لا يخفى على القارئ المتابع الدراسات المتعددة بشان ادب نجيب محفوظ واهميتها الفنية ولكننا سنشير الى شيء لفت انتباهنا على استعمال المخلوقات كرمز في الاشارة الى المعنى التعبيري في رواية( ثرثرة فوق النيل) هذه المخلوقات ذات مدلول تعبيري رمزي لافت للنظر و اذا كانت الدراسة التي قام بها الدكتور صالح هويدي بشان التوظيف الفني للطبيعة في ادب نجيب محفوظ رائعة في هذا المجال فاننا لا يمكن ان نغفل جانبا من جوانب التوظيف الفني في استخدام مخلوقات معينة لاتمام الحدث ورسم صورة تعبيرية بهذا الخصوص وهذا ليس غريبا في تاريخ الرواية واصولها الاولى كالحكاية الشعبية التي كانت الحيوانات تؤدي فيها دورا مهما الى درجة ان تاخذ الدور البطولي في غابر الازمان فحكاية الحيوان تعد من ا قدر اشكال الحكايات الشعبية(١)
اما اليوم فان هذه المخلوقات اخذت تؤدي دورا فنيا مهما ورائعا في نقل الصورة الرمزية بشكل خاص على وفق حدث معين ففي روايو ثرثره فوق النيل تتكرر صور الحيوانات بطابعها الرمزي ذي الصيغة الواقعية مثل قوله( وذكره البرص برئيس القلم ولكن ماذا ؟ صفحه 15) حيث نلاحظ الاشارة الذكية في هجاء رئيس القلم بوصفه برصا تجاه احد الموظفين الذي هو واحد من جماعة العوامة وفي موضع اخر( الم تر عفريتا في حياتك صفحه 18) في وصف واحد من الشخصيات وياخذ الحمام دوره الرمزي في الاشارة الى السلام والطمانينة في اثناء وصف الطبيعة( وابت اسراب الحمام البيض تطير ذراعا فوق النيل صفحه 22 وفي الاشارة الى الاستغلال يقول نجيب محفوظ: وانعقدت هالة من الهاموش حول مصباح النيون صفحه 29) وعند وصفه للعم عبده في جسده الهائل ووضعه الخاص يشير اليه بالقول: انه من نسل الديناصور صفحه 30) والاشارة هنا توحي لنا بالانقراض لان الديناصور مهما كان في قوته الهائلة فانه اصبح رمزا للفناء وهذا يتلاءم ومذهب العبث في الكتابة وفي بعض الاحيان يصبح الرمز لمخلوق معين خلفية لاكمال المناظر في الحدث الروائي مثل (وحل صمت مؤقت فارتفعت قرقرة الجوزة وترامى من الخارج نقيق ضفدع وصراخ صراصر الليل) وقد يحدث ان يكون معادلا لطبيعة الحدث مثل ورنا الى الظلمة خارج الشرفة( راى )صوتا هائلا يقترب فيه هدوء من العوامة صفحه 31) فالرمز ياخذ بعدا عميقا عندما يصبح دالا على قصة تاريخية معينة كما هو الحال في الاشارة الى كليوباترا وانطونيوس صفحه 41 حيث ذكر الحية التي لدغت كليوباترا في الحدث التاريخي المعروف اضافة الى ذكر السيف الذي هو رمز اخر خارج عن موضوعنا ومن المعروف ان السلحفاة مخلوق بطيء صار رمزا ومثلا للتراخي وربما الصبر والقدم وقد يتعدى ذلك الى الحكمة بعده مخلوقا معمرا وفي ظني ان ذكره في صفحه 42 يؤكد القدم بينما ياخذ الخفاش رمزا تشاؤميا عندما يشير اليه بالقول (ومرق خارج الشرفة خفاش كالرصاصة صفحه 47) وقد اقترن مروقه بالرصاصة التي هي رمز للقتل او الموت.
ان ذكر نجيب محفوظ لمخلوقاته في هذه الرواية كان دليلا على تشاؤم الرؤيا في تلك الفترة حيث لا يوجد هدف معين من الحياة في الاطار الفلسفي لشخصيات الروايه العبثية ويكفي ان كل الشخصيات كان على سطح العوامة غير المستقره من هنا كان ذكره للحنش وهو كل ما يصاد من الطير والهوام او هو الحية او الافعى دليلا على رموزه التشاؤمية وان هناك من هو مستغل واخرون مستغلون وقد حدث مثل هذا في قوله( وثمت اسد واحد يلتهم اللحم ويرمي للاخرين العظام صفحه 70)
في صفحه 90 يذكر نجيب محفوظ النسور وهي جوارح لا تستنكف من اكل الجيف ومن اللافت للنظر انه اشار للهاموش الذي يحوم حول مصباح النيون صفحه 70 وهو رمز اخر للطفيليين من البشر بينما الرموز الجميلة تهاجر من هذه الاجواء ذوت الخضرة وهاجرت الطيور وهلك الحيوان صفحه 90 حيث تظل الحشر ات على لسان الشخصيات متكررة في اكثر من موضع فواحسرتاه على نسيج العنكبوت الذي غنى ذات مساء في قريتنا مع نقيق الضفادع صفحه 103)
ان نجيب محفوظ يؤكد مذهبه العبثي بصورة مباشرة حيث يصف احد رواد العوامة بالقول( تمطت شياطين العبث نفسه فقال محتجا صفحه 139) وقد يعمد الكاتب على تكرار الرمز كما هو الحال في تكراره للبرص في صفحه 15 6 بالقول راها البرص فوق باب الشرفة) ويظل الامل في التخلص من لا جدوى الحياة هما للكاتب ذاته على لسان احدى شخصياته( اني ابحث عن قط لكثرة الفئران والصراصير و الابراص صفحه 58 ولا ينتفع مخلوق في هذه العوامة كالفئران والصراصير والابراص صفحه 161 والحشرات في اغلبها ضار للانسان وهي رمز الانتفاع والامتصاص والطفيلية وفي صفحه 174 تطالعنا صورة حية تسعى حول غصن وهي صورة برغم جمالها مرعبة ذات دلاله على الغدر الذي تتسم به الحية ويؤكد الكاتب على العفاريت ( هل تؤمنين بالعفاريت؟) وكان اصلاح العالم يحتاج الى العفاريت التي هي نوع من الجن ذي القدرة على صنع المعجزات واخيرا ينهي الكاتب روايته بتاكيده ان اصل المتاعب مهارة قرد صفحه 223 ولا يخفى على القارئ
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat