صفحة الكاتب : د . حاتم عباس بصيلة

قلق الشاعرية بين الايروسبة وروح التصوف في ديوان يحيى السماوي (التحليق بٱجنحة من حجر )
د . حاتم عباس بصيلة


في باديء الامر كنت قد ارنٱيت ان يكون العنوان قلق الشاعرية بين الجنس وروح التصوف وهو امر اقرب الى الوضوح دون قناع لمصطلح بوناني قديم غير ان ما شجعني على هذا العنوان ان جذور الكلمة قد تكون عربية في الرجوع الى مفردة قاموسية تتعلق بالعضو الذكري عند العرب وليس الامر مستغربا فتاريخ العراق القديم مليء بمثل هذه المفردات وبمثل هذه المعاني والامر يحتاج الى دراسة .
ان شاعرا مثل يحيى السماوي يمثل ظاهرة لابد من دراستها ولكن بطريقة اجرأ مما كتب عنه
ولقد وجدت قلقا الى حد التناقض بين معنيين يبدوان متناقضين في الشكل ولكن الحقيقة كانت مجسدة عند الخيام الذي جمع بين الشهوة الجسدية والروح المتصوفة لذاك ليس غريبا ان بكون يحيى السماوي جامعا المتناقضين
ولسوف نرحل في هذا الكتاب لنشير الى ذلك اثناء الرحلة

يقول الشاعر :
كشفت عن الشمسين في العينين
والياقوت في الشفتبن
والقمرين في النهدين
والقداح في الساقين والريحان فوق الركبتين
وتحت سرتها الحبق
وانا كشفت عن الجنون السومري
فشب في حطبي الشبق
اطلقت سهمي نحو قوس السومرية فاخترق /
السهم هنا دلالة العضو الذكري والقوس له دلالة العضو الانثوي /
تفاحة الاثم الحلال بفقه اوروك الجديدة
حيث بغدو العشق خبزا والتهيم معتنق
واللثم ماء
ليس اعظم منه في شفة الظميء ولا ارق
ص٨ـ٩
ويقول ايضا
تحققت نبوءتي لامسح الرمال عن ساقيك حين تركضين مهرة
تغري حصان البحر ان يطيرا
البسك الفستان او امشط الجديلة الحريرا
واكنز الباقوت واللجين
والحقول والقلاع وااقصورا

عبد ولكن الهوى صيرني أميرا
ضوئية البستان والبيدر با أسيرتي
لا تحرمي من قمحك العصفورا
ص ٤٤
ونلاحظ هنا رموزا جنسية فالبستان هو جسد المرأة والمهرة اشارة الى فتوة الانوثة والحصان رمز ذكري
واللجين والياقوت اعضاء الانثى الجنسية ومن الجدير بالذكر ان معنى الانوثة هي الارض المنبسطة
فالانبساط والسهولة من صفات الانوثة المقترنة بالخصوبة
كما نلمس روحية نزار قباني
يقول في موضع ٱخر
امس وكنت حالما
دخلت بستانك فاقتطفت من ثغرك وردتين
وفوق مهوى القرط يا قديستي غرست قبلتين
وصغت باللثم وبالشم قلادتين
واحدة من ذهب الشعر واخرى من يواقيت ومن لجين ص٥٣

ويظهر الاستخدام الذكي لمصطلح مهوى القرط الذي يعني ان المرأة طويلة العنق وهي من صفات الجمال التي يحبها العرب لكنه يقع في اضطراب المعنى حين يصف اقتطافه لوردتين من ثغرها اذ كان اولى به قطف وردتين من خدها او خديها
كما نجد دلالة الحلم في التمتع بحرية من الناحية الحسية
ويقول في موضع ٱخر
لثمت مقلتيهما فانزلقت يداي من ملاسة الصدر وثغري فر من وجهي الى سفوح جنتين
(ويقسم الرغيف ان جاع الى نصفين له وللتي تقد قلبها لاجله شطرين ص٦٠
امس وقد تسلقت وكنت حالما نخلتها قطفت تمرتين
)
ان في مفاهيم ابناء الريف الرمزية ان النخلة هنا هي المرأة وتسلقها يعني مضاجعتها
ويبدو ان الحلم وسيلة تغطي فعلا حقيقيا للهروب من انتقاد المجتمع

يقسم الشاعر في ص٦٣ بالتفاحة المقدسة
والتفاحة رمز الشهوة والاثم والجنس يقول الشاعر
اقسم بالتفاحة المقدسة
وبالندى الناضج من زهرتها
واللذة المحتبسه
ان طقوسي كلها قبلك كانت نزوة مدنسه
ويكفي ان يقسم الشاعر باللذة المحتبسه ويبدو لي ان الندى رمز جنسي ذكري وهو يلامس تلك الزهرة
تتجلى دلالة العجز في الاتصال الحسي لاسباب قد تكون مجتمعية او شخصية في قول الشاعر
لي فيك محراب ومئذنتان
ودعاء معمود وصوت اذان
لا حبل لي فامد دلوي غارقا
ويداي بالاغلال مرسفتان
ان تغفري غفرت ذنوبي كلها
وتطهرت من اثمها ارداني

فالحبل دلالة حسية وهو رمز الوصل بين الاحبة والشاعر هنا يصف عدم قدرته الحسية كما يصف يديه المقيدتين بحكم طبيعة المجتمع
ويضاف الى ذلك رمز المحراب الذكري مع المئذنتين الانثويتين

وقد امتزج توسله بالمحبوبة وطلب رضاها
ويتجسد الجنس الصارخ او الايروسية في قوله :
قطفت من فردوسك الداني من القطوف
والبعيد من شق قميص النوم
والخبيء تحت خيمة الازار
ص ٨١

وفي موضع ٱخر
يقول
سيدة السلام والامطار والحب
شقي من الامام يا زليختي ثوبي
واقتربي اكثر من جفن الى هدب

يقول ايضا في ص ١٠٩
ملتحفين بعضنا يسترنا الظلام لا حمامة الغار ولا خيوط عنكبوت
ننام الا من ثياب التوت
وكان عليه تجنب هذه الصورة التي تثير حساسية نحن في غنى عنها

في ص ١١٨ يتجلى المعنى الايروسي
في قوله
مستنفر النزوات قلبي كان مقهى....
فقلبه مقهى للنزوات
وليس هناك ضابط بحسب المفهوم الشعبي لطبيعة المقهى التي تضم كل من هب ودب

فكل واحدة لها كأس وما ئدة ولي فيها حكايا الف سنبلة وسنبلة بلا قمح وقيثار بتيم الاغنيات
ان طبيعة الشخصية الانثوية هنا جارية على الطريقة الاوربية

الندم والزهد :

يحدث للشاعر دوما ان يشعر بالندم فيصف حالة زهد رغم انفعالاته الحسية مع وصف شاعري جميل يقول من قصيدة بعض الجنون محبب ص ٢٧_ ٢٨
أعجبت انك من ضلوعي اقرب ؟
للقلب ان شرقت أو ساغرب

نحن التقينا جدولين فاصبحا
نهرا سلافته النمير الاعذب
......
واحب فيك من الجنون قليله
بعض الجنون من الحبيب محبب

انا في الهوى طفل يشاكس وحيه
حينا وحينا في ملاطفتي أب

اذ يلاحظ التناقض في العاطفة بين احساس الابوة واحساس العاشق المشتهي
وقد استخدم كلمة الجنون التي تعني ستر العقل او اخفاءه لكن هذا الجنون يكفي القليل منه
ونجد عند الشاعر ميلا للمفاهيم القديمة كمفهوم الحسد
فيطلب من حبيبته ان تفتعل الخصام ليتخلص من الحساد اللئام
قائلا :
تظاهري ارجوك بالخصام كي يفرح فيما بينهم حسادنا اللئام
تظاهري ارجوك بالخصام لو لليلة واحدة في الشهر او يومين كل عام ص٢٧
...
تظاهري ارجوك بالحقد على شعري
وسددي على مشاعري السهام ص٤٩

يرجع الايمان بالحسد الى العراق القديم فقد كانت هناك آلهة تعبد تسمى آلهة العين وهي منحوتات متعددة ومنها الهة العين بسبعة اعين
هناك شعور بالندم واعتزاز وكبرياء في نفس الوقت كما في قصيدة
تسبيحة في محراب الندم
مع ان الابيات الاولى اقرب الى التقريرية لكن فيما بعد سترتقي في الانفعال

كانت صفاتي لو وصفت تبتلي
وهواك في كتب الهوى عنواني

واليوم عنواني اضعت مكانه
واضاعني في الغربتين زماني

بلواي صنع يدي وعذري انني
لا عذر لي فلذائذي شيطاني
ص٧٠
ويقول ايضا :
هل في السماوة عودة وضفافه الطينية الشطآن ؟
واحبة لي ما عرفت كودهم
ودا وليس كصدقهم خلاني؟

انه يعترف بشيطانه وهو نادم على خسارات الاهل والاحبة
لكنه يثور هاجيا كما في قوله :

كم حاقد اشقاه اني ناسج
قزا ونسج يديه من كتان !!
اين الصديد من النمير لشارب
هل صائغ الابريز كالتبان
بجذورها الاغصان لا اوراقها
فمن الجذور السمت للاغصان !!
كم سبني من لا يساوي رأسه
نعلي واشذى من شذاه سياني
وهنا نعترض على المفارقة التي نسجها الشاعر اذ انها لم تكن على مستوى عال في وصف تناقض الاشياء
فالقز راق قطعا ولكن الكتان ليس منحطا بما يكفي ولطالما سمعنا بمدح اهالينا الى الكتان في الاحاديث اليومية اي ان المفارقة ضعيفة
ويكاد يخفت المعنى في وصف صائغ الابريز مقارنة بالتبان فضلا عن احتقار واضح للمهن الشعبية
وفيما وصف للجذور فانه يذكرني بوصف الجواهري
في يا دجلة الخير قائلا
لم تدر ان جذوري غير خائسة
كجذرها ....الخ
وامر وصف قوله واشذى من شذاه سياني
اذ لا ينبغي للشاعر وهو صياد الجمال ان يكون له سيان اصلا

لكنه يسمو بوصف الحب والغربة معا قائلا:
عيناي بعد اليوم مغلقتان
الا عليك فاشهدي اجفاني

ازف الوداع وناتزال سفينتي
في الغربتينحبيسة الخلجان

سبع فلا ندري انحن ذوو حجى
ام اننا في العشق مجنونان
سبع على شدو نعيش كاننا
لفم الصبابة والهوى شفتان ص٧٣
الشيء كاللاشيء في عرفاني
ان لم اكن منك القصي الداني
هيهات. احسب من محضت بها الهوى
ستقيم مأدبة على جثماني
جحدت سوى مائي لقمح حقولها
وجحدت الا وحيها لبياني
ص٧٥
ولقد يبرأ قاتل من جرمه
ولربما كان القتيل الداني ص٧٦

يتجلى التناقض في المقاطع التالية
سيان عندي ان اصنف مؤمنا
او انني عبد الغرام اصنف
مادمت اعرفني فليس بضائري
ان قيل خطوي راسخ او او احنف
..
لي موقفان معي بسلم تبتلي
وعلي في حرب اللذاذة موقف
وامر انواع البكاء على امريء
جلد العيون وليس دمعا تذرف

ما عدت اعرف هل انا متبطر
نزق المنى ام انني متصوف

عيناي فاسقتان في عرف ألتقى
لكن قلبي ناسك متعفف
ان كنت زاهدة فقلبي مصحف
او كنت مسرفة فاني مسرف ص٩٧
وفي ذلك اعتراف جمالي صادق في تناقضه بين التصوف واللذائذ الحسية

وهو يعترف بخيبته في العشق قائلا:
اتقدم العشاق في غرس المنى
لكنني عند الجنى متخلف
ص٩٩
والمشكلة في الشاعر انه لاذع الهجاء كما في قوله
ومهتك حسب الزعيق ترنما
فمضى به وهو الاناء الاجوف

اوليس عجبا ان يغني اخرس
فيصاخ سمعا والاصم يشنف

زمن رأينا فيه كل عجيبة
حتى الاسى في يومه متطرف

يستمر الشاعر في وصف ندمه كما في قوله:
وكنت من قبلك يا آسرتي
اولد كل ليلة على سرير لذة لكنني
كل صباح كنت من ندامتي أموت
ومع ان الشاعر يعد قامة شعرية عراقية راقية الا انه يقع في السطحية في بعض الاحيان كما في قوله:
مازلت اذكر ما جنيت من العقاب الانثوي
عبرت عن رأي وتجربة فقلت
مضيفات خطوط موزمبيق لا يشبهن في سحر الانوثة مثل سحر مضيفات خطوط هولندا فان الفرق بينهما كما بين الحصى واللؤلؤة ص١١٤

اذلا يليق هذا التمييز العنصري وان كان يجنح للجمال

في تناقضاته الجمالية يقول الشاعر
تعبت من السهر النجوم وما تعبت
اانا صدى صمت تهشم ام انا للصمت صوت ؟
انا لست بالحلاج كيف اذن على قلمي صلبت
او ليس عجبا انني من قبل ان احيا حياتي مثل باقي الناس مت
ويقول الحلاج في اصل المعنى
اقتلوني يا ثقاتي
ان في قتلي حياتي

ثم انه يقع في ضرورة ليست ضرورية في هجائه كما في قوله
الواقفون وطول قامتهم
اعلاهمو ظل لمنبطح
يستكثرون على ان يدي
بيضاء ما خانت ولم تبح
الآن مغتبقي بغير هوى
ومكارم الاخلاق مصطبحي

قفزوا فما جازت رؤوسهمو
شسعي وهل حجر كذي سفح
ويمكن البقاء على الكلمة بفتح السين دون اللجوء الى الضورة غير الضرورية

خلاصة وختام
الشاعر يحيى السماوي شاعر جميل يمتلك خيالا واسعا ورقة في الكلمات وقدرة على تطويع اللغة
* استخدم الشاعر الايقاع الدائري في قصائده ولا ادري لم ذكرني بايقاع قصائد الشاعر فاضل عزيز فرمان القصيرة وبروحية نزار قباني
* يقع الشاعر في ارتباك وهو يصور المفارقة واحيانا لا تٱتي الصورة في محلها
* يرتبك الشاعر كثيرا وهو يقع فريسة التناقض بين ايروسيته وروحه المقتربة من التصوف ولكنها ليست متصوفة
*كان ينبغي اختيار عنوان اقرب الى الحرية فالاجنحة الحجرية تشير الى التقيد والابداع خيال وحرية


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . حاتم عباس بصيلة
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2024/12/24



كتابة تعليق لموضوع : قلق الشاعرية بين الايروسبة وروح التصوف في ديوان يحيى السماوي (التحليق بٱجنحة من حجر )
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net