سفرة من قرية جويدة (ناحية الرشيد إلى بغداد عام 1957م )
عباس العيفاري
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
عباس العيفاري

من قرية جويدة ( ناحية الرشيد جنوب بغداد ب25 ) سافرت الى بغداد مع والدي لأول مرة عام 1957 في ذلك اللوري الكبير الذي يحمل منتجاتنا الزراعية حيث كان والدي فلاحا آنذاك.
انطلق اللوري وهو محمل بمنتجاتنا الزراعية مع فلاحين آخرين عصرا وكنت في حينها بعمر 7سنوات والطريق مبلط بممر واحد وبعد ان تركنا قرية جويدة واتجه بنا اللوري شمالا اتجاه بغداد كان هناك بستان مباشرة ملاصق لقرية جويدة يسمى بستان بيت نوخاس وفيه قصر لازال ماثلا مع البستان رغم قسوة الزمن ولا زال صوت اللوري الذي يطلق عليه انترناش يرن في إذني وبعد برهة نمر من أمام مركز شرطة عويريج الذي يقع يسار الشارع ولا زال بناؤه موجودا ومتروكا وتسكنه بعض العوائل حاليا
ووصلنا الى نهر يمر من تحت الطريق ويسقي بستانا يسمى هذا النهر كود الصفصاف لأنه زرع على ضفافه شجر الصفصاف وهو الآن موجود بجانب بستان تملكه الطريقة الكزنزانية وفي هذا البستان الآن كليه تدرس العلوم الإنسانية
ونستمر في السير تجاه بغداد
ووصلنا الى بستان الجادريه وهذا البستان لا زال موجودا محاذيا لنهر دجله ونحن لنسير في الطريق بجانب هذا البستان حتى وصلنا الى مقبرة قال والدي هذه المقبرة لليهود وانعطف الطريق الى الغرب محاذيا للمقبرة ومررنا من إمام ميدان رمي ام الطبول وانعطف الطريق باتجاه الشرق لنجد أنفسنا وقبل وصولنا منطقة جسر الخر بقليل وعلى جانب الطريق في الجهة اليمنى منه حاليا كانت هذه المنطقة يسكنها فقراء الناس القادمين من وسط وجنوب العراق وبيوتها من السعف والطين وهي عبارة عن صرائف أو أكواخ كثيرة
وساحة النسور حاليا ( جسر الخر ) لم يكن اي تجمع سكاني ومناطق خالية ما عدا مستوصف وعدة شجيرات ولم يكن هناك جامع ام الطبول ولا مدن البياع والعامل والسيدية ولا مدن اليرموك والمأمون والمنصور ولا اثر لأي مدينة غرب بغداد وهي أراضي خاليه إلا ما ندر من مزارع الجت وكان هناك نهر قادم من جهة الغرب محاذيا للطريق المتجه من منطقة جسر الخر( ساحة النسور) الى ابي غريب يسقي مزارع الجت في هذه المناطق الخالية من اي اثر سكني
وبعد بقليل نزل اللوري الذي يقلنا الى منحدر طريق نصفه ترابي والمحاذي حاليا لقصر الزهور الملكي وعبرنا جسرا صغيرا على نهر الخر الذي يصب ماؤه في نهر دجله وقادما من جهة الشمال ولا زال قسم من النهر ماثلا
وبعد تركنا جسر الخر كانت محطة وقود على الجهة البسرى للطريق وسار اللوري الانترناش ونحن على ظهرة ه وبعضا منا لم ينظر حوله لأنه متعود أسبوعيا يأتي في هذا الطرق لمرة او لمرتين
وكان اللوري يسير في وسط بساتين النخيل وكأنه يعرف مدينته : قال احدهم لوالدي ابو عباس هذه كرادة مريم ورد عليه ، نعم ورد قائلا هذه المنطقة فيها بيوت وقصور جميله ومن هذه الجهة صرائف وأكواخ ، ورد عليه والدي هذه قصور إدارة الحكم الملكي ، وهذه الجهة الشاكرية ،يسكنها الناس القادمين من الوسط والجنوب ولا زال اللوري يزأر تاركا كرادة مريم وانعطف نحو الشمال ، وأنا لأول مرة مبهورا بمشاهدة بغداد كما وعدني والدي بهذه السفرة معه ،ولأول مرة أرى اللوري يسير فوق جسر وخفت أن يقع بنا في النهر قال والدي شوف هذا نهر دجله ولكن لم يقل لي اسم الجسر وهو واعتقد هو جسر مود وحاليا جسر السنك على ما اعتقد
وانساب اللوري بعد الجسر وسط المدينة الجميلة بعد ان حل الليل وكانت المصابيح تملأ فضاءات وبيوت المدينة الجميلة وإنا لم أراها سابقا وكأني في حلم وقال والدي وهو يضحك وسكارته تملا فاه قائلا : (ها عبيس تمتعت ): قلت نعم يا والدي ( بس أريد منك كل ما تجي الى بغداد اجي وياك ): وهز رأسه قائلا تدلل عبوسي
وما كدنا نتحدث توقف اللوري وقال احدهم وصلنا العلوة ( علوة الشيخ عمر في جانب الرصافة وكانت علوة الشيخ عمر ساحة كبيرة جدا يتجمع فيها الفلاحون لغرض عرض منتجاتهم
وتجمع الحمالون حول اللوري لغرض تفريغ حمولته من المنتجات الزراعية منها الخيار والباميا والباذنجان والطماطة وكان رئيس الحمالين اسمه ابو رميل رجل متوسط القامة سمين البنية يطوي حول جسمه حزاما من القماش وهو يوجه الحمالين في تفريغ الحمولة ونحن واقفين ننتظر منتجاتنا وها قد انزل الحمال سلال الطماطة واكياس الخيار وباقي المنتجات الخاصة بوالدي وجمعت في بحبوحة صغيرة وقد مضى الليل في مسيره الطويل وذهبت ووالدي بعد ذلك
الى مطعم للعشاء وكان المفضل لدى والدي هو ( الباجه ) ( الكوارع ) في اللهجة المصرية و ( المصلي ) في اللهجة المغربية
رجعنا بعد ذلك الى بضاعتنا وقد نمت انا ووالدي على الأرض بجانب مزروعاتنا على عباءة والدي ومتوسدا كيس الخيار
استيقظت صباحا على صياح الدلالين وهم كل منهم يعرض هذه المنتجات
في الساعة السادسة وكل واحد منهم يتجمع حوله مجموعة من البقالين للمزايدة على كل منتج وبعدة ان يتم التوصل على قبول الشراء على من يدفع اعلى السعر من احد البقالين
اما أسعار البضاعة فعلى سبيل المثال صندوق الطماطة وزنه 20- 25 كغم لا يزيد سعره عن 200 فلس او 300 فلس وكيس الباميا فيه بحدود 40-50 كغم
لا يزيد عن نصف دينار
وبعد ان تم بيع كل بضاعتنا ذهبنا الى مكتب الدلال ( البياع) لغرض اكمال الحساب لكل مزروعاتنا وفي طريقنا الى المكتب تناولنا الفطور من احد الباعة المتجولين وكان الفطور لذيذا وهو ( كبة برغل ) هي أكله عراقية مشهورة
ووصلنا المكتب وجلسنا ثم نشرب الشاي بعدها قدم لنا الدلال او البياع قائمة حساب بكل ما تم بيعه من بضاعة وكان مجموع المبلغ بحدود 4دنانير
ويحتفظ الدلال بسجل او قائمة بيع المزروعات لسنة كاملة لديه
رجعت ووالدي وانا سعيد جدا
وقد رويت حكايتي الى امي وقد فرحت كثيرا ( قالت لي شتريد بعد عبوسي هنيالك )
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat