لا شيء إلا الصراحة
د . منهال جاسم السريح
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . منهال جاسم السريح

إنها ليست حكاية من صنع الخيال، ولا خاطرة من بنات الأفكار، ولكنها حقيقة، وأظن بأني لم أكن مخطئا، اذا قلت انها حالة تتكرر في احيان كثيرة، ذلك ان بعض الناس اعتاد أن يخفي الحقيقة ليس على الآخرين فحسب، وانما حتى على نفسه.
وهذا البعض قد يظن ان الآخرين ليس باستطاعتهم أن يكشفوا عمّا يخفيه ويكنّه، لكن الحقيقة لاتخفى، ولابد لها أن تظهرَ جلية واضحة.
ان ماقصدت قوله من وراء هذه المقدمة هو ماحصل امامي في عيادة احد الأطباء من اصدقائي، حين زاره احد المرضى طالبا العلاج...
وبكل تردد مشوب بالخجل، قال المريض: (دكتور اخذت بردا، واشعر الان بحرقة وألم اثناء التبول) ويبدوا هذا الكلام اعتياديا لكثير من الناس، ولكنه يحمل في طيّاته الكثير بالنسبة لذوي الاختصاص، فما كان من الطبيب إلا أن قامَ بفحصه، وتم اجراء التحليلات، فتبيّن ان صاحبنا الذي اخذ بردا، قد أصيب بمرض جنسي لايمكن ان تحصل الاصابة به إلا عن طريق الاتصال والممارسة الجنسية.
وبعد الأخذ والرد في الأسئلة من قبل الطبيب مع مريضه، ظل الأخير مصرّاً على انه لم يفعلْ شيئا مجرد انه (استبرد) وكفى...
الى هنا وانتهت الحكاية...
فاذا سلمنا بأن من حق المريض أن يعبّر عن قلقه بالطريقة التي يريدها، وهو حر في ذلك، ولكن ماذا عسى الطبيب ان يفعل لمريض من مرضاه اذا لم يكشف هذا المريض عن ذاته العميقة، واسرار نفسه الكبيرة، وبأية لغة يستطيع أن يتكلم الطبيب، حتى يعلن المريض سراً من أسراره؟
واذا صحَّ قولُ الطبيب العربي المشهور الرازي من ان (الحقيقة في الطب غاية لاتُدرك) فان هناك حقائق ثابتة، واذا احتاجت اية حقيقة منها لبرهان لاثبات صحتها، فحري بنا ان نسميها نصف حقيقة.
ولكن لماذا كل هذا الاصرار والانكار من قبل هؤلاء المرضى؟ هل اعتادوا على ذلك؟ واذا كان كذلك فانها كما يقولون: (العادة قاهرة)، ولكنها تعود بكل تأكيد الى الخلل في التربية الاجتماعية، والنقص في الثقافة الصحية، وثقة المريض المتزعزعة بنفسه وبالآخرين.
ان منطق الحياة العصرية يرفض اي تعامل كهذا، ولابد ان يحصل نوع من التفاعل والثقة بين الطبيب والمريض، كما يتطلب التعامل الصريح والمكاشفة الصادقة، وتربية النفس للتعود على ذلك.
واذا كان على العاملين في المجال الصحي وخاصة الاطباء منهم، أن يضعوا حجرَ الأساس لرفع المستوى الصحي للفرد والمجتمع ككل، فعلى الآخرين في ذات الوقت ان لا يدسّوا الرمالَ في هذا الاساس، لكي لايصبح رخوا سريع الهدم.
إن التأريخَ العربي يحدثنا، وكذلك التأريخ العالمي، بأن الكثير من الشخصيات كتبت عن ذاتها، وكشفت عن اسرارها وكينوناتها، فكان لها ان تسمو ويكتب لها المجد والتخليد.
إذن... فالقول الفصل هو طرح الحقيقة، فلا شيء إلا الصراحة، طريقنا للتفاعل مع الناس والمجتمع...
ومن هنا نستطيع ان ندخلَ روحَ العصر... إنها الحقيقة... سر الديمومة والبقاء...
فجميل ان تعطي من يسألك ماهو في حاجة إليه... ولكن الأجمل من ذلك كله ان تعطي من لايسألك وانت تعرف حاجته.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat