في ذكرى وفاة أمير الريّ
السيد محمد رضا شرف الدين
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
السيد محمد رضا شرف الدين

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سادة الأنام محمد وآله الكرام واللعن على أعدائهم اللئام.
السيد الكريم عبد العظيم (الحسني):
ابن عبد الله بن علي بن الحسن بن زيد بن السبط الأكبر إمامنا الحسن المجتبى عليه السلام.
العالم العامل العابد الزاهد التقي النقي الورع المرضي الفقيه المحدث المؤلّف المجاهدُ المهاجرُ أبو القاسم العلوي الحسني صلوات الله وسلامه عليه.
منارٌ تقاصرَتْ دون وصفه الكلمات، وقِمّةٌ لا تُجاريها ذُرى الجبال الراسيات، كَريمُ النَّجار، متقلداً أغلى أوسمة الفخار، سَريّ السُلالة الحَسَنيَّة، والمُستأثر بالمَآثِر السنيَّة. حباه الله بصحبة عين الحياة، ففاز من سائغ روائها بالقدح المعلّى حتى صدر عن موردها ريانَ الفؤاد مُتَوّجاً بالرَّشاد مِشْعَلاً مُتَوَهِّجاً يُوقَد مِن شَجَرةٍ مُبارَكَة زيتونة في عصر غمَّتْ فيه الظلمات.
عاصر حجج الله على الأنام الرضا والجواد والهادي ^ فكان من خواص حوارييهم، أثيراً لديهم مُقَرّباً منهم مُكرَّماً عندهم شاهدين له بالولاية الحقَّة والدّين المَرْضيّ والكفاءة العالية.
ومما يَشهد بدوره المَعْرِفيّ الرائد وجهاده التربوي الجبّار ونفوذه الاجتماعي الفَعّال مُلاحقة السلطة له وسعيها الدؤوب لإلقاء القبض عليه مع بُعْدِه كلَّ البُعد عن الكفاح المسلح والحماس الأجوف.
فساح في البلدان متنكرا ثم ألقى رحاله في أرض الرَّي فكان فيها قِبلة القُصّاد ومَقصد الأوتاد وملاذ العباد يفيض عليها من الفضل والفضائل ما كنزه من سادته ^ حتى اختاره الله إلى جواره مظلوماً شَريداً غَريباً عن الأوطان لتكون بقعتُه شمسَ المعاني ومَبلَغَ الأماني في تلك النواحي.
وعَتَبَتُهُ المُقَدّسة منذ حينها مَلْثَماً يتهافت عليه أكابر العلماء وصَفْوَةُ الصُّلحاء تَعْنو عندَها وجوه السلاطين وتطوف بروضتها جموع المؤمنين.
وها هو مرقده اليوم من الرَيّ وطهران درةُ تاجها، لا يضاهيه في عليائه ولا يُدانيه في سُمُوّ عَلائه عَلَمٌ مِنَ الأعلام مِنْ شيخنا الصَّدوق وقُبَّته التي هي عَلى مَقْرُبَة منه فَمَنْ دونه مِنَ المزارات المنتشرة في طول العاصمة الإيرانيّة وعرضها، فَمَنْ زهد في زيارةِ تلك البقعة الطاهرة فقد دَلَّلَ على جهله أو جهالته وقد جفا نبيَّ الرَّحمة ولَم يَرْعَ حُرمته وحُرمة عترته، أعاذنا الله من دركات الشقاء.
************
نبذة عن حياته المباركة:
وُلد في مدينة جده الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله في يوم الخميس الرابع من شهر ربيع الثاني من سنة مائة وثلاث وستين للهجرة وكانت وفاته في يوم الجمعة الخامس عشر من شهر شوال المكرَّم سنة مائتين واثنين وخمسين للهجرة، فيكون عمره الشريف آنئذ تسعا وسبعين سنة.
زوجته هي السيدة خديجة بنت الشريف الزاهد الورع القاسم بن الحسن بن زيد بن الإمام الحسن السبط عليه السلام.
أقوال الأعلام فيه:
جاء ذكره على لسان أكابر العلماء من المتقدمين والمتأخرين منهم الشيخ الصدوق حيث عقب على رواية في الصوم فقال: ِ وهذا حديث غريب لا أعرفه إلا من طريق عبد العظيم بن عبد الله الحسني المدفون بالري في مقابر الشجرة وكان مرضيا ـ رضي الله عنه ـ.
وقد كرر الصدوق وصفه هذا في مشيخة الفقيه أيضاً.
وذكره النجاشي في رجاله حيث قال ما نصه:
«عبد العظيم بن عبد الله بن علي بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام، أبو القاسم. له كتاب خطب أمير المؤمنين عليه السلام، قال أبو عبد الله الحسين بن عبيد الله: حدثنا جعفر بن محمد أبو القاسم قال: حدثنا علي بن الحسين السعد آبادي قال: حدثنا أحمد بن محمد بن خالد البرقي قال:
كان عبد العظيم ورد الري هاربا من السلطان، وسكن سربا في دار رجل من الشيعة في سكة الموالي، وكان يعبد الله في ذلك السرب، ويصوم نهاره، ويقوم ليله، وكان يخرج مستترا فيزور القبر المقابل قبره، وبينهما الطريق، ويقول: «هو قبر رجل من ولد موسى بن جعفر عليه السلام». فلم يزل يأوي إلى ذلك السرب، ويقع خبره إلى الواحد بعد الواحد من شيعة آل محمد صلى الله عليه وآله حتى عرفه أكثرهم. فرأى رجل من الشيعة في المنام رسول الله صلى الله عليه وآله قال له: إنَّ رجلاً من وُلدي يُحمَلُ من سكة الموالي، ويُدفَنُ عند شجرة التفاح، في باغ عبد الجبار بن عبد الوهاب ـ وأشار إلى المكان الذي دفن فيه ـ فذهب الرجل ليشترى الشجرة ومكانها من صاحبها فقال له: لأي شيء تطلب الشجرة ومكانها؟ فأخبر بالرؤيا، فذكر صاحب الشجرة أنه كان رأى مثل هذه الرؤيا، وأنه قد جعل موضع الشجرة مع جميع «الباغ»(البستان بالفارسية ) وقفاً على الشريف والشيعة يُدْفَنون فيه.
فمرض عبدُ العظيم ومات رحمه الله، فلمّا جُرِّدَ ليُغَسَّل وُجِدَ في جيبه رُقعةٌ، فيها ذِكْرُ نَسَبِه، فإذا فيها: «أنا أبو القاسم عبد العظيم بن عبد الله بن علي بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام».
أخبرنا أحمد بن علي بن نوح قال: حدثنا الحسن بن حمزة بن علي قال: حدثنا علي بن الفضل قال: حدثنا عبيد الله بن موسى الروياني أبو تراب قال: حدثنا عبد العظيم بن عبد الله بجميع رواياته». انتهى كلام الشيخ النجاشي عليه الرحمة.
وقال شيخ الطائفة الطوسي في الفهرست:
عبد العظيم بن عبد الله العلوي الحسني. له كتاب، أخبرنا به جماعة، عن أبي المفضل محمد بن عبد الله الشيباني، عن أبي جعفر ابن بطة، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عنه. ومات عبد العظيم بالري، وقبره هناك.
وقال الشهيد الثاني في حاشيته على الخلاصة:
«هذا عبد العظيم المدفون في مسجد الشجرة في الري وفيه يُزار وقد نص على زيارته الإمام علي بن موسى الرِّضا عليهما السلام قال: من زار قبره وجبت له الجنة.
ذكر ذلك بعض النسابين».
وقال شيخنا الجد الحر العاملي قدس سره في خاتمة الوسائل:
«عبد العظيم بن عبد الله بن علي بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي ابن أبي طالب، أبو القاسم: كان عابداً، ورعاً، وله حكاية تدل على حسن حاله.
وقال ابن بابويه: إنه كان مرضياً. قاله العلامة، ونحوه النجاشي. وروى الصدوق في (ثواب الأعمال): أن زيارته كزيارة الحسين عليه السلام».
وقال قاضي القضاة نور الدين السمهودي الحنفي في طبقات الأشراف:
«كان جليلاً عالِماً زاهداً يصومُ النَّهارَ ويَقومُ الليل.
له كتاب يوم وليلة وشرح خطب علي بن أبي طالب عليه السلام وهو كتاب كبير.. وزيارته كزيارة الحسين عليه السلام».
وقال النسابة الشريف علي بن محمد العمري العلوي في المجدي:
«فأما عبد العظيم، فكان رجلاً عظيما، قبره بالرَّي يُزار».
وقال الشريف شيخ الشرف العبيدلي في تهذيب الأنساب:
«قبره بالرَّي له مشهد يُزار ويُعظّم»( ).
وقال الشريف إبراهيم بن ناصر بن طباطبا في منتقلة الطالبية:
«(بالري) أبو القاسم عبد العظيم بن عبد الله بن علي بن الحسن بن زيد بن الحسن من ناقلة طبرستان وهو المحدث الزاهد صاحب المشهد في الشجرة بالري وقبره يزار وأمه أم ولد..».
وقال أبو نصر البخاري في سر السلسلة العلوية:
«قال: أبو على محمد بن همام: حدثني عقبة بن عبيد الله بن علي عن الحسن ابن علي العسكري عليهما السلام أنه سُئل عن عبد العظيم بن عبد الله الحسنى، فقال: «لولاه لقلنا ما أعقب علي بن الحسن بن زيد بن الحسن السبط بن علي عليهما السلام».
ثم أردف متحدثاً عن ولده فقال:
«(سرٌ) قال: وَلَدَ عبدُ العظيم بن عبد الله ـ مُحَمَّدَ بن عبد العظيم بن عبد الله وكان زاهداً كبيراً». اهـ.
************
فضل زيارته:
روى الشيخ الجليل والمحدث الكبير جعفر بن محمد بن قولويه القمي قال: حدثني علي بن الحسين بن موسى بن بابويه، عن محمد بن يحيى العطار، عن بعض أهل الري، قال: «دخلت على أبي الحسن العسكري عليهما السلام، فقال: أين كنت؟!
فقلت: زرت الحسين بن علي ’.
فقال: أما إنك لو زرت قبر عبد العظيم عندكم لكنت كمن زار الحسين عليه السلام».
رزقنا الله في الدنيا زيارته وفي الآخرة شفاعته وشفاعة آبائه صلوات الله عليهم أجمعين.
كتبه عبد آبائه الطاهرين محمد الرضا شرف الدين
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat