تفاجئت الموظفة البائعة في محطة (استراحة الطريق ) بايلوت Pilot
حين اعطيتها ثمن ثلاثة قناني عصير بدلا من واحدة
في حين انه لم يكن في يدي غير قنينة واحدة
فقالت :
لمَ انت تشتري واحدة و تدفع ثمن ثلاثة ؟
فقلت لها لانني كنت قد اخذت قنينتين اثنتين قبل اسبوعين منكم و كنت حينها منشغلا باتصال مهم فخرجت منكم ناسيا ان ادفع الثمن.
فانبهرت ثم تشكرت كثيرا ليس لقيمة العصير
و انما لقيمة العمل من سائق شاحنة مستطرق مسلم افلتته كامرات المراقبة و لم تفلته كاميرة الضمير.
فحتى ان كانت شركة بايلوت Pilot واحدة من اكثر و اكبر الشركات النفعية الجشعة التي تمتص جيوب سائقي الشاحنات فتذرها خاوية،
الا ان ذلك لا يعني ان يتحول امتعاضي منها الى دناءة و مكر حتى لو كان الثمن سبيكة من ذهب و ليس قنينتي عصير.
لقد عَجِبتُ من ردة فعل تلك الموظفة التي تعاملت مع موقفي بمنتهى الاجلال و الاكبار.
صحيح ان تصرفي كان نابعا من تربيتي الشرقية المحافظة لكنه يلتقي و ينسجم مع سلوك اهل هذا البلد (USA, و العالم الغربي بشكل عام)
فما معنى اعجابها؟
فالفرد هنا قد تربى على ان لا تدفعه مظلوميته الى ( مخالفة القانون ) لاسترجاع ما اُخِذ منه ظلما.
فالمبدا عندهم ( احترام القانون ) و موقفي كان مبدأه ( احترام الذات )
و الهدف واحد وهو ( لا تزر وازرة وزر اخرى ).
من محاسن النظام (الرأس مالي) الكثير العيوب هي تقنينه لكل تفاصيل الحياة و عدم ترك سائبة او شاردة الا وضعها تحت قانون
ما يخلق حالة من اعتماد و ثقة الفرد و المجتمع برصانة مظلة القانون التي مُلِئت حرسا شديدا و شهبا.
فمهما كانت مخالفتك المرورية (على سبيل المثال) لا يحق لضابط الشرطة ان يخرج عن اطار اللياقة المهنية حتى لو تسببت بحادث مأساوي،
لانه محاط بحزمة من القوانين تجعله يطبق بحقك اقسى العقوبات المالية و غيرها بابتسامة عريضة و تعاطف لفظي و كلمات ودٍ حميمة تجعلك تشعر ان الشرطي هذا صديقٌ مقرب ( بالعراقي ثارد وياك للعجس) هههه
و بنفس الوقت يُعرفك بحقوقك و ما لك و ما عليك.
لتتفاجأ بعدها بوصل غرامة يقصم الظهر
و عليك ايضا ان تتقبل ذلك بابتسامة عريضة و تختمها بالقول ( اراك في المحكمة ،، طاب نهارك ).
لذلك ، فقلما يحدث شجار بين الناس في ظل تلك المظلة القانونية.
فلو اجرت لك مستشفى ما عمليةً جراحيةً سهلة و تسببت لك بمضاعفات جانبية نتيجة اهمال احد الممرضين، فلك الحق ان تقاضيهم فتجني منهم تعويضات هائلة.
و ذلك لا يمنع المستشفى ولا الممرض من التعامل معك بنفس الاحترام ( و حرص اكبر) ان راجعتهم بعدها، و لا يحق لهم ان يتعاملوا معك (بعدائية او تصفية حساب).
كل فرد في تلك المجتمعات المتقدمة يحرص (عادةً) على ان لا يخطئ بحق الاخرين و ان لا يتعامل مع اخطائهم بإظهار مشاعر السخط
بل بالابتسامة الواثقة بالقانون و احكامه.
ذلك الحرص ( في اغلب حالاته ) منشأه الخوف من القانون و ليس بدافع الفطرة لكي يصدع رؤوسنا "محمد عبده" بعبارة التمجيد ( رايت في اوربا اسلاما بلا مسلمين).
فشتان بين التسليم للخوف و التسليم للفطرة
بالاجمال فإن الانسان كائن ضعيف (في الغالب)
فرعايا القانون سرعان ما يبغي بعضهم على بعض بمجرد توفر اضيق مساحة يغيب عنها القانون لانهم قد برمجوا افعالهم لتكون تحت مراقبة نظام لا يخلو من ثغرات ،
و كلما كانت معرفتك بتلك الثغرات جيدة استطعت ان تَنفَذ منها للتعدي على ما ليس لك به حق فتدرجه في خانة المباح.
و هكذا الكثير من رعايا ( دين الفطرة ) بمجرد ان ينتقلوا للعيش في الغرب يضعون الفطرة في (البيسمنت) القبو لتختفي الذمة و الضمير معها الى حين.
ذلك لانهم قد ربطوا ذهنيا بين ( الفطرة ) و ( العمامة) ما وَلَّدَ حاجزا نفسيا يرتفع قوامه بمجرد ان ابتعدوا عن مجتمعهم المحافظ.
فلا قانون يحترموه و لا بقايا فطرة تردعهم.
و اخيرا
فالتوطين و المواطنة لا تعني القسم تحت راية بلد ما "ان تصون الارض و المقدسات" فتحصل على اوراق ثبوتية؛
و انما ان تتمتع (بفطرة خَيّرة تجعلك تتاقلم مع قوانين اي بلد تطأه قدمك)
لا ان تخاف القانون او تخاف الشرع
زهير مهدي
٣٠/٧/٢٠١٦
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat