صفحة الكاتب : د . محمد ابو النواعير

بين نمطية حزب الله, ونمطية داعش- الحشد الشعبي وولادة الأسلوب الجديد
د . محمد ابو النواعير

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
    لم تكن التنظيمات العسكرية المسلحة في الوطن العربي, بعيدة عن نمطيات العسكرة النظامية, بل أن العسكرة النظامية كان لها دورا كبيرا في تدريب الكثير من هذه الفصائل, وشحذها بالأفكار القتالية والعقائد العسكرية؛ إلا أن الاختلاف بين هذه الفصائل, كان حادا في زواياها العقائدية, ونمطيات تعاطيها مع الأهداف والغايات النهائية, ومقدار اقترابها وابتعادها عن مفاهيم الحالة الإنسانية في الحرب, ومفاهيم الحالة العقائدية.
 
     تميز أسلوب حزب الله في حربه مع العدو الإسرائيلي, في حروب امتدت وتكررت على مدى سنين, بإتباعه لسياسة أو إستراتيجية الدفاع والاستنزاف, وهي إستراتيجية كانت تصيب الكثير من النجاح باعتراف القادة العسكريين الصهاينة أنفسهم, عبر حروب أشبه ما تكون خليطا متجانسا بين الحروب النظامية وحرب العصابات؛ بحيث أصبحت مقاييس النصر والخسارة مختلفة لدى الطرفين, فطرف يعتمد في مفهوم النصر على مسألة البقاء الوجودي, والآخر يرى النصر إمكانية سحق العدو والقضاء على مكامن قوته الهجومية والدفاعية.
 
    عندما دخل حزب الله في الحرب المفروضة على سوريا, تعامل مع نوع مختلف من استراتيجيات الحروب, حيث أصبح لمفهوم مسك الأرض وإبقاء السيطرة عليها, مع استخدام نموذجه القديم في مقاتلة قوات شبه تقليدية, تستخدم تكتيكات حرب العصابات, وهي عصابات داعش الإرهابية, شكل تحديا جديدا له؛ فعندما كان يقاتل العدو الصهيوني, كان الحزب معتاداً على القتال ضمن وحدات صغيرة, وعلى أرض يعرف تضاريسها جيدا، بينما نجده اليوم في سوريا ينشر مئات المقاتلين, في عمليات هجومية معقدة على أراضٍ غير معلومة لديه؛ حيث شكل ذلك موارد ضعف في أداء هذا الحزب.
 
    عصابات داعش الإجرامية, كانت تمثل في جانب كبير منها مدرسة قتالية, مدربة بحسب آليات بعيدة كل البعد عن أي مفهوم للإنسانية, أي بعيدة عن أي قواعد لأخلاقيات الحروب, ومع أنهم كانوا سابقا يتبعون أسلوبا عسكريا ظليّاً, ويتحركون من خلال عمليات إرهابية نوعية, بعيدة عن أسس المواجهة العسكرية؛ إلا أنهم اضطروا إلى إقحام أنفسهم, في عمليات احتلال الأراضي, والإمساك بها, ومحاولة إخضاع أهلها قسرا لنظامها السلفي الراديكالي, مما شكل انحرافا وإرباكا في تعاطيها مع أهدافها الإستراتيجية, وتخبطا واضحا بين منهجها العقائدي الأيديولوجي, ومنهجها العسكري القتالي.
 
     الحالة الثالثة المطروحة على الساحة الآن, هو مسمى الحشد الشعبي في العراق, وهي قوات عسكرية عراقية غير نظامية, تشكلت بتأريخ 13/6/2014, كان لها دور كبير في تغيير معادلة التوازن الاستراتيجي, لصالح قواتنا العسكرية والأمنية, فدخولها أرض المعركة شكل فاصلة تاريخية, بين حالتين من النكوص والاستجابة القوية, تحققت فيها انتصارات لا يمكن إلا ان نعدها, إنموذجاً للروح الحماسية الجديدة.
 
    الأسلوب المميز للعمليات العسكرية للحشد الشعبي, أخذت منحى مختلفا عن النموذجين المذكورين أعلاه, فالحشد الشعبي قوة عراقية, انطلقت من عمق المجتمع العراقي, تشكلت اجتماعيا وأخلاقيا ضمن بيئة اجتماعية متعددة ومتنوعة, مشابهة للتنوع المجتمعي الذي تميز به العراق, فلم يكن يحمل جنبة مذهبية واحدة, ولم يكن يحمل أيضا عقيدة أيديولوجية ذات أهداف سياسية بعيدة الأمد, بل جاء كإستجابة جماهيرية تفاعلت فيها عوامل الفطرة الإجتماعية, والفطرة الدينية, نجحت في فترة قياسية قصيرة ومذهلة, من أن تحقق نجاحات عجيبة على العديد من الأصعدة.
 
   فمن ناحية التدريب العسكري, إلى التشكيل العقائدي والأيديولوجي, إلى سرعة التناغم مع العمليات العسكرية, وسرعة معرفة طبيعة العدو الإجرامية القاسية, وسرعة تحقيق النجاحات العسكرية, والأهم والأغرب هو القدرة على الإستمرار, مع الإفتقار التام لأغلب الإمكانيات, التي تعد أساسية وجوهرية, في إدامة زخم أي معركة, وأهمها وجود السلاح, حيث أصبح الحشد هو المصنع للكثير منها!
 
    الحشد الشعبي تمكن في فترة قياسية أن يكون ضد: الاستنزاف, الترهيب, الهزيمة, ضعف المعنويات العقائدية, ضعف التسليح, قلة التواصل والدعم مع الخبرات العسكرية المتقدمة التي توفرت للنموذجين السابقين!
 
*ماجستير فكر سياسي أمريكي معاصر- باحث مهتم بالأيديولوجيات السياسية المعاصرة.

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . محمد ابو النواعير
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/01/19



كتابة تعليق لموضوع : بين نمطية حزب الله, ونمطية داعش- الحشد الشعبي وولادة الأسلوب الجديد
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net