صفحة الكاتب : د . حاتم عباس بصيلة

عظمة السياب وصدق التجربة الوجدانية
د . حاتم عباس بصيلة

تكمن عظمة السياب الأسلوبية والشخصية في التعامل مع تفاصيل الحياة الجمالية فهو لا يصطنع الاشياء في الكتابة او الخطاب الجمالي والصورة الجمالية مع صدق التجربة الخاصة به وسوف ناخذ امثلة من ديوانه منزل اقنان مثالا على ذلك
في صفحه 5نقرأ

رحل النهار
ها انه انطفات ذبالته
على افق توهج دون نار
وجلست تنتظرين عودة سندباد من السفار
والبحر يصرخ من ورائك بالعواصف والرعود
هو لن يعود
او ما علمت بانه اسرته الهه البحار
في قلعة سوداء في جزر من الدم والمحار
هو لن يعود
رحل النهار
فلترحلي هو لن يعود!!
في موضع اخر يقول:
رحل النهار
هيهات ان يقف الزمان
تمر حتى باللحود
خطى الزمان وبالحجار
رحل النهار

السياب من اكثر شعراء الحداثة احساسا بالموت والفناء يقول من الديوان في صورة شعر9يه مبتكرة كعادته
هدير البحر
يفتل من دمائي من شراييني
حبال سفينة بيضاء ينعس فوقها القمر
ومن شباكي المفتوح تاتيني
خلف طيفه في صحوها المطر
ويقول في وصف الموت من قصيده نداء الموت متوجسا منه:
اعناقهم من الوف القبور يصيحون بي ان تعال
صفحه 12
ويبدو لي ان السياب اكثر الشعراء تعطشا لحنان المراه اذ يقول في قصيده خذيني صفحه 18 خذيني اطر عطر في اعالي السماء
صدى غنوه كركرات سحابه خذيني صوره الكابه تشد بروحي الى قاع بحر بعيد القرار خذيني اكن في دجاك الضياء خذيني الى صدرك المثقل بهم السنين خذيني فاني حزين
ولا تتركيني على الدرب وحدي
اسير الى المجهل
وكانت دروبي
خيوط اشتياق ووجد وحب
الى منزل في العراق
تضيء نوافذه ليل قلبي
في مجال الروح المتصوفة والقناعة بما يحدث لها من مصائب واو صاب يقول السياب من قصيده سفر ايوب:
لك الحمد مهما استطال البلاء
ومهما استبد الالم
ف ان الرزايا عطاء
وان المصيبات بعض الكرم 24
وتحيلنا هذه القصيده الى قصيدة سومرية قديمة منذ الاف السنين قبل الميلاد قصيدة ايوب السومري
في شوقه الى بلاده وهو يعاني محنة المرض يقول السياب: اصرخ
في شوارع لندن الصماء احبائي
ولو اني صرخت فمن يجيب صراخ منتحر
صفحه 32
ويقول ايضا حامدا ربه:

لانه منك حلو عندي المرض
حاشا فلست على ما شئت اعترض

وفي ذلك قمة صدق التجربة الشعرية والوجدانية
ويقول في المقطع الخامس من سفر ايوب:

ايها االثلج رحماك اني غريب
في بلاد من البرد والجوع سكرى

ان لي منزلا في العراق الحبيب
صبيتي فيه تعكلك صخرا

اه لولاك يا داء ما عفت داري
ما تركت الزهور التي فتحت
في جداري
والعصافير في ركن بيتي لهن اختصام
مر يوم فشهر فشهر فعام

وفي ذلك قمه الاشتياق الى وطنه وبيته ويقول في المقطع السادس في صوره اخرى وهو يصف المدفاه الحمراء:

خيال الجسد العاري
يطل علي محمولا من النار

من المدفاه الحمراءذاك الرحم الضاري
ويقول في خياله العجيب متصورا شوقه واشتهاءه من خلال الخيال المنبعث من المدفأه الحمراء

