لاتعارض بين الدين والعلم
عبد الناصر السهلاني
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
عبد الناصر السهلاني

نفس الدين بما هو اعتقادات وقوانين صادرة من الله تعالى جزماً، لا يتعارض مع العلم المقطوع بصحته والثابت باليقين لان مصدر الدين والعلم بحسب صفتيهما السابقتين هو واحد، وهو الله تعالى، فلا يمكن ان يخلق الله تعالى الارض كروية، وياتي في دينه يقول انها مكعبة مثلا!!!
🔸نعم المتصور في التنافي هو الافهام غير المقطوع بها سواء ممن فهم الدين او فهم العلم، فان هذين الامرين بالدقة العقلية ليسا علماً ولا ديناً بل هما فهمان يجوز فيهما الاشتباه والخطأ، وعندها ليس بالضرورة ان يكون فهم احدهما دائما هو الصحيح والآخر خاطئ، فقد يرجح بعض الاحيان فهم الدين، وفي بعض الاحيان فهم العلم. بحسب قوة الدليل والقرائن، فما دام كلا الامرين ظنيين فالترجيح لاحدهما بمرجح يكون ممكنا، وهذا بخلاف ما اذا كان احدهما قطعي، والآخر ظني، فالمرجع يكون للقطعي بلا كلام .
فمثلا: من المقطوع فيه في ديننا ثبوت معجزة انشقاق القمر بنص القران والروايات المستفيضة في هذا الحدث من الفريقين، فهذا امر قطعي، فلا يستطيع العلم ان يثبت ويقطع بعدمه ابدا، فان انكر احد هذا الحدث، وفق فرضيات ونظريات علمية مثلا فتبقى في اطار الظن، والظن لا يغني من الحق شيئا، فلا يُركَن له امام اليقين بل يُضرَب به عرض الجدار. لانه لا يمكن ان يكون اليقين في كليهما مع تنافيهما وهما من مصدر واحد فان هذا يؤدي الى اجتماع النقيضين وهو محال عقلا.
ومثال آخر: ان القرآن ذكر شخصية نبي الله ابراهيم على نبينا وآله وعليه السلام، فنقطع بوجوده، فبعدها لا يُلتَفت الى بعض ابحاث الآثاريين باسم العلم عندما يشككون بوجوده بقولهم لم نجد اسماً ولا اثراً لابراهيم في المناطق التي ادعى التراث الديني عيشه فيها، فان ابحاثهم هذه لا تورث اليقين امام يقينية القرآن، فأنى لهم بالقطع بعدم وجوده من جراء هذه المقولات، وكأن من الطبيعي جداً ان تصل لنا آثار اناس عاشوا قبل آلاف السنين !!!
فالحالة الطبيعية هو عدم الوصول، والحالة النادرة هي التي تحفظ فيها اثار الشخص بعد هذه السنين المتطاولة، فوجود آثار لبعض معاصريه هذا هو النادر لا القاعدة، والنادر لا يقاس عليه ويطالب بان يكون باقي الامور على غراره، هذا فضلا عما يحكم به العقل من (ان عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود). فانت ايها الآثاري في هذا العصر لم تجد، ومن قال ان العلم قد اقفل ابوابه عندك ؟!!!
اذن عدم وجود شخص ابراهيم (عليه السلام) مبني على الظنون، والاحتمالات من غير المتيقنين، واما وجوده فمبني على القطع واليقين فلا يلتفت للظن مقابل اليقين .
🔸وكذلك العكس اذا جاءنا حديث منسوب الى المعصوم مفاده مثلا: ان الارض واقفة على قرن ثور، او انها على ظهر حوت، وقد اثبت العلم الحديث بالقطع واليقين بل والحس والمشاهدة ان الارض تسبح في الفضاء لا تستند على شيء مادي، فايضا عندها لا يمكن الاخذ بالتفسير المادي للمروي لانه لا يتعدى الظن، بل يؤخذ بنتيجة العلم القطعية، ومعنى ان لا يؤخذ بالحديث ليس رداً على المعصوم قطعاً بل اننا نحتمل في مثله احتمالات منها:
*احتمال عدم صدوره بالاساس، وانه مختلق، وهذا ليس بمستحيل
*احتمال صدوره، ولكن لا يراد منه المعنى الذي يناقض الحقيقة العلمية القطعية، بل معنى آخر لا نعرفه فيه مجاز مثلا.
*احتمالية صدوره بمعناه المادي المفهوم ظاهرا في ظرف تقية فلا يريد المعصوم مفاده الظاهري ولا يقصده بالافهام .
فالمهم ان نتعامل مع الكلام بصورة لا تصطدم بالحقيقية العلمية القطعية لما هو ثابت عندنا من اساس عصمتهم (عليهم السلام)، وعدم خطئهم واخبارهم بخلاف الواقع، لانه كما قلنا سابقا بان المصدر واحد، فلا يمكن ان يخلق الله تعالى الارض سابحة في الفضاء، ثم يقول انها واقفة على قرن ثور!!!! لما في ذلك من المحذور العقلي، فنجزم بعدم ارادتهم للمعنى المناقض.
📙 وعلى هذا الفهم كان استاذ الفقهاء والمجتهدين السيد الخوئي (طاب ثراه) عندما تعرض لمثل هذا الامر في بحثه الفقهي في كتاب الصلاة حيث تطرق الى رواية صحيحة السند، ورفض دلالتها وحجية مفادها، رغم انها صحيحة السند، واحتمل فيها انها صادرة للتقية، لان مفادها غير مقبول للاخذ به لمنافاته حقيقة علمية ثابتة.
والرواية كالتالي:
عن أبي جعفر(عليه السلام)"قال: يصلى على الجنازة في كل ساعة، إنها ليست بصلاة ركوع وسجود، وإنما يكره الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها التي فيها الخشوع والركوع والسجود، لأنها تغرب بين قرني شيطان وتطلع بين قرني شيطان"
فيعلق عليها السيد الخوئي رحمه الله:
"أنها في نفسها غير قابلة للتصديق، لما فيها من التعليل بأن الشمس تطلع وتغرب بين قرني الشيطان، فان هذا مما لا تساعده الأذهان ولا يصدّقه الوجدان ولا البرهان، فلا سبيل إلى الإذعان به، ضرورة أنه إنما يكون معقولاً فيما إذا كان للشمس طلوع وغروب معيّن، وليس كذلك قطعاً، بل هي لا تزال في طلوع وغروب وزوال في مختلف الأقطار ونقاط الأرض بمقتضى #كرويتها، ومقتضى ذلك الالتزام بكراهة النافلة في جميع الأوقات والساعات، وهو كما ترى. فهذا التعليل أشبه بمجعولات المخالفين ومفتعلاتهم المستنكرين للصلاة في هذه الأوقات، فعلّلوا ما يرتأونه من الكراهة بهذا التعليل العليل. ولأجله لم يكن بدّ من حمل الصحيحة وما بمعناها على التقية، فلا موقع للاستدلال بها بوجه." (مستند العروة الوثقى: ج1، ص362)
📙 وممن ذكر هذا الموضوع ايضا السيد محمد رضا السيستاني (حفظه الله) وذلك في بحثه الفقهي في وسائل الانجاب الصناعية، عندما تطرق الى الروايات التي فيها بعض اوصاف الولد اثناء تكونه بين امه وابيه، قائلا:
"وبالجملة أخبار هذا الباب ضعيفة الأسانيد ومتخالفة المضمون وبعيدة عن مقتضيات العلم الحديث، مضافاً إلى اشتمال جملة منها على ما لا يمكن القبول بصدوره عن أئمة الهدى (عليهم السلام) ففي بعضها أن لحم الولد ودمه وشعره يخلق من نطفة أمه، وعظمه وعصبه وعروقه يخلق من نطفة أبيه!! ... والحاصل أن هذه الروايات مما يصعب الاعتماد عليها في شيء أصلاً." (وسائل الانجاب الصناعية: ص444)
وهنا قد ينقدح سؤال وهو:
بناء على ماتقدم فهل الامر متاح لكل احد ان يقارن وبحجة الحقيقة العلمية يرفض مفاد الاحاديث المنسوبة الى الانبياء والاوصياء ؟!
والجواب: قطعا لا.
فالامر ليس بهذه الصورة من السعة، نعم كما قلنا من ان الثابت القطعي العلمي لا يمكن ان نصدق بنقضه من الدين لان مصدر الخلق والدين واحد. ولا يمكن عقلا ان نتصور الحق في كليهما في امرين متناقضين.
ولكن كيف نعرف بان هذا الثابت العلمي هو قطعي لا يقبل الخطأ، وان هذا المنسوب الى الدين قطعي لا يقبل الخطأ ؟
لابد في الرجوع الى اهل الاختصاص في ذلك.
نعم بعض الامور هي واضحة لا تحتاج الى الرجوع كالامثلة التي تقدمت في ذلك من الجانبين، ولكن ليس كل الامور بهذا الوضوح، وانما كان المقصود من اصل الكلام هو تثبيت اصل هذا الامر وهو عدم تصور التنافي بين العلم والدين على ماتم تبيينه في الحيثية المنظورة في كليهما.
فاذا اخذنا القران الكريم مثلا باعتباره نص قطعي الصدور موحى من الله تعالى الى النبي (صلى الله عليه واله) فرغم انه كتاب هداية في الاساس وليس كتابا علميا بالاصطلاح المتداول اي هو ليس كتاب كيمياء او فيزياء او فلك وما شاكل، لكنه لا يخلو من بعض الاخبارات العلمية، والتحدي قائم على اثبات عدم صحتها بصورة قطعية، فلم ولن يتمكن احد من ذلك، وفرق بين عدم الثبوت، وثبوت العدم، فهب ان العلم لم يستطع اثبات شيء في القران، فهذا لا يدل على بطلان ما في القران، ولا يستطيع عاقل ان يقول ان كل شيء لم يفهمه العلم البشري فهو باطل !! وانما الذي يدل على البطلان ما لو اثبت عدم الصحة او الوجود بصورة قطعية، وأنّى لهم ذلك مع المحدودية الموجودة في الانسان مقارنة مع المخبر الصادق جل وعلا.
والحمد لله أولا وآخرا، وصلى الله على محمد وآله ابدا.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat