صفحة الكاتب : د . عباس هاشم

الحيدري ومحاسبة ومساءلة الإمام المعصوم..وقفة حوار
د . عباس هاشم

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

عندما يزعم السيد الحيدري أن من حق الأمة مساءلة ومحاسبة الإمام المعصوم، فهذا لا يخرج عن إطار ما طرأ على فكره من لوثة عصر الحداثة في المجتمعات الغربية، واعجاب بالنظام الاجتماعي السائد هناك والذي يطلق عليه مذهب الحرية الفردية المطلقة – الليبرالية Liberalism

فالمساءلة مصطلح فاش في الدول الديمقراطية الليبرالية، ويحمل نفسا تشكيكيا، فعندما يُسأل مسؤول في الدولة: من أين لك هذا؟ فدافع ذلك هو الشك في أحد أمرين، إما وجود خطأ من قبل هذا المسؤول، وإما شك في نزاهته وأنه ربما قام باستغلال منصبه، وأنه لم يكن نزيها في تطبيق القانون. ولهذا توضع معايير معينة، لتمكين النواب من مساءلة المسؤولين، فقد يطلب من المسؤول بداية تسلمه منصبه في الحكومة أو البرلمان، ابراز ذمته المالية، وكذلك ثروات بعض أقربائه، وبعد سنوات، عندما يكتشف أنه قد أثرى بشكل مريب، يتم مساءلته عن ذلك.

بالتالي لا يمكن الإدعاء بأن مساءلة ومحاسبة الإمام المعصوم حق لنا، لأن ذلك يحمل شكا في نزاهة الإمام وأنه إما يخطئ بلا قصد أو يتعمد الخطأ ويغل (وما كان لنبي ان يغل)، وكلا الاحتمالين ممنوع في عقيدتنا نحن كشيعة، لأن ذلك يعني عدم عصمتهم عليهم السلام، ولكن بعد أن زعم الحيدري أنه ليس من الضرورة القول بعصمتهم، فمن المتوقع أن يزعم أن من حق الناس محاسبة المعصوم. نعم، يمكن أن نقول أن الإمام يوضع ضوابط لمساءلة المسؤولين في الدولة.

واستدل أحد المدافعين عن هذه الدعوى برواية في نهج البلاغة عن الإمام علي (ع) أثناء فترة حكمه، والملاحظ ان كل من زعم وروج لحق الناس في محاسبة ونقد المعصوم استعان بهذا النص. وهو النص الذي أطرى فيه أحدهم علي الإمام بقوله: "أنت أميرنا ونحن رعيتك".. حتى قال: "فاختر علينا وامض اختيارك وائتمر فامض ائتمارك"

فكان من ضمن رد الإمام الذي مازال البعض يستدل به على القول بنقد المعصوم ومساءلته: ".. فلا تكلموني بما تكلمون به الجبابرة ولا تتحفظوا مني بما يتحفظ به عند أهل البادرة ولا تخالطوني بالمصانعة ولا تظنوا بي استثقالا لحق قيل لي ولا التماس إعظام نفسي لما لا يصلح لي فإنه من استثقل الحق أن يقال له أو العدل أن يعرض عليه كان العمل بهما أثقل عليه فلا تكفوا عني مقالة بحق أو مشورة بعدل ، فإني لست في نفسي بفوق ما أن أخطئ ولا آمن ذلك من فعلي إلا أن يكفي اللَّه من نفسي ما هو أملك به مني ، فإنما أنا وأنتم عبيد مملوكون لرب لا رب غيره.."

والنص لا يستفاد منه ما يدعيه المدعون، ولكن لنتزل معهم ونفترض أن الإمام يأمر بنقده ومساءلته، بل النص قد يفيد احتمال أن الإمام يخطئ، ولهذا فإن ذلك كله ليس حجة على الشيعي الذي يرى فيه معصوما لا يخطئ، وذلك:

أولا: الروايات التي تثبت أن الإمام فوق المساءلة والنقد لكونه معصوما، أكثر من أن تحصى، كقوله عليه السلام: (نحن أهل بين لا يقاس بنا أحد) وقوله: (ينحدر عني السيل ، ولا يرقى إلي الطير ) والكثير جدا من تلك الروايات التي فاقت حد التواتر، ودلالات الكثير من تلك الروايات نص في المعنى، حيث تؤكد بضرس قاطع وجوب طاعتهم بلا مناقشة ولا تشكيك وأنهم فوق ذلك بكثير، ولهذا لابد من توجيه مثل هذه الرواية التي استدل بها الحيدري ومريديه كما سيتضح.

ثانيا: لو كان فعلا يحق للأمة محاسبة ومساءلة الإمام المعصوم، لكان ذلك معروفا من سيرة النبي (ص)، بينما سيرته تأبى ذلك قطعا، والشواهد كثيرة جدا، منها عندما قسم غنائم حنين، وشعور الأنصار بالغبن لأنه لم يعطيهم منها، وقد قام رجل من بني أمية فقال له : " اعدل يا رسول الله ! "فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خبت إذا وخسرت، إن لم أعدل أنا فمن يعدل، ويحك ؟

والتفسير المناسب لمثل تلك الرواية، أن ظرف الإمام علي (ع) مختلف تماما عن ظرف النبي (ص)، حيث لم تتم مبايعته على أساس أنه معين من الله ومعصوم عن الخطأ كما هي عقيدة الشيعة وحديث الثقلين وغير ذلك من النصوص التي تثبت عصمته، وإنما تم اختياره ومبايعته خليفة مثله مثل الخليفة عمر بن الخطاب، لا يفرق عند المسلمين في ذلك. فقد قال: "إنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه".

ولهذا فهو تعامل على هذا الأساس، على أساس أنه خليفة للمسلمين، وليس إماما منصوصا عليه من قبل الله كما يعتقد الشيعة العقديين، فأراد في ظل غياب فكرة عصمته بين غالبية المسلمين أن يؤسس طريقة للأمة تمنع من استبداد الحكام مستقبلا؛ فعلّم الناس مساءلة الحاكم وحفزهم على نقد السلطان، وعرض عليهم منذ البداية ذمته المالية، فقد كان يقول: " يا أهل الكوفة ، إِذا أنا خرجت من عندكم بغير رحلي وراحلتي وغلامي فأنا خائن".

ومن الدلائل على أنه تعمد تعويد الناس على مساءلة السلطان، أن معاوية قال لسودة بن عمارة عندما ذهبت له تشتكي بسر بن أرطأة: "لقد لمظكم ابن أبي طالب الجرأة على السلطان فبطيئا ما تفطمون".

وإلا فكل المعصومين ابتداء من النبي صلى الله عليه وآله حتى آخر معصوم يؤكدون عصمتهم ووجوب الإنقياد التام لهم ويرفضون الرد عليهم، وموقف النبي (ص) مع من اعترض على طريقة توزيعه للغنائم في حنين تؤكد ذلك، وكذلك فإن بعض من تواطأوا على مخاطبة الإمام الحسن (ع) ب"يامذل المؤمنين"؛ ذكرهم الإمام بوجوب طاعتهم له وأنه إمامهم.

ولكن لأن الحيدري اشتبك مع النصوص الحداثية بلا سلاح يمنعها من تشويش فكره، فوصل لهذا الدرك من أجل الترويج لمشروع عرف عنه فيما بعد (حداثة إسلامية) وهو مشروع لا يزيد عن فبركات ولي أذرع الفكر الإسلامي لينتج مقولات تلتقي تماما مع ما أفرزه فكر عصر الحداثة في الغرب، وتوج ذلك بالنظام الليبرالي الذي يعد النظام الاجتماعي هناك.

https://m.youtube.com/watch?feature=youtu.be&v=bW11o9TwWEk

ملاحظة: المقال في مجمل مضمونه منشور سابقا ولكن اليوم ذكرنا المعني به بعد أن تكشفت الأمور بوضوح لنا.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . عباس هاشم
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2019/03/08



كتابة تعليق لموضوع : الحيدري ومحاسبة ومساءلة الإمام المعصوم..وقفة حوار
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net