جسد علي يطل كيف اشاء اعصره
كما اهوى
ولا يقوى على رفضي
على تهديم عرش من لظى وار
أتوج فوقه الامال راعشة القوى شهوى

ولاول مرة يذكر السياب حبيبته الشاعره لميعة عباس عماره اذ يقول في المقطع الثامن:

ذكرتك يا لميعه والدجى ثلج وامطار
ولندن مات فيها الليل
ما تتنفس النور
رايت شبيهة لك شعرها ظلم وانهار
.......
احن لريف جيكور
ويقول في موضع اخر وهو يذكر حبيبته الشاعره لميعه

ذكرت يديك ترتجفان من فرق ومن برد
تنز به صحارى للفراق تسوطها الانواء

ذكرت شحوب وجهك حين زمر بوق سياره
ليؤذن بالوداع
ان عظمة السياب في بساطة الطرح وفي تلك الكلمات المفهومه رغم الصورة الجمالية المركبة التي يبتكرها دائما ولدى السياب القدره في وصف الفناء عجيبة
يقول في قصيده منزل الاقنان في جيكور:
خرائب فانزع الابواب عنها تغد اطلالا
خوال قد تصك الريح نافذه فتشرعها
الى الصبح
تطل عليك منها عين بوم دائب البوح
وسلمها المحطم
مثل برج دائر مالا
يئن اذا اتته الريح تصعده الى السطح
سفين تعرك الامواج الواحه
وتملا رحبه الباحه
زوائب سدرة غبراء تزحمها العصافير
تمد خطى الزمان بسقسقات والمناقير
كافواه من الديدان
تاكل جثه الصمت
وتملا عالم الموت
السياب يعيش في كلماته عالم الخراب اروع تصوير في عالم الفناء
كما في هذه الصورة التي جسدها في هذا المقطع:
وكم الم طويت وكم سقيت بمد مع جاري
وكم مهد تهزهز فيك كم موت وميلاد

ونار اوقدت في ليله القر الشتائيه
يدندن حولها القصاص يحكى ان جنيه

فيرتجف الشيوخ ويصمت الاطفال في دهش واخلاد
كان زئير الاف الاسود يرن في واد

ضلوا حيارى فيه ثم ترن اغنيه
اتى قمر الزمان..... دندن القصاص جنيه!!
وينهي قصيدته منزل الاقنان بقوله

الا يا منزل الاقنان سقتك الحيا سحب
تروي قبري الظمان
تلثمه وتنتحب
لم اجد وصية شعرية اصيلة وخالدة مثل وصية السياب وهو على فراش المرض حيث كتب في قصيدته وصية من محتضر
هذا التساؤل:
اين العراق واين شمس ضحاه تحملها سفينه؟
في ماء دجله او بويب اصداء الغناء
خفقت كاجنحه الحمام على السنابل
والنخيل من كل بيت في العراء
من كل راقية تدثرها ازاهير السهول
ثم يقول :
ان مت يا وطني
فقبر في مقابرك الكئيبه
اقصى مناي وان سلمت فان كوخا في الحقول
هو ما اريد من الحياة فدى صحاراك الرحيبه
ارباض لندن والدروب ولا اصابتك المصيبه

ثم يقول: في المقطع الاخير :
يا اخوتي المتناثرين من الجنوب الى الشمال
بين المعابر والسهول وبين عالية الجبال
ابناء شعبي في قراه وفي مدائنه الحبيبه
لا تكفروا نعم العراق
خير البلاد سكنتموها بين خضراء وماء
الشمس نور الله تغمرها بصيف او شتاء
لا تبتغوا عنها سواها
هي جنة فحذار من افعى تدب على تراها
انا ميت
لا يكذب الموتى واكفر بالمعاني
ان كان غير القلب منبعها
فيا الق النهار
اغمر بعسجدك العراق
فان من طين العراق
جسدي
ومن ماء العراق

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . حاتم عباس بصيلة
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2024/08/01



كتابة تعليق لموضوع : عظمة السياب وصدق التجربة الوجدانية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net