. وغير ذلك مما يزخر به الفصل الذي عقده قطب للمناهج النقدية.
 وليس ثمة خطيئة في أن يكون العرب قد وضعوا مؤلفاتهم بحسب حاجة أو طريقة تتناغم وثقافتهم أو العصر الذي عاشوا فيه، لكن الصعب التسليم به، ان ابن سلام مثلاً قد عرف المنهج التاريخي بهيأته الأكاديمية المعروفة، وإن عبد القاهر قد عرف المنهج النفسي ومبادئ فرويد النفسية (الوعي واللاوعي والعصاب والنرجسية) وغيرها.. نعم ان ابن سلاّم والثعالبي وغيرهم، رتبوا الشعراء وفق الزمان والمكان وحتى النبوغ، وان عبد القاهر قد تنبه إلى المعاني النفسية، وما يلائمها من ألفاظ، لكن هذا ليس دليلاً على أن تلك التوجهات الفطرية أو المأخوذة عن اليونان، مناهج لها تفصيلاتها النظرية القارّة بحسب ما هي عليه اليوم، أو كما يخبرنا عن ذلك قطب، الذي ذهب لتسويغ آرائه تلك إلى القول، وهو بصدد الحديث عن المنهج النفسي (لا نرى أن منهجهم كان مقصراً أو خاطئاً، لقد اعتمدوا على الملاحظة النفسية في محيطها الواسع، ولم يقتصروا على علم النفس ونظرياته وقضاياه، ونحن لا نزال نرى أن طبيعة الآداب والفنون تلتئم مع طبيعة الملاحظة النفسية – باطنية أو خارجية- أكثر مما تلتئم مع علم النفس الذي يأخذ صفة العلم).
 وواضح مدى ارتباك عبارة قطب التي خلط فيها بين الملاحظة النفسية، وبين علم النفس ونظرياته وقضاياه. وليس هذا حسب، فقد وقع قطب في الارتباك أيضاً، حينما لم يحدد ماهية المصطلحات للمناهج التي اعتمدها على وجه الدقة، وعندما أدخل نفسه في مشاكل تطبيقية تتعلق بعرضه لفقرات من بعض المؤلفات القديمة والحديثة والأجنبية على حد سواء.
وفي الإشكال نفسه وقع الدكتور بدوي طبانة، ولاسيما في دراسته للبيان العربي، عندما ربط البلاغة العربية بالمنهج الفني، وذلك في مقدمة الطبعة السادسة من الكتاب مارّ الذكر، فهو يجعل من البلاغة قوام المنهج الفني، قال: (إن هذه البلاغة… قوام منهج من مناهج النقد الأدبي الأصيلة، وأعني به ما يسمى بـ(المنهج الفني) أو (المنهج البياني)، وهو أقدم مناهج النقد وأرسخها قدماً في تاريخ الآداب الإنسانية كلها؛ لأنه يتخذ مقاييسه من أصول هذا العلم الجمالي وأعني به البلاغة).
 وأحسب أن الدكتور طبانة الذي أراد أن يعظِّم شأن البلاغة العربية، حجّم - ومن حيث لا يشعر - امكاناتها الضخمة في منهج واحد، غاضاً البصر عن كثير من الأشكال المنهجية الأخرى التي وردت في مؤلفات البلاغيين، والتي راعت كثيراً من ظروف النص ماعدا لغته، ثم جعل من البلاغة جزءاً من المنهج وليس العكس، فهي قوامه وليس هو قوامها، هذا بغض النظر عن حقيقة أن المنهج الفني شيء والبياني شيء آخر، نعم لربما يتلاقحان ويأخذ أحدهما من الآخر، بيد أن لكل منهما شأنه وسلطانه.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


هيام عبد زيد عطيه
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/06/23



كتابة تعليق لموضوع : المنهجية المقحمــــة (المناهج المعاصرة)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net