السيد باقر الصدر و دفاع عن امامة الجواد(ع) في صباه
عبد الناصر السهلاني
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
عبد الناصر السهلاني

في حديث سنده معتبر يرويه الشيخ الكليني (طاب ثراه) في الكافي عن "الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن علي بن أسباط قال:
رأيت أبا جعفر (عليه السلام) وقد خرج علي فأخذت النظر إليه وجعلت أنظر إلى رأسه ورجليه، لأصف قامته لأصحابنا بمصر، فبينا أنا كذلك حتى قعد، فقال: يا علي إن الله احتج في الإمامة بمثل ما احتج به في النبوة فقال: { وآتيناه الحكم صبيا} و { لما بلغ أشده}، {وبلغ أربعين سنة } فقد يجوز أن يؤتى الحكمة وهو صبي، ويجوز أن يؤتاها وهو ابن أربعين سنة." (ج1، ص384)
🏴 الامام الجواد (صلوات الله و سلامه عليه) تسلم الامامة وعمره لا يزيد على سبع سنين، وكان لهذا الامر الملفت والغريب في حياة الائمة (عليهم السلام) اختبار وابتلاء كبير للشيعة فلم يعهد فيمن سبقه من آبائه الكرام، من تسلم الامامة وهو صبي، فشكك الكثير بامامته (عليه السلام).
وقد تناول هذا الموضوع الشهيد السيد محمد باقر الصدر( قدس سره) في احدى محاضراته ورد هذا التشكيك بطريقة حساب الاحتمالات من فرض اربعة فروض
مخالفة للاعتقاد الصحيح بامامته من قبل الشيعة، وانهم انصاعوا له بلا علم ولا دراية وقام السيد بردها.
وقد اختصرتُ هذه الفروض وردها بتصرف يسير بالعبارة وتقديم بعض الفروض على غيرها بما لا يخل بالمطلب، وهي كما يلي :
🏴 الفرض الاول: ان الطائفة الشيعية لم تكن مدركة لمفهوم الامام والامامة والشروط المطلوبة بل تتصور المسالة تسلسل نسبي ووراثي كما هو في القبائل .
وهذا الفرض يكذبه واقع التراث المتواتر المستفيض من امير المؤمنين الى الامام الرضا( عليهما السلام) عن شروط الامام وعلامات الامام، فالتشيع قام بصورة اساسية على المفهوم الالهي المعمق للامامة، وهو : ان الامام انسان فذ فريد في معارفه واخلاقه وقوله وعمله، وهذا المفهوم بشرت به نصوص مستفيضة جدا، فكل الخصوصيات وكل التفاصيل أصبحت بالتدريج واضحة في ارتكاز الطائفة وذهنيتها ومحددة عندهم .
🏴 الفرض الثاني: المستوى العلمي والفكري العام للطائفة وقتئذ كان من الممكن ان يعبر عليه هذا الموضوع، فمن الممكن ان تصدق بإمامة طفل وهو ليس بامام .
وهذا ايضا يكذبه الواقع التأريخي لهذه الطائفة وما وصلت اليه من مستوى علمي وفقهي، فبجهود الامامين الباقر والصادق (عليهما السلام) خلفا أكبر مدرسة للفكر الاسلامي على الاطلاق المدرسة التي تكونت من جيلين متعاقبين، جيل تلامذة الامامين الصادق والكاظم (عليهما السلام) وجيل تلامذة تلامذة الامامين ( عليهما السلام) هذان الجيلان كانا على رأس هذه الطائفة في ميادين الفقه والتفسير والكلام والحديث والاخلاق وكل جوانب المعرفة الاسلامية. فمن المستبعد جدا ان تنطلي على مثل هكذا مجموعة امامة طفل وهو ليس بإمام .
🏴 الفرض الثالث: ان الطائفة لم يتكشف لها جيدا وضع هذا الصبي ولم يكن واضحا لديهم مؤهلاته فأخذوا بامامته مسلمين للاخبار التي وردتهم بامامته .
وهذا الفرض مردود، لان زعامة الامام الجواد (عليه السلام) لم تكن زعامة محوطة بالشرطة، والجيش، وأبهة الملك، الذي يحجب بين الزعيم ورعيته، ولم تكن زعامة دعوة سرية من قبيل الدعوات الصوفية التي تحجب بين رأس الدعوة وبين قواعد هذه الدعوة لكي يفترض ان هذا الرأس كان محجوبا عن رعيته مع ايمان الرعية به.
فإمام اهل البيت (عليهم السلام) كان مكشوفا أمام الطائفة وكانت الطائفة بكل طبقاتها تتفاعل معه مباشرة في مسائلها الدينية وفي قضاياها الروحية والاخلاقية، والامام الجواد (عليه السلام) قضى اكثر عمره وهو على المسرح مكشوف امام المسلمين بما فيهم الشيعة المؤمنون بزعامته وامامته، وقد سلطت عليه اضواء خاصة من قبل المأمون العباسي في مسالة المناضرات امام مخالفيه.
🏴 الفرض الرابع: ان هذه الطائفة اتفقت وتبانت كذبا وزورا على امامة هذا الصبي لمصلحة لها، وفي قرارة نفسها لم تكن مقتنعة بكونه اماما حاله حال من سبقه من آبائه (عليهم السلام).
وهذا الفرض مما لا يكذبه ايماننا الشخصي بورع هذه الطائفة فحسب بل يكذبه الظرف الموضوعي لهذه الطائفة ايضا، فلم يكن التشيع في يوم من الايام في حياة هذه الطائفة طريقا الى الامجاد، الى المال، الى الجاه، الى السلطان، فالتشيع طيلة هذه المدة كان طريقا الى التعذيب، الى السجون، الى الحرمان، الى الويل، كان طريقا للعيش في حياة الخوف والتقية، فلماذا يتبانى عقلاء
هذه الطائفة وعلماؤها على امامة صبي باطلة وهي تكلفهم كثيرا من ألوان الحرمان؟ فالظروف الموضوعية للطائفة كانت بنفسها تشهد على اعتقاد حق بهذه الامامة.
المصدر: كتاب أئمة اهل البيت (عليهم السلام) ودورهم في تحصين الرسالة الاسلامية) ص:(402 - 406)
والسلام على أبي جعفر محمد بن علي الجواد يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيا
اعظم الله تعالى اجوركم
والحمد لله أولا وآخرا، وصلى الله على محمد وآله ابدا.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